يعدّ الشيخ بوعمامة أحد أبرز قادة المقاومة الشعبية الجزائرية المسلّحة ضد الاحتلال الفرنسي، كذلك يعد مثالاً على وحدة المغرب العربي، فالمجاهد الصوفي الذي وُلد في مدينة فكيك المغربية، وتوفي في العيون المغربية أيضاً، عاش حياته كاملة فوق فرسه مقاتلاً للاحتلال الفرنسي للجزائر.
كما قاد الشيخ بوعمامة أطول ثورة شعبية في تاريخ الجزائر؛ إذ دامت هذه الثورة منذ أبريل/نيسان 1881 إلى غاية أكتوبر/تشرين الأوّل 1908، أي 27 عاماً، وذلك في منطقة الجنوب الغربي الجزائري.
من هو الشيخ بوعمامة؟
محمد بن العربي بن الشيخ بن الحرمة بن إبراهيم الملقب بـ أبو عمامة، والذي صار شهيراً باسم الشيخ بوعمامة، وأحد أهم الشخصيات الوطنية الجزائرية التي مزجت بين المكانة الدينية والثورية في التاريخ الجزائري.
بحسب دراسة بحثية بعنوان "دور ثورة الشيخ بوعمامة في التصدي للتوسع الاستعماري"، ولد الشيخ بوعمامة في حوالي 1838، وهناك مصادر تقول إنه ولّد سنة 1848 بمدينة فكيك المغربية، وذلك بعد أن نزحت أسرته إليها في القرن الـ 18م، وتوفي سنة 1908 بالقرب من العيون الشرقية المغربية، وذلك بعد أن أجبره الاحتلال الفرنسي إلى اللجوء إلى الأراضي المغربية بعد التضييق على مقاومته.
ترعرع الشيخ في وسط روحاني؛ إذ كانّ أحد أجداده وهو سيد الشيخ مؤسس الطريقة الصوفية الشيخية، كما أنّه سليل عائلة أولاد الحرمة التي تنحدر من أولاد سيدي التاج أحد أحفاد سيد الشيخ، والتي كانت ذات نفوذٍ واسع في المغرب، وصل حتى الأسرة الملكية الحاكمة.
مع ذلك، التزم الشيخ بوعمامة بمسار أجداده، فعاش طفولته في طلب العلم وحفظ القرآن، ثم سرعان ما ارتحل نحو الجنوب الغربي الجزائري، وبالضبط إلى قرية مغرار، أين أقام زاويته وحمل مشعل الطريقة الشيخية.
المقاومة التي اعتمدت على الجهاد
كانت منطقة الغرب الجزائري، إحدى أكثر المناطق الساخنة خلال الفترات الأولى للاحتلال الفرنسي، فكانت ما إن تخبو ثورة حتى تندلع الثانية، وعلى هذا الحال عاشت الجزائر منذ احتلالها على وقع عشرات الثورات الشعبية التي قادها رجال الطرق الصوفية مثل الأمير عبد القادر والشيخ المقراني والشيخ الحداد ولالة فاطمة نسومر ومقاومة أولاد سيد الشيخ.
في تلك الأثناء، وصل الشيخ بوعمامة إلى الجزائر قادماً من مدينة فقيق المغربية؛ حيث استقرّ في مدينة مغرار الجزائرية، كما سبق ذكره.
أقام الشيخ بوعمامة زاوية شيخية وصار مقدماً للطريقة، وسرعان ما شرع في حملة الحشد والدعوة إلى اتباع منهجه الديني والسياسي، ليصبح شيئاً فشيئاً أحد القيادات الدينية التي تحظى باحترام كبيرٍ لدى القبائل المستقرة في الغرب الجزائري.
وسّع الشيخ من نفوذه في كامل الجنوب الغربي عبر اتصاله بالقبائل والعروش ومريدي الطريقة الشيخية من سكان الصحراء الجزائرية، والذين كانوا يتأهبون لبداية ثورة جديدة ضد الفرنسيين.
وفي 15 أبريل/نيسان 1881، أعلن الشيخ بوعمامة بداية ثورته ضد المحتلّ الفرنسي، وذلك في أعقاب محاولات السلطات الفرنسية، اعتقال أحد المقربين منه وهو الطيب الجرماني، وهي المحاولة التي انتهت بمقتل ضابط فرنسي برتبة ملازم أول وأربعة من حراسه التابعين لفرقة الصبايحية بحسب دراسة بحثية بعنوان "خصائص مقاومة الشيخ بوعمامة".
كان شعار ثورة بوعمامة مواجهة المستعمر الفرنسي عن طريق الجهاد تحت راية الإسلام والدفاع عن الوطن، فمثلاً كانت رسالته إلى قبيلة "الشعانبة" الساكنة للصحراء قال الشيخ بوعمامة: "وبعد نعلمكم أعلمكم الله خيراً، نريد قدومكم ونلاقوا المحتل الفرنسي على أمر الجهاد في سبيل الله .. هذا الأمر نادى به المنادي"، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من القبائل إلى الانضمام إلى ثورته.
كانت شعبية الشيخ مع بداية ثورته قد بلغت أشدّها وأغلقت السلطات الفرنسية، في هذا الصدد يشير المؤرخ الجزائري عبد الحميد زوزو في كتابه "ثورة بوعمامة" إلى أن تقارير عسكرية فرنسية أشارت إلى شعبية الشيخ بوعمامة الطاغية في أوساط القبائل الصحراوية، بالخصوص قبائل رزينة وحميان وترافي، كما كانت العديد من القبائل تُرسل إليه بالهدايا التي تُسمى "الزيارة"، وهي الودائع الدينية التي تُقدم عادة للزوايا والأولياء الصالحين؛ في مقابل وعود كان يُطلقها الشيخ بـ"التحرير من الاستعمار"
بالمقابل كان الشيخ يستغل كلّ فرصة أو زيارة إلى القبائل الجزائرية من أجل إثارتها للخروج ضد المحتل الفرنسي.
كانت أوّل مواجهة مباشرة بين الشيخ بوعمامة والقوات الفرنسية بمعركة صفيصفة في أبريل/نيسان 1881، حيث نجحت مقاومة الشيخ بوعمامة في دحر العدو الفرنسي، والانتصار عليه. ولم يفقد الشيخ بوعمامة خلال تلك المعركة سوى عدد قليل من رجاله، وزاد ذلك الانتصار في انضمام متطوعين جدد في حملته.
معركة مولاق أكبر معارك الشيخ
في 19 مايو/أيّار 1881 كان الشيخ بوعمامة ورجاله أمام إحدى أكبر معاركهم ضد المحتل الفرنسي، كان ذلك في مكان يسمى مولاق (تلاقي جبلين)، بالقرب من قصر الشلالة في جبال القصور، حيث دار قتالٌ عنيفٌ بين جيش الشيخ بوعمامة والجيش الفرنسي.
وقد اختلفت الاحصائيات حول أعداد القتلى والجرحى بين الطرفين، لكنها بلا شك كانت أهم معركة قتالية بين جيش الشيخ والاحتلال الفرنسي.
فخلالها استطاع الشيخ أن يتوجه بقواته نحو منطقة الصحراء، ثم الدخول في مرحلة كر وفرٍ مع الجيش الفرنسي انتهى بقطع خطوط التلغراف على الاحتلال الفرنسي في المناطق الغربية، ومهاجمة مراكز الشركة الفرنسية الجزائرية للحلفاء، كما أنه نجح في أسر 300 جندي فرنسي وألف غرارة من الشعير والقمح وغيرها من الغنائم خلال مداهماته.
ومن أجل وقف هجمات بوعمامة، قامت السلطات الفرنسية بإرسال قواتها إلى الجنوب الغربي لتطويق المقاومة وتصفيتها، لكن الجنود الفرنسيين فشلوا في هزيمة الشيخ خلال تلك المعركة، الأمر الذي جعلهم ينتقمون بتدمير ضريح جدّه سيدي الشيخ من أجل إجباره على الاستسلام.
انسحب بعدها بوعمامة تكتيكياً نحو مدينة البيض بالجنوب الغربي الجزائري، حيث اعتمد على حرب العصابات ضد الاستعمار الفرنسي، ومهاجمة مصالحه الاقتصادية في المنطقة، والعمل على خلق جو من التهديد الدائم لإرباك صفوف العدو.
ثم سرعان ما عاد الشيخ بوعمامة إلى مدينة فكيك المغربية سنة 1884 ليواصل قيادته لثورته من هناك، وفي هذه الفترة كان يبعث الشيخ بوعمامة سراياه لخوض المعارك ضد الفرنسيين، ولعلّ أبرز تلك المعارك معركة المنقار التي جرت في 30 يوليو/ تموز 1900، والتي هاجمت فيها قائل دوي منيع وجرجر والشعانبة إحدى قوافل التموين الفرنسية وكبدتها خسائر كبيرة، إضافة إلى معركة تاغيت سنة 1903 والتي كبّد فيها الشيخ بوعمامة وأنصاره الفرنسيين خسائر جمّة.
وبحسب مقال بحثي بعنوان: "استمرارية مقاومة الشيخ بوعمامة من المغرب الأقصى"، في فترة لجوئه إلى مدينة فكيك، أراد الجنرال ليوطي ثني القبائل المغربية عن دعم الشيخ والتضامن مع ثورته، وحاول ضرب حصارٍ آخر عليه من الجهة المغربية، الأمر الذي دفع بوعمامة إلى الارتحال من مدينة فكيك إلى وجدة بالشمال التي استقر بها وأقام زاوية له، ولم ينس مقاومته التي كانت مستمرة في الجنوب الغربي الجزائري بواسطة قبيلة أولاد سيد الشيخ وقبائل دوي منيع والشعانبة، فكان يقدّم لها العون حتى وفاته.