التلاعب النفسي أو التلاعب العقلي "Gaslighting" هو شكل من أشكال الإساءة وسوء المعاملة العاطفية، التي تجعلك تشك في معتقداتك وتصورك للواقع.
بمرور الوقت يمكن أن يؤدي هذا النوع من التلاعب إلى إضعاف احترامك لذاتك وثقتك بنفسك، ما يجعلك تعتمد على الشخص الذي يقوم بإلقاء اللوم عليك والتلاعب بأفكارك ومشاعرك.
المصطلح نفسه مشتق من مسرحية "Gas Light" عام 1938، التي تدور أحداث قصتها حول زوج يعزل زوجته ويتلاعب بأفكارها وعواطفها، حتى أوصلها للاعتقاد بأنها فقدت عقلها.
ثم تبنّت المصطلح الدكتورة روبن ستيرن في كتابها الصادر عام 2007 بعنوان "The Gaslight Effect".
نستعرض في هذا التقرير سمات الشخص الذي يقوم بالتلاعب النفسي، والأسباب التي قد تدفعه، وكيف تعرف إن كنت تتعرض للتلاعب، وكيف عليك التصرف في تلك الحالة.
كيف يقوم الشخص بالتلاعب النفسي بك؟
- الإصرار على أنك قلت أو فعلت أشياء تعرف أنك لم تفعلها
- ينكر أو يسخر من تذكرك لأحداث معينة
- يطلق عليك صفات مثل "حساس جداً" أو "مجنون" عندما تعبر عن احتياجاتك أو مخاوفك
- الاستهزاء بمشاعرك وسلوكك وحالتك الذهنية
- تحريف الأحداث أو إعادة سردها لنقل اللوم إليك
- الإصرار على أنهم على حق ورفض النظر في الحقائق أو وجهة نظرك
علامات تدل على أنك قد تعرضت للتلاعب النفسي
في مقالها على موقع Psychology Today، تقول الدكتورة ستيفاني أ. سركيس، إن أي شخص عرضة ليكون أحد ضحايا التلاعب النفسي. وإن ذلك يتم ببطء، لذلك لا يدرك الضحية كيف يجري غسل دماغه.
التعرض للتلاعب النفسي والعقلي يجعلك تشكك بنفسك باستمرار، ناهيك عن الشعور بالارتباك وعدم الثقة بشأن قدرتك على اتخاذ القرارات بنفسك.
إذا كانت تظهر لديك العلامات التالية فهذا يعني أنك في علاقة تتعرض بها للتلاعب النفسي، أو أنك مررت بتجربة مماثلة:
- الرغبة في الاعتذار طوال الوقت
- الاعتقاد أنك لا تستطيع فعل أي شيء بشكل صحيح
- مشاعر متكررة من العصبية أو القلق والتوتر
- فقدان الثقة
- تتساءل باستمرار عما إذا كنت حساساً جداً
- الشعور بالانفصال عن إحساسك بالذات، كما لو كنت تفقد هويتك
- تلوم نفسك دائماً عندما تسوء الأمور بينك وبين الطرف الآخر
- لديك شعور دائم بأن شيئاً ما ليس على ما يرام، على الرغم من أنك لا تستطيع تحديد الخطأ بالضبط
- شعور متكرر باليأس أو الإحباط أو الخدر العاطفي
يمكن أن تظهر آثار التلاعب النفسي أيضاً كتغييرات في سلوكك. قد تجد نفسك:
- تتخذ خيارات لإرضاء الآخرين بدلاً من نفسك، وتجعل الآخرين أولوية دائماً
- كثيراً ما تتساءل عما إذا كنت قلت الشيء الصحيح أو اتخذت القرار الصحيح
- تقديم الأعذار للشخص الذي يتلاعب بك لعائلتك والأصدقاء
- الكذب أو عزل نفسك عن أحبائك لتجنب الخلافات مع الشخص الذي يتلاعب بك
- تراجع كلماتك وأفعالك باستمرار للتأكد من أنك فعلت كل شيء "بشكل صحيح"
الأسباب التي تدفع الأشخاص للتلاعب النفسي بغيرهم
وفقاً لموقع Medical News Today للطب والصحة، يحدث التلاعب النفسي لأن شخصاً ما يريد السيطرة على شخص آخر، أو عندما يشعر الشخص المسيء أنه يحق له التحكم في الآخرين، أو أن مشاعره أو آراءه هي الأكثر أهمية.
كما يعاني بعض الأشخاص الذين يلجأون للتلاعب النفسي أيضاً من اضطرابات في الشخصية، مثل اضطراب الشخصية النرجسية.
تستطيع معرفة الأشخاص النرجسيين من خلال عدة صفات تبدو واضحة للغاية، أهمها حاجتهم الشديدة للتحكم في الآخرين؛ إذ يرى النرجسي أنه الأجدر بالسيطرة على من حوله.
