يعتبر من بين أكثر الشوارع ازدحاماً واستقطاباً للسياح في العالم، يربط ما بين ميدان تقسيم منطقة كاراكوي، مروراً ببرج غلطة الشهير، محاطاً بالعديد من المعالم السياحية الحديثة والتاريخية منها.
شارع الاستقلال بإسطنبول شارع يربط ما بين الماضي والحاضر؛ إذ يشهد محلات تجارية لماركات عالمية وصوامع صوفية وأبراج الكنائس المسيحية، التي تروي قصة الشارع الذي كان حاضرة بيزنطة وقلب عاصمتها القسطنطينية منذ القرن السابع قبل الميلاد.
بين البيزنطيين والعثمانيين
بدأ تشكيل شارع الاستقلال مع العصر البيزنطي، إذ كان برج غلطة محاطاً بالأسوار، وكانت مستعمرة للمجتمعات اللاتينية، وكانت هذه الضفة تسمى القرن الذهبي (جزء من النهر الذي يقسم الضفة الأوروبية بين تقسيم ومنطقة أمينونو) "بيرا" أو الجانب الآخر، حسب الموقع الرسمي لشارع الاستقلال "carred artistes istanbul".
هضبة بيوغلو تقع بالقرب من ساحل القرن الذهبي وصولاً إلى أعلى نقطة في منطقة غلطة الواقعة بين القرن الذهبي ومضيق البوسفور الشهير، كانت هناك مناطق للصيد والغابات والمقابر، ولم تكن المنطقة تضم عدداً كبيراً من المنازل بل القليل فقط.
خلال العصر البيزنطي كانت منطقة غلطة مفعمة بالحيوية، وبعد فتح القسطنطينية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح، توسعت المنطقة وأصبحت أكثر جاذبية، إذ استقر العثمانيون في كل من ضفتي القرن الذهبي وصولاً إلى مضيق البوسفور.
بدأ تعمير المنطقة يرتفع تدريجياً مع مرور الوقت، إذ زادت أهمية شارع الاستقلال كمكان تجاري، وبدأت مواجهة القرن الذهبي في تشكيل المنطقة بشكل أكبر خاصة مع وجود المسلمين في المنطقة عام 1491 م، إذ أعطى السلطان العثماني بايزيد الثاني الأرض بالمنطقة لإسكندر باشا الذي أنشأ فيها نزل مولوي على هذه الأرض الذي يُعرف اليوم باسم "Galata Mevlevihanesi".
منذ نهاية القرن الخامس عشر، بدأ عدد السكان المسلمين في المنطقة في الازدياد. لكن بشكل عام، استقر الأجانب أيضاً في المنطقة خلال هذه الفترة، من بينهم الفرنسيون الذين بنوا القصر الفرنسي "السفارة الفرنسية حالياً" والبريطانيون. أصبح على إثرها شارع الاستقلال الذي سمي حينها "الطريق الكبير" (Cadde-i Kebir) مركزاً للحرف اليدوية والتسوق.
خلال القرن السابع عشر، امتد الشارع من برج غلطة إلى مدرسة ثكنات قصر غلطة. في القرن الثامن عشر، واصل بيوغلو التوسع على محور "Grand Rue de Pera" أو الشارع الكبير لبيرا . خلال هذه الفترة، تم توسيع القنصلية العامة الهولندية في إسطنبول، وتم بناء كنيسة القديس أنطوان وكنيسة سانتا ماريا درابيريس.
شارع الاستقلال في العصر الحديث
مع بداية القرن التاسع عشر، بدأت منطقة بيوغلو تصبح من المنتجعات الصيفية، إذ تم تشكيل الشارع بالكامل في النصف الثاني من القرن، إذ كان المثقفون العثمانيون والنبلاء والشباب المواكبون لأنماط الحياة الأوروبية يقصدون الشارع لاحتوائه على أماكن ومقاهٍ حديثة.
خلال هذه الفترة، قام الضيوف الأوروبيون الشرقيون ببناء أماكن الترفيه والاستراحة ومبانٍ فاخرة وأنيقة في الشارع. أصبح نمط حياة يسمى بـ"La Belle Epoque" أي الزمن الجميل في عهد السلطان عبد العزيز. كانت توجد عربات ترام تجرها الخيول ونفق وكهرباء خلال هذه الفترة.
كان الذهاب إلى منطقة بيوغلو "شارع الاستقلال حالياً" نشاطاً ترفيهياً لسكان مدينة إسطنبول، إذ كانت المحلات التجارية التي تتميز بطابع حديث وملابس مختلفة تستقطب محبي الأزياء الجديدة ما بين سنة 1850 و1860.
يعتبر مترو الأنفاق الرابط بين شارع الاستقلال ومنطقة كاراكوي ثاني أقدم مترو في العالم بعد لندن، تم قبول الفكرة التي قدمها المهندس الفرنسي يوجين هنري جافاند إلى السلطان العثماني عبد العزيز، وبدأ بناؤها في عام 1871 وافتتح عام 1875 بحفل رائع.
شارع الاستقلال والجمهورية التركية
خلال القرن العشرين تغير اسم الشارع من الشارع الكبير إلى شارع الاستقلال، بعد قيام الجمهورية التركية بعد الحرب العالمية الأولى على أنقاض الإمبراطورية العثمانية سنة 1929، إذ افتتح في الشارع دور سينما ومسارح، بالإضافة إلى أعداد هائلة من الفنادق تساعد في استقطاب عدد كبير من الزوار للمنطقة.
خلال الربع الأول من القرن العشرين أصبح شارع الاستقلال مكاناً يتم التحدث فيه بلغات العالم العديدة بحكم عيش العديد من الجنسيات به، لكن في إحدى الفترات بدأ الشارع يفقد رونقه واستقطابه للناس سواء كانوا محليين أو أجانب.
خلال خمسينيات القرن الماضي بدأت الهجرات إلى المدن ترتفع وسط انهيار للشارع، لتبدأ عملية الترميم والتنظيف لشارع الاستقلال في تسعينيات القرن الماضي لكي يعود إلى ما كان عليه.
حالياً يعتبر شارع الاستقلال واحداً من بين أكثر الشوارع ازدحاماً في العالم؛ إذ يضم عدداً هائلاً من المحلات التجارية لماركات عالمية، بجانب الأماكن التاريخية التي يقصدها زوار المنطقة لالتقاط الصور والتي تجعل الشارع يجمع ما بين الحداثة وعبق التاريخ.