طال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، منذ الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الغزِّيين وتراثهم، ففي الوقت الذي وصل عدد الشهداء جرّاء هذا العدوان إلى 20 ألف من المدنيين الفلسطينيين، لحقت آثار القصف أيضاً المعالمَ التاريخية والرموز الخاصة بالشعب الفلسطيني.
من بين هذه المعالم التي تقع في البلدة القديمة بغزة المسجد العمري، وحمّام السامرة، وبيت الغصين الأثري، وهو مبنى تاريخي يعود إلى الفترة العثمانية في أواخر القرن الـ18 الميلادي، وكان مقراً للقنصل الإنجليزي خلال فترة الانتداب البريطاني 1920-1948.
بيت الغصين جار المسجد العمري بغزة القديمة
يقع بيت الغصين الأثري بالبلدة القديمة بغزة، شمالي المسجد العمري، أكبر وأقدم مساجد المدينة، وغرب البيت يقع قصر الباشا الذي يزيد عمره عن 7 قرون.
وبحسب الباحثة في التاريخ والآثار القديمة ناريمان خلة "يعود تاريخ تأسيس بيت الغصين إلى أواخر الحقبة العثمانية ما بين 1870-1917، حيث بناه شهاب الدين الغصين سنة 1933م، وجعله ديواناً لعائلته، وتُقدر مساحته بحوالي 270 متراً مربعاً.
وكان شهاب الدين الغصين الذي شيَّد هذا البيت- وفق ناريمان- ذا مركز مهم في الجيش التركي، حيث إنه جاء بمهندس تركي خصيصاً لتصميم البيت على طراز البيوت التركية.
وإثر وفاة الحاج شهاب الدين، عام 1233م، ورِث البيت ابنُه الحاج حسين الغصين، وعاشت فيه حفيدته رقية الغصين منذ ولادتها عام 1923م وحتى وفاتها عام 2018م".
ووفق الباحثة ناريمان، في الفترة التي كانت فيها الحاجة رقية تعيش في بيت الغصين، فتحت البيت مزاراً لكل نساء حي الدرج القديم، حيث كان بإمكانهن الجلوس في باحة البيت الواسعة والتجوّل في حديقته.
وبعد وفاة الحاجة رقيّة عام 2018م أغلق البيت، وأُعيد افتتاحه للزوّار بعد ترميمه في يوليو/تموز 2021م.
بيت الغصين من شواهد الحقبة العثمانية في غزة
يعتبر بيت الغصين من المباني التاريخية التقليدية في قطاع غزة، والتي تُذكِّر السكَّان بالحقبة العثمانية في القطاع، حيث بنى العثمانيون في فترة حكمهم ما يقرب من 200 منزل على الطريقة العثمانية في القطاع، بعضها اندثر، والبعض الآخر ترجع ملكيتها لشخصيات مسيحية أغلقتها وهجرتها، وبعضها تحتاج إلى إعادة ترميم وتأهيل، بحسب وزارة السياحة والآثار في غزة.
وشيَّد "الغصين" من "مواد البناء الحديثة مثل (الباطون والخرسانة والأساسات وغيرها)، وتم بناؤه بالجدران الحجرية السميكة، وانعقد فيما يسمى بالعقد الصليبي أو العقد العربي، واستخدم في بنائه مواد تقليدية مثل حجر الجير الرملي (حجر المنطقة)، إضافة إلى استخدام الرمل والأبواب الخشبية مع استخدام حديد للحماية بشكل بسيط"، كما ذكر المهندس بشارة، المعماري الفلسطيني المتخصص في حفظ المواقع المعمارية وعلم الإنثروبولوجيا.
يصف بشارة غرف البيت بأنها تبدو للزائر وكأنها من الماضي، ويقول: "تدخل بيت الغصين من باب تنزل إلى ساحته من خلال درج، إلى باب يدخل إلى ساحة موزعة، هناك توجد غرف مستقلة، ومن باب في هذه الساحة تدخل إلى الحديقة المزروعة ببعض الأشجار والتي تحتاج إلى عناية كبيرة، وتدور حول البيت لتشاهد عظمة المكان ورؤية أجدادنا في بناء بيوتهم".
يؤدي مدخل البيت إلى فناء مستطيل الشكل، وينخفض منسوبه عن الشارع العام، والمدخل من الجهة الشرقية يؤدي إلى دَرَج وسطح علوي.
أما دخل البيت فيتكون من تسع حجرات، وثلاثة أبواب تفتح على الحديقة الخارجية، وعدد كبير من النوافذ يتجاوز الـ30 نافذة.
وفي "الغصين" إيوان واسع وكبير على شكل صليب، وسقفه عبارة عن أقبية متقاطعة، وتطل على الإيوان 4 غرف نوم، بها العديد من البيوك والفتحات، وتعتبر العقود المدببة والدائرية ميزة في عمارته.
وقد عرفت البيوت في تلك الحقبة في غزة، بحسب ناهض سقوط، بما يسمى بالقلعة، و تعني المبنى المستقل الذي يحتوي على حديقة.
ويمثّل بيت الغصين الأثري واحداً من القصور الفلسطينية التاريخية ضمن النسيج الحضري القديم في غزة، التي تعود للعهد العثماني، والتي تعرّضت جدرانها وإيواناتها للرطوبة والتشققات وعوامل التعرية بمفعول الزمن.
بيت الغصين مَعلم ثقافي لعشاق التاريخ
قام مركز "إيوان" الذي يهدف لصيانة مواقع التراث الفلسطيني، بالشراكة مع مركز "رواق"، وتحت إشراف وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بترميم بيت الغصين، ليتم افتتاحه من جديد عام 2021 كمعلم ثقافي يزوره المهتمون بالتاريخ والتراث، كما كانت تقام فيه فعاليات ثقافية مختلفة، مثل عروض الأفلام والأمسيات الشعرية وورش العمل الموسيقية والمعارض التراثية الخاصة بغزة، بحسب موقع PALESTINIAN TERRITORIES.
ويقول الدكتور أحمد الأسطل، مدير مركز إيوان: تمكَّن مركز إيوان من الحصول على تمويل من الحكومة الألمانية لترميم وتأهيل هذا الصرح الثقافي، باعتباره أحد كنوز البلدة القديمة "قصر الغصين الأثري".
عاد بيت الغصين الذي كان مهدماً متألقاً مرةً أخرى، كما تم تصميم برنامج الدار ليتناسب مع احتياجات المجتمع المدني والمشهد الثقافي في غزة.
وبيت الغصين من القصور التاريخية الباقية من الإرث الحضاري العثماني في غزة، والتي كانت وزارة السياح والآثار الفلسطينية تحرص على ترميمها والحفاظ عليها من الضياع والاندثار، قبل أن تتعرض للقصف والتدمير من قِبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي، في إطار حملة إبادة ممنهجة تستهدف قطاع الثقافة والتراث الفلسطيني.