كانت فرنسا تضع احتلال الجزائر نصب عينيها منذ فترة طويلة، وكانت تنتظر فقط الفرصة المناسبة للقيام بذلك، عام 1827 ضرب الداي حسين حاكم الجزائر في تلك الفترة، قنصل فرنسا على وجهه بمروحة يده، فكانت حادثة المروحة هي الذريعة التي استغلتها فرنسا لبدء هجوم عسكري.
في عام 1827 وقعت معركة نافارين، بين الأسطول العثماني ومعه الجزائري والمصري من جهة، والأساطيل الروسية والبريطانية والفرنسية من جهة أخرى. انهزم العثمانيون في خليج نافارين، وتقهقرت القوة البحرية للأسطول العثماني في الجزائر من بعد تلك المعركة.
وفرضت فرنسا حصاراً على الجزائر لمدة 3 أعوام، كانت نهاية الحصار في 5 يوليو/تموز عام 1830، بعد أن تمكَّنت القوات الفرنسية من السيطرة على البلاد، لتبدأ بعدها 132 عاماً من جرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر.
يقول مؤلفو كتاب "جرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر"، على لسان أحد الضباط الفرنسيين: "لقد كانت حملتنا تدميراً منظماً أكثر منها عملاً عسكرياً، نمضي أوقاتنا في حرق القرى والأكواخ"، ويقول: "آه أيتها الحرب، كم من نساء وأطفال تجمعوا في جبال الأطلس العالية المكسوة بالثلوج فماتوا هناك من البرد والجوع".
مجزرة قبيلة العوفية.. قطع رؤوس الجزائريين وقتل النساء والأطفال الرضع
لم يكد الاحتلال الفرنسي يستقر في الجزائر حتى ارتكب جنوده وضباطه تحت قيادة الجنرال "دو روفيغو" عمليات إبادة وحشية بحق الشعب الجزائري.
واحدة من تلك الجرائم، حدثت على مشارف الجزائر العاصمة، حيث كانت تقطن "قبيلة العوفية" في الجنوب الشرقي من المدينة، كانت تلك القبيلة سابقاً مكلفة بحراسة البرج المحصن الذي أقامه العثمانيون بجوار أراضي هذه القبيلة.
أعطى "روفيغو" الأمر لقواته في ليلة 5 أبريل/نيسان 1832م، بسحق "قبيلة العوفية" وإبادة أفرادها لكونه اشتبه بأنهم تعاونوا مع المقاومين الجزائريين الرافضين للاحتلال الفرنسي، واتهم الجنرال الفرنسي القبيلة بسلب مبعوثي "فرحات بن سعيد" أحد المتذبذبين بين الولاء للأمير المجاهد عبد القادر الجزائري وفرنسا بمنطقة الزيبان.
هجمت القوات الفرنسية على القبيلة في ساعات الفجر، وقتلت منهم عدداً كبيراً، وقطعت رؤوس عدد كبير من رجال القبيلة واقتادت شيخ القبيلة وأعدمته على الملأ.
وأشار المؤرخ الدكتور "جمال يحياوي" إلى أن الهدف من تنفيذ الجريمة الوحشية في "الحراش" ضد "قبيلة العوفية" والتي راح ضحيتها مئات الجزائريين من الشيوخ والنساء والرضع، هو بث الفزع والخوف في باقي القبائل وترهيبها حتى لا تنخرط في المقاومة الشعبية.
وذكر نفس المؤرخ أن الجنرال "روفيغو" يُعتبر من الشخصيات العسكرية الأكثر دموية، وتاريخه مثقل بالجرائم، إذ سبق له إعطاء أوامر بقتل 4 الآف جزائري، بعد رفضهم قراره بتحويل مسجد "كتشاوة" إلى مركز عسكري سنة 1831، وبالتالي منفذ المجزرة يمتلك سجلاً إجرامياً وسفاح سابق معروف بتعطشه للدماء.
محرقة "أولاد رياح".. خنق المقاومين الجزائريين وعوائلهم بالدخان
عام 1845، أرسلت فرنسا جنرالاً يدعى "لونوفيل أوبسرفاتور" لإخماد المقاومة التي يقودها الأمير عبد القادر الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر.
كان هذا الجنرال يعرف عنه الوحشية والدموية منذ تم تجنيده في الجيش النابليوني في سن العشرين، وشارك في حملات بروسيا وبولندا، وقمع الشغب في باريس عام 1834، وكان يقول: "يجب تعقب المنافس واصطياده وتدميره"، ولذلك كون فرقاً خاصة من الجيش الفرنسي كانت مهمتها تدمير ومصادرة الأراضي ونهب المحاصيل والماشية وحرق من لجأوا إلى الكهوف، واتبع طريقة خنق قرى بكاملها، رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً.
ورغم أن العقيد "أوجين كافيناك" هو الذي افتتح هذه الممارسة في يونيو/حزيران عام 1844 بحرق المئات في الكهوف على الضفة اليسرى لوادي الشلف، فإن الجنرال"بوجو" هو الذي "قام بالتنظير لها"وتعميمها بإعلانه الشهير "إذا انسحب هؤلاء الأوغاد إلى كهوفهم، أوقدوا عليهم النار مثل الثعالب".
في خضم انفجار المقاومة الشعبية التي اندلعت بالمنطقة بقيادة "محمد بن عبد الله" الملقب بـ"بومعزة" بجبال الظهرة مطلع سنة 1845 وبعد معركة كبيرة كبد فيها الثوار الجزائريون قوات الاحتلال الفرنسي خسائر فادحة، لجأ أفراد من قبيلة "أولاد رياح" من الشيوخ والنساء والأطفال، إلى مغارة في عمق الجبل للاختباء والاختفاء عن أنظار القوات الفرنسية.
وصلت القوات الفرنسية إلى المنطقة وحاصرت المغارة وطلبت من أفراد القبيلة الاستسلام أو الموت اختناقاً بالدخان، وحين رفض الجزائريون الاستسلام، وضع الجنود الفرنسيون أكداس الحطب على باب المغارة، وأشعلوا النيران بهدف خنق جميع مَن في المغارة.
فكانت نتيجة تلك الجريمة اختناق ما يزيد عن 1600 شخص بينهم نساء وأطفال وشيوخ.
"مجازر 8 مايو/أيار في الجزائر".. عندما قتل الاحتلال الفرنسي 45 ألف جزائري في أيام قليلة!
مع مرور السنوات استمرت جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، واستمرت قوات الاحتلال الفرنسي ترتكب أفظع الجرائم بحق الشعب الجزائري، ولا تتردد في إبادة قرى كاملة، أو قتل الآلاف لمجرد ترويع وإرهاب أي شخص يفكر بمقاومة الاحتلال الفرنسي، كان أشهرها ما حدث يوم 8 مايو/أيار 1945، بعد وصول أنباء استسلام ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.
خططت السلطات الفرنسية لإقامة احتفال بمدينة "سطيف" الجزائرية بمناسبة هزيمة قوات المحور، ومن ضمن الاحتفال كان من المخطط رفع أعلام دول الحلفاء المنتصرين (الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفييتي، والصين، وفرنسا، وبولندا، وكندا وغيرها).
حينها قرر بعض مؤيدي حزب الشعب الجزائري الوطني الذي أسسه مصالي الحاج في العام 1937، استغلال الاحتفال من أجل التذكير بقضيتهم العادلة وهي إنهاء الاحتلال الفرنسي للجزائر، وذلