عقب إعلان رئيس المجلس البلدي لمدينة صفرو تأجيل الدورة المئة لمهرجان حب الملوك "الكرز"، التي كان من المقرر تنظيمها في شهر يونيو/حزيران 2023، ويرجع سبب تأجيله إلى الإكراه الزمني الذي لم يعد يسمح بتنظيم ناجح ومُحكم لدورة هذه السنة التي تصادف الدورة 100.
حسب موقع "فاس نيوز" المغربي، يتطلب المهرجان تعبئة كبرى على جميع المستويات، لم يعد الحيز الزمني يسمح بالقيام بها بما يليق بحمولة المهرجان التاريخية والثقافية والحضارية، خاصة أنه يحظى بالرعاية الملكية المغربية، كما أنه مصنف ضمن التراث الثقافي العالمي لليونسكو.
كما أكد البلاغ أن هذا التأجيل سيكون مناسبة للإعداد الجيد لتخليد مانوية المهرجان واستثمارها لإعطاء انطلاقة جديدة وتدشين جيل جديد من دورات المهرجان، بما يحافظ على أصالته كموروث تاريخي وثقافي وشعبي، ويواكب في نفس الوقت التطورات الجوهرية التي يعرفها المحيط الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
يعتبر هذا المهرجان من أقدم المهرجانات في المغرب، تخصص فيه مسابقة لاختيار ملكة جمال حب الملوك بالتزامن مع نهاية موسم زراعته، يستقطب هذا المهرجان الكثير من السياح من داخل المغرب وخارجه للتعرف على المميزات والمؤهلات السياحية لإقليم صفرو، إلى جانب الأنشطة الثقافية والفنية العديدة للزوار المشاركين.
حسب موقع "moroccan zest"، تم إدراج مهرجان صفرو الكرز في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية سنة 2012 في منظمة اليونسكو.
بناها الأمازيغ وطوَّرها مهاجرو الأندلس
على الرغم من مساحتها الصغيرة، تعتبر حديقة المغرب واحدة من أقدم المدن في المغرب، تقع في طريق استراتيجي بين سجلماسة وتافيلالت عند سفوح جبال الأطلس المتوسط على بعد 28 كلم جنوب شرق مدينة فاس يتوسط المدينة وادي أجاي الذي يقسمها نصفين.
سُميت المدينة بصفرو نسبة إلى قبيلة أمازيغية سكنتها منذ مئات السنين، والتي تعرف بأهل صفرو، ضمت المدينة أقلية يهودية لحقبة طويلة من الزمن، يشير العديد من المؤرخين إلى أنه تم تأسيس هذه المدينة قبل مدينة فاس بفترة طويلة، وهذا ما أكده قول إدريس الثاني مؤسس فاس عند قوله: "سأغادر من مدينة صفرو إلى قرية فاس" التي كانت حديثة النشأة حينها.
ازدهرت المدينة وتوسعت عندما هاجر عدد من مسلمي الأندلس إليها خلال القرن السادس عشر، والذين استوطنوا في البداية مرتفعاً جبلياً قريباً من الشلال المتواجد بالمدينة، التي تسمى في الوقت الحالي القلعة.
يقول بعض المؤرخين إن المورسكيين من قاموا بتأسيسها بالتعاون مع قبيلة من الأمازيغ سكنت الجبل لحماية المدينة من هجمات البرتغاليين والإسبان، فشيدوا فوق قمة جبل صفرو مدينة مكونة من حوالي 200 منزل، ولهذا السبب تميز معمار المدينة بالطابع الأندلسي، وما زالت المدينة القديمة محافظة على هذا الطابع حتى اليوم.
خلال هذه الفترة قام سكان المدينة بزراعة أغلب البساتين بثمار الكرز، التي يطلق عليها اسم حب الملوك؛ لكونها كانت الفاكهة المحببة لأهل الأندلس آنذاك، ثم أصبحت مدينة صفرو حاضرة الدولة "السعدية" التي تأسست في المغرب منتصف القرن السادس عشر الميلادي.
معنى صفرو وأشهر معالمها
يشتق اسم صفرو من كلمة أصفرو "الأمازيغية"، التي تعني المنطقة المقعرة، سميت المدينة في الماضي بالعديد من الأسماء، من بينها مدينة حب الملوك، أما اليهود فسموها "أورشليم الصغيرة"، أما الفرنسيون فقد كانوا يقولون عنها حديقة المغرب؛ نظراً لغطائها النباتي الكثيف.
كانت مدينة صفرو تتكون خلال فترة الحماية من المدينة القديمة والقلعة المحاطة بأسوار دفاعية تحمي سكانها ومن يمر عبرها من قوافل، وتتخلل هذه الأسوار أبواب ضخمة أشهرها باب المقام، وهي ما تمثل حتى يومنا هذا النسيج التاريخي لمدينة صفرو.
كما تتوفر على أبراج وحصون دفاعية لا يزال بعضها قائماً حتى يومنا هذا ويتم ترميمها كل فترة. ومن بداية الثمانينات، ستعرف صفرو تطوراً سريعاً، وهكذا في غضون ثلاثين عاماً، تضاعفت مساحة المدينة ثلاث مرات، لتنتقل من 380 هكتاراً سنة 1981 إلى 1336 هكتاراً سنة 2015.
تمتاز مدينة صفرو في المغرب بأحيائها العتيقة والأسواق الأثريّة، والأسوار التاريخية التي تشهد كلها على الموقع الاستراتيجي للمدينة في تأمين وحماية الطرق التجارية بين فاس وتافيلالت في عهد الملك المولى إسماعيل.
كما تضم المدينة العديد من الأبواب، من بينها باب المقام وباب درب عمر، بالإضافة إلى باب بني مدرك وباب المضيق الذي يسمى الآن ستي مسعودة، وغيرها من الأبواب، بالإضافة إلى المساجد القديمة التي تعود إلى العديد من القرون، مثل المسجد الأعظم أو الجامع الكبير الذي بُني في عهد السلطان مولاي سليمان العلوي قبل سبعة قرون، ويتميز بهندسته المغربية الأصيلة وصومعته الشاهقة.
مدينة صفرو معروفة كذلك بتنوع الأشكال المعمارية، فهناك منازل تم بناؤها على الطريقة الريفية المستوحاة عن سكان الجنوب والأطلس المتوسط، والمغربية الأندلسية المشتقة من المنازل التقليدية لمدينة فاس ونجدها، خصوصاً في عرصة الدار وفي حي تاقصبت، بالإضافة إلى المنازل اليهودية العتيقة.
كما تشتهر المدينة بطبيعتها الرائعة وشلالاتها الخلابة، ومياهها العذبة التي لا تجف طيلة السنة والكهوف العميقة، ومن أهم هذه الشلالات شلال واد أكادي.