كما أن النرجسي يرى نفسه الأفضل في كل شيء، حسب وجهة نظره. لكنه لا يشعر بأنه المسؤول حين تسوء الأمور، ما يجعل إلقاء اللوم على الآخرين صفة تميزه.
التلاعب النفسي قد يكون عرقياً وسياسياً ومؤسسياً حتى
يمكن لأي شخص أن يقوم بالتلاعب النفسي بك، وليس فقط الأشخاص في حياتك الشخصية. السياسيون، على سبيل المثال، يقومون بالتلاعب النفسي والعقلي بأفكار الناس عندما ينكرون الأحداث المسجلة على الفيديو أو التي شاهدها عدة أشخاص.
وقد يقوم الأطباء أيضاً بالتلاعب الذهني والنفسي بك عندما يحاولون إقناعك بأنك تخيلت أعراضك، أو يشيرون إلى أنك تبالغ في الألم.
فيما يلي بعض الأمثلة الأخرى للتلاعب النفسي والعقلي:
في العلاقة مع الشريك الحميم
عندما يتهم الشريك المسيء الطرف الآخر بأنه غير عقلاني أو مجنون، من أجل تقويض ثقته بنفسه وتسهيل السيطرة عليه.
العلاقات بين الوالدين والطفل
عندما يتهم الوالدان الأطفال بأنهم حساسون للغاية لإنكار مشاعرهم أو الأحداث الصادمة أو المسيئة التي وقعت عندما كانوا أصغر سناً.
في العلاقة بين الطبيب والمريض
قد يحدث التلاعب النفسي الطبي عندما يرفض طبيب أو أخصائي طبي مخاوف الشخص المريض أو يقلل منها أو ينكرها، على أساس افتراض أنه مريض عقلياً أو أنها مجرد تهيؤات.
في العلاقات العرقية
يحدث التلاعب النفسي العرقي عندما يحاول شخص ما التلاعب ذهنياً ونفسياً بشخص آخر، لأنه ينتمي لعرق مختلف.
على سبيل المثال، قد ينكر شخص ما تعرض مجموعة معينة للتمييز، رغم الأدلة التي تنص على خلاف ذلك.
التلاعب النفسي السياسي
تنص مقالة في مجلة Buffalo Law Review على أن التلاعب النفسي السياسي يحدث عندما تستخدم شخصية أو مجموعة سياسية الأكاذيب أو الإنكار أو التلاعب بالمعلومات للسيطرة على الناس.
على سبيل المثال، التقليل من شأن الأشياء الخاطئة التي ارتكبتها إدارتهم أو إخفاؤها، أو تشويه سمعة المعارضين السياسيين على أساس عدم الاستقرار العقلي.
التلاعب النفسي المؤسسي
يمكن أن يحدث التلاعب النفسي والعقلي المؤسسي في شركة أو مؤسسة عندما تنكر المنظمة المعلومات أو تخفيها، أو تكذب على الموظفين بشأن حقوقهم، أو تصور المبلغين عن المخالفات الذين يكشفون عن مشاكل في المنظمة على أنهم غير كفؤين أو مختلين عقلياً.
كيف تتصرف إذا كنت تتعرض للتلاعب النفسي والعقلي؟
للتلاعب النفسي تأثير كبير على الصحة العقلية، لذلك من الضروري للأشخاص الذين يعانون منه التعامل معه ووضع حدود له.
ولأن الشخص الذي قد يتلاعب نفسياً بك سيتهمك عادة بتخيل الأشياء وينكر حدوثها، ما قد يفقدك ثقتك بنفسك وقدراتك على تذكر الأشياء، فمن المهم أن تتخذ بعض الإجراءات لتُثبت لنفسك وللطرف الآخر أنك على حق.
يمكنك كتابة المذكرات التي تسمح لك بتتبع الأحداث، بما في ذلك التاريخ والوقت وتفاصيل ما حدث.
كما يمكنك التحدث إلى أحد أفراد العائلة أو صديق أو مستشار موثوق. قد يساعدك ذلك على اكتساب منظور خارجي حول الموقف ومشاركة معلوماتك مع شخص آخر.
يمكن أن يساعد التقاط الصور أيضاً الشخص على "التحقق من صحة" ذكرياته، وتذكير نفسه بأنه لا يتخيل الأشياء، إذ يعد استخدام الهاتف الخلوي طريقة سريعة لشخص ما لتسجيل شيء حدث للتو.
متى عليك طلب المساعدة؟
وفقاً لمجموعة من التوصيات الصادرة عن المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإنه في العلاقات الأسرية تميل أفعال الإساءة العاطفية التي تتمثل بالتلاعب النفسي والعقلي أحياناً، إلى الحدوث جنباً إلى جنب مع أنواع أخرى من الإساءة مثل العنف الجسدي.
كما أن للتلاعب النفسي والعقلي أثراً سلبياً على الصحة العقلية والنفسية، لذا من الضروري أن يلجأ الشخص لمنظمات العنف المنزلي للحصول على المشورة والمساعدة والدعم النفسي اللازم.