تأسست دولة ليبيريا في إفريقيا عام 1847م باعتبارها ملاذاً للعبيد المحررين، ورغم أن مؤسسي ليبيريا أرادوا جعلها دولة ديمقراطية، تختار رئيسها وأعضاء البرلمان عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، فإن تلك الدولة دخلت التاريخ بسبب أغرب انتخابات مزورة على الإطلاق.
وذلك بعد أن فاز المرشح في الانتخابات الرئاسية بأكثر من 240 ألف صوت، مع أن الناخبين المسجلين لدى مفوضية الانتخابات لم يتجاوز عددهم 15 ألف ناخب فقط. ليس هذا فحسب، فالدولة التي أراد مؤسسوها أن تكون ملاذاً للعبيد المحررين، تورط رئيسها ومسؤولوها الحكوميون في فضيحة استغلال السكان في أعمال السخرة وحتى تجارة الرق والعبودية.
واتسمت تلك الفترة الرئاسية بالفساد الشديد، والمحسوبية لتوظيف المسؤولين بدلاً من المهارة، وانعدام الشفافية فيما يتعلق بالقرارات التي كانت الحكومة تتخذها.
ليبيريا دولة العبيد المحررين
في العام 1816، وقبل نحو نصف قرن من الإعلان الرسمي عن قانون إنهاء العبودية بالولايات المتحدة الأمريكية 1865، زار القس روبريت فينل، الذي كان سياسياً مرموقاً في ولاية نيوجيرسي، العاصمة واشنطن. كان القس يهدف من زيارته إلى كسب المساندة والدعم لفكرته المتمثلة في إنشاء مستعمرة جديدة للعبيد المحررين ولكن في إفريقيا.
حسبما جاء في موقع Black Past الأمريكي، كان القصد من فكرة إنشاء هذه المستعمرة هو الحد من النمو الديمغرافي الكبير لأصحاب البشرة السوداء بالولايات المتحدة الأمريكية، ورأى فينلي أنهم "قد يشكلون خطراً على الرفاهية الوطنية" في المستقبل.
التقى روبيرت فينلي عدة سياسيين أمريكيين بارزين، وقاموا بتأسيس "جمعية الاستعمار الأمريكية" (American Colonization Society)، التي تبنت أفكار القس، وسعت في السنوات الأولى لتأسيسها لشراء أراضٍ غرب إفريقيا وتأمينها لتأسيس تلك الدولة.
وتوصلت في العام 1821 إلى اتفاق مع زعماء بعض القبائل المحلية لإنشاء مستعمرة "ميسيرادو"، وبدأت في العام التالي (1922) في إرسال العبيد المحررين أو السود الذين وُلدوا أحراراً إلى "ميسيرادو".
كانت البداية بـ30 عائلة، وكان مجموعهم 528 شخصاً، ثم نقلت 12 ألف أمريكي أسود طيلة 20 عاماً لاحقة.
في العام 1847 أعلنت تلك المستعمرات استقلالها، وأصبح اسمها ليبيريا، وبدأت بضم مزيد من الأراضي لمساحتها، ورغم أن السكان القادمين من أمريكا وأحفادهم شكلوا نسبة 5% فقط من مجموع سكان البلد، فإنهم هيمنوا على الحكم بليبيريا منذ استقلالها ولأكثر من قرن من الزمن.
فساد مالي واضطهاد للسكان وأغرب انتخابات في التاريخ
عانى السكان الأصليون من الظلم، وكانت تُفرض عليهم ضرائب كبيرة تُشكل قيمتها المالية في بداية القرن الماضي (1900) ثلث خزينة الدولة، ما جعلهم يقومون بانتفاضات عديدة، واجهتها الطبقة الحاكمة بقسوة وأخمدتها بعنف.
وكان السكان يُخضعون للأعمال الشاقة، خاصة في الشركات المتعددة الجنسيات التي كنت تنشط بالبلاد، كما كانوا محرومين من حق الانتخاب، لذا حين أقيمت انتخابات عامة ورئاسية عام 1927، كان عدد المسموح لهم بالتصويت 15 ألفاً فقط.
تنافس على الرئاسة حينها مرشحان، الأول كان رئيس ليبيريا حينها لولايتين متتاليتين تشارلز كينغ، والمرشح الثاني كان توماس جيه فولكنر من حزب معارض.
بعد فرز الأصوات حصل توماس جيه فولكنر على 9 آلاف صوت، وكان هذا العدد من المفترض أن يجعله يفوز في الانتخابات.
لكن المفاجأة أن الرئيس تشارلز كينغ حصل على 240 ألف صوت! بعبارة أخرى، تجاوز عدد الأصوات التي تم فرزها نسبة 1660% من نسبة الأشخاص المسجلين للتصويت، ما جعلها تعتبر أغرب انتخابات مزورة في التاريخ.
ورغم التزوير الواضح في تلك الانتخابات أصبح تشارلز كينغ الرئيس لولاية ثالثة، أما منافسه توماس جيه فولكنر، فاتهم الرئيس المنتخب، بالسماح للرق بالوجود في ليبيريا.
والأسوأ من ذلك، ذكر توماس جيه فولكنر أن بعض المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى يشاركون في الشحن القسري للعمال إلى جزيرة "فرناندوبو" الإسبانية للعمل في السخرة، واتهمهم باستخدام الجيش الليبيري لتحقيق ذلك.
بعد اتهامات فولكنر تلت ذلك موجة من ردود الفعل الدولية، وتم تشكيل لجنة من عصبة الأمم لفحص الادعاءات. وفي عام 1930 نشرت اللجنة تقريرها الذي خلص إلى:
1- أن شحن العمال إلى جزيرة "فرناندوبو" و"الغابون" مرتبط بالعبودية، لأن طريقة التجنيد تحمل معها الإكراه.
2- الأشخاص الذين يشغلون مناصب رسمية أساءوا استخدام مكاتبهم بشكل غير قانوني في التجنيد بمساعدة الجيش الليبيري .
3- تورط مسؤولين أمريكيين في القضية والذين لم يستفيدوا من تلك الأعمال فحسب، بل شاركت أيضاً مؤسسة أجنبية كبيرة في تلك الإجراءات وهي شركة "أريستون للمطاط".
بعد نشر التقرير، بدأ مجلس النواب الليبيري إجراءات عزل الرئيس كينغ الذي استقال على عجل. وهكذا أفلت من محاكمة علنية حيث ينص الدستور الليبيري على أنه "لا يجوز محاكمة أي شخص على جريمة كبرى أو شائنة، إلا في حالة العزل". واتخذ العديد من المسؤولين المتورطين خطوات مماثلة.
لم تتم محاكمة كينغ، وشغل منصب وزير مقيم في أمريكا 1947، ثم أصبح سفيراً لدى أمريكا حتى عام 1952.