دام الاحتلال البريطاني للهند لنحو 200 عام، وهي فترة شابها الفقر المدقع والمجاعات. واستنزفت في هذين القرنين ثروة الهند بشكل بشع. ولطالما حاول الخبراء الاقتصاديون والمؤرخون الإجابة عن سؤال مهم للغاية ما مقدار سرقات بريطانيا لثروات الهند؟.
وبحسب بحث أجرته الخبيرة الاقتصادية الشهيرة "أوتسا باتنايك" عام 2019، بالاعتماد على ما يقرب من قرنين من البيانات التفصيلية حول الضرائب والتجارة، حسبت باتنايك أن بريطانيا استنزفت ما يقرب من 45 تريليون دولار من الهند خلال الفترة من 1765 إلى 1938.
وهو ما يعادل 17 مرة أكثر من إجمالي الناتج المحلي السنوي للمملكة المتحدة في العصر الحديث، وإليك الطريقة التي قامت بها بريطانيا بالاستيلاء على مثل هذا المبلغ.
ضرائب الإمبراطورية البريطانية في الهند: مجاعة وشراء السلع بالمجان
وضعت بريطانيا أنظمة معقد لتحصيل الضرائب في الهند. وقسمت الهند إلى مناطق، وعلى كل منطقة عينت مسؤولاً لتحصيل تلك الأموال. وبحسب "أوتسا باتنايك" عندما بدأ الموظفون البريطانيون في شركة الهند الشرقية تحصيل الضرائب لأول مرة في البنغال عام 1765، أصيب موظفوها "بالجنون" تماماً بسبب الجشع.
وثق آر سي دوت، ضابط الخدمة المدنية في "الراج البريطاني"، أنه بين عامي 1765 و1770، ضاعفت الشركة الإيرادات الضريبية في البنغال لثلاثة أضعاف. وكان أثر ذلك كارثياً على المزارعين البنغال.
منها عدم قدرتهم على شراء الغذاء وارتفاع أسعار الطعام بشكل كبير. وتسبب ذلك بمجاعة واسعة النطاق في البنغال في عام 1770. وقدر البريطانيون أنفسهم أن 10 ملايين نسمة راحوا ضحية تلك المجاعة.
ولم تكتفِ بريطانيا بفرض الضرائب ونقل الأموال إلى لندن فقط، ولكن سرقات بريطانيا لثروات الهند
كان لها طرق أخرى باستخدام أموال تلك الضرائب نفسها. عن طريق شراء البضائع من الهنود "بالمجان".
استخدمت شركة الهند الشرقية جزءاً من أموال الضرائب التي تجمعها من الهنود، لشراء البضائع الهندية من السكان، مثل الحبوب والنسيج وغيرها، بمعنى آخر بدلاً من دفع ثمن تلك البضائع من الخزينة البريطانية، كانت بريطانيا تشتريها بأموال الضرائب التي تأخذها من الهنود أنفسهم.
علاوة على ذلك، لم يسمح البريطانيون للهنود تصدير بضائعهم لدول أخرى، وكان البريطانيون يشترون تلك البضائع بأثمان بخسة فرضوها على التجار الهنود، ثم يبيع البريطانيون تلك البضائع إلى دول أخرى مقابل أضعاف مما اشتروه بها في المقام الأول.
وساطة تجارية وسرقات عن طريق السندات
عام 1858 بدأت مرحلة جديدة من سرقات الاحتلال البريطاني للهند، وتولى "الراج البريطاني" المسؤولية، وأضاف المستعمرون طريقة جديدة لنهب ثروات الهند وسلب أرباح التجار الهنود.
بعد جمع الضرائب من الهنود، لم يتم إنفاق ثلث إيرادات الميزانية الهندية محلياً، ولكن تم وضعها جانباً كـ"نفقات في الخارج".
في تلك المرحلة وما بعدها سُمح للهنود بتصدير سلعهم مباشرة إلى بلدان أخرى. لكن بريطانيا حرصت على أن تنتهي مدفوعات هذه السلع مع ذلك في لندن. ووضعت شروطاً وقواعد كان ظاهرها ضمان دفع ثمن تلك البضائع من المستوردين الأجانب للتجار الهنود، لكنها بالأصل طريقة لتحصيل الأرباح لصالح بريطانيا.
فكان على المستوردين الأجانب إيداع الدفعات بالذهب أو الجنيه الإسترليني، في حساب في بنك إنجلترا. وبالمقابل يتم تسليم التجار والمصدرين الهنود قيمة صادراتهم عن طريق سندات، وعندما صرف الهنود تلك السندات، دُفع لهم بالروبية من عائدات ضرائب الأموال التي تم جمعها منهم. لذا، مرة أخرى، لم يتم دفع أجورهم على الإطلاق؛ وتعرضوا للاحتيال.
فأموال بضائعهم تم دفعها من الميزانية الهندية من الضرائب التي دفعوها، من الجزء المسمى "النفقات في الخارج". لذلك، كان لبريطانيا سيطرة كاملة على كل القوة الشرائية الدولية التي اكتسبها المنتجون الهنود.
السكك الحديد والديمقراطية.. الإرث البريطاني المزيف في الهند
يذكر الدكتور الدكتور "روس نيلسون" من جامعة لندن في كتابه "Inglorious Empire: What the British did to India" "إمبراطورية شريرة: ما فعله البريطانيون بالهند" إن الإرث البريطاني المفترض للهند (السكك الحديدية والتعليم واللغة الإنجليزية والديمقراطية وما إلى ذلك) قد تم تضخيمه إلى حد كبير، ولم يكن مخصصاً لمنفعة الهنود، وبوجود الاستعمار أو بدونه، كان سيتم تنفيذه على جدول زمني أكثر ملاءمة لاحتياجات الشعب الهندي.
ويشرح السياسي والدبلوماسي الهندي شاشي ثارور، أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي للهند وبريطانيا
خلال فترة الاحتلال البريطاني للهند هو أكبر دليل على سرقات بريطانيا لثروات الهند.
فقد كانت حصة الهند من من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 1700 حوالي 27%، بينما كانت
حصة بريطانيا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 3% فقط.
ومع بدء الأنشطة الاستغلالية لشركة الهند الشرقية ومسؤوليها، والتي تسارعت خلال القرن الـ19 لتمويل القوة الصناعية البريطانية والشبكات البحرية، ومن خلال التطبيق لسياسات التجارة الحرة وطريق البيع بالسندات.
وبحلول الوقت الذي غادر فيه البريطانيون الهند في عام 1947، انخفضت حصة الهند من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 3% بينما على النقيض من ذلك، ارتفعت حصة بريطانيا من 3% في عام 1700، لتصبح 9% في عام 1870.
ويجادل ثارور بأن من بين أكثر الأمثلة الصارخة لحرص بريطانيا على سلب ثروات الهند وإبقائها تحت السيطرة، التدمير المتعمد لسفن الهند ومصانع المنسوجات، بينما أصبحت بريطانيا في الوقت نفسه رائدة على مستوى العالم في هذه الصناعات.
ودفعت الهند ثمن وضعها التبعي من خلال الضرائب المرتفعة، والتي صبت كلها في المصلحة البريطانية، مثل تمويل الجيش البريطاني الهائل، وحتى بناء السكك الحديدية، كان طريقة أخرى لنهب أموال الهند، بعائد غير عادي بنسبة 5% من الأرباح للمستثمرين البريطانيين.
قال المؤرخ الباكستاني عمار علي خان: "إن دولاً في شبه القارة الهندية ما زالت تواجه تداعيات عمليات الاستخراج الاقتصادي هذه. وبسبب هذا التاريخ، لدينا اعتماد على المساعدات، كما ترون في باكستان وبنغلاديش، وحتى الهند إلى حد ما".
وقال: "لدينا عيب تاريخي بنيوي مقابل أوروبا، ما زلنا عالقين في حلقة تاريخية من 250 عاماً من النهب والفقر الهيكلي".
وعلى الرغم من تلك الحقائق، لا يزال المسؤولون البريطانيون يرفضون الاعتراف بتلك الجرائم أو دفع تعويضات لمستعمراتهم السابقة، بل حتى يرفضون الاعتذار، وقال رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون إنهم إذا قالوا نعم لمطالب الاعتذار، "فستجد فجأة المتحف البريطاني فارغاً".
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تروس للصحافة البريطانية إن البلاد يجب أن تفتخر بتاريخها الإمبراطوري، "الثآليل وكل شيء".
ونُقل عنها قولها: "في الدوائر العصرية، تحدث الناس عن كيف يجب أن نخجل من تاريخنا ونشكك في مستقبلنا". "حان الوقت لنفخر بمن نحن وما نمثله. حان الوقت لتفريغ الأمتعة التي تعيقنا".