خلال معظم أوائل القرن العشرين، احتلت اليابان وفرضت سيطرتها على مناطق من الصين، واضطهدت الصينيين من سكان تلك المناطق، وخلال سنوات بدأ الجيش الياباني الزحف لاحتلال العاصمة الصينية، مرتكباً جرائم وحشية بحق الصينيين.
كان أفظعها ما حدث في مدينة نانجينغ، وأصبح لاحقاً يعرف بـ"مذبحة نانجينغ" أو "اغتصاب نانجينغ"، وحين التقط جنود يابانيون صوراً لجرائمهم خلال المذبحة، لم يكونوا يعلمون أن تلك الصور ستكون دليل إدانة دولية، وتوثق ما قاموا به من فظائع إلى يومنا هذا.
إطلاق نار كان ذريعة الجيش الإمبراطوري الياباني لاحتلال الصين
منذ العام 1915 كان الجيش الإمبراطوري الياباني يسيطر على منطقة منشوريا في الصين، وكان الصينيون في منشوريا يعانون في ظل الامتيازات التي يتمتع بها اليابانيون.
وبعد الاستيلاء على منطقة منشوريا الصينية، ومقاطعة جيهول بالكامل، كان اليابانيون ينتظرون ذريعة لغزو واحتلال الصين بأكملها.
وفي يوليو/تموز 1937، كانت القوات اليابانية تقوم بتدريبات عسكرية على الأراضي الصينية المحتلة، وأدت التوترات بين القوات الصينية والجيش الإمبراطوري الياباني، إلى تبادل إطلاق النار بالقرب من بكين، واستخدم اليابانيون هذا الحادث كذريعة لشن حرب شاملة ضد الصين.
الحملة العسكرية ما قبل "مذبحة نانجينغ"
تقدمت قوات الجيش الإمبراطوري الياباني باتجاه مقاطعات الصين الشمالية، واستولت عليها الواحدة تلو الأخرى، وسرعان ما استولت على العاصمة الصينية القديمة بكين، وخلال تقدمهم تبنى الجنود اليابانيون سياسة وحشية ودموية لكسر إرادة الصينيين في المقاومة.
وكانت أي مقاومة من الجيش الصيني، أو المسلحين غير النظاميين في أي مدينة، تقابلها القوات اليابانية بعد دخول تلك المدينة، بارتكاب جرائم القتل الجماعي والاغتصاب والنهب.
توجه اليابانيون لاحقاً لمدينة شنغهاي على الساحل الشرقي للصين، وبعد الاستيلاء عليها في نوفمبر/تشرين الثاني 1937، اقتاد جنود الجيش الإمبراطوري الياباني، مئات الأسرى الصينيين إلى ضفة النهر.
وأعدموهم بالمدفع الرشاش، على مرأى ومسمع من المواطنين الأجانب المذعورين على متن السفن الراسية في النهر، وبعد أن استولى اليابانيون على شنغهاي، تحركوا لفرض حصار على مدينة "نانجينغ".
"مذبحة نانجينغ" وجرائم الجيش الإمبراطوري الياباني
قبل وصول الجيش الياباني حاولت مجموعة صغيرة من رجال الأعمال الأجانب والمبشرين الغربيين، إنشاء منطقة محايدة في المدينة من شأنها توفير ملاذ للمدنيين في نانجينغ.
من بين هؤلاء رجل أعمال ألماني وعضو في الحزب النازي يُدعى "جون راب"، الذي أنشأ منطقة آمنة في ممتلكاته، وناشد أدولف هتلر التدخل، قبل وصول الجيش الياباني لكن الزعيم النازي رفض طلبه.
كانت منطقة الأمان تتألف من أكثر من اثني عشر معسكراً صغيراً للاجئين، وحين أصبح الجيش الإمبراطوري الياباني على مشارف المدينة، تخلت الحكومة الصينية عن "نانجينغ" وسحبت معظم قواتها، وتم إصدار أوامر لجميع المواطنين بالذهاب لمنطقة الأمان لحمايتهم.
وفور دخول قوات الجيش الياباني إلى المدينة، بدأت المذابح وجرائم القتل الوحشية التي لم تستثنِ رجلاً أو طفلاً، مدنياً أو أسيراً عسكرياً.
وتم تعقب الجنود الصينيين وقتلهم بالآلاف، ودُفنوا في مقابر جماعية، وتم ذبح عائلات بأكملها، وحتى كبار السن والرضع تم قتلهم، بينما تم اغتصاب عشرات الآلاف من النساء.
وتناثرت الجثث في الشوارع لأشهر بعد الهجوم، عاقدين العزم على تدمير المدينة، نهب اليابانيون وأحرقوا ما لا يقل عن ثلث مباني "نانجينغ"، ولمدة 6 أسابيع، أصبحت حياة سكان مدينة "نانجينغ" كابوساً حقيقياً.
جاب الجنود اليابانيون السكارى شوارع المدينة، وقتلوا واغتصبوا ونهبوا وحرقوا، فتم اغتصاب حوالي 80 ألف امرأة صينية، في مذبحة "نانجينغ" خلال الأسابيع الأربعة الأولى من الاحتلال الياباني، وتم تشويه وقتل العديد منهن عندما انتهت القوات اليابانية منهن.
وشجع ضباط الجيش الياباني جنودهم على ابتكار طرق أكثر فظاعة لقتل الصينيين في المدينة، تم القبض على دفعات من المدنيين الصينيين ورميهم في "حفر الموت".
وكان الجنود اليابانيون المبتسمون، إما يدفنونهم أحياء، أو يقطعونهم حتى الموت بسيوفهم، أو يستخدمون المدنيين في تدريب الحربة، أو يسكبون البنزين على الضحايا ويحرقونهم أحياء.
أُلقيت جثث الآلاف من ضحايا المذبحة في نهر اليانغتسي، حتى أصبح لون النهر أحمر بدمائهم.
وعلى الرغم من أن اليابانيين وافقوا في البداية على احترام منطقة "نانجينغ" الآمنة، وعدم المساس بها، لكن اليابانيين أعلنوا استعادة النظام في المدينة، وفككوا منطقة الأمان؛ وطلبوا من المواطنين الذهاب لبيوتهم، ونال سكان المخيم بعدها من القتل والذبح واغتصاب النساء ما نال باقي سكان المدينة.
ضحايا "مذبحة نانجينغ".. أرقام مروعة وصور مسربة توثق الجرائم
لا توجد أرقام رسمية لعدد القتلى في مذبحة نانجينغ، على الرغم من أن التقديرات تتراوح من 200 إلى 300 ألف شخص، وبعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب، كانت شهادات المواطنين الأجانب دليلاً على فظاعة ما حدث في "مذبحة نانجينغ".
وخلال المذبحة، كان الجنود اليابانيون مستعدين تماماً لالتقاط الصور وهم يقومون بقتل ضحاياهم والتمثيل بجثثهم، تم نشر الفظائع التي ارتكبتها القوات اليابانية في "مذبحة نانجينغ" على نطاق واسع من قبل المراقبين الأجانب، بما في ذلك مراسلو الصحف.
ولكن عندما أدركت القيادة العليا اليابانية أن تلك الأخبار ستسبب غضباً دولياً، بذلت جهوداً كبيرة لتدمير الأدلة والصور.
لكن مجموعة كبيرة من صور "مذبحة نانجينغ"، نجت من إتلافها، لأن الجنود عهدوا بالصور التي وثقت جرائمهم، إلى مصور فوتوغرافي ياباني في شنغهاي لتحميضها، فقام موظف صيني يعمل لدى المصور، بعمل نسخ إضافية وتهريبها خارج الصين.
حوكم بعض قادة قوات الجيش الإمبراطوري الياباني وتمت إدانتهم بارتكاب جرائم حرب من قبل المحكمة العسكرية الدولية وتم إعدامهم.
لكن ذكريات "مذبحة نانجينغ"، لم يمحُها التاريخ وبقيت شاهدة على حقبة مظلمة من تاريخ اليابان، والجرائم الوحشية التي ارتكبها الجيش الإمبراطوري الياباني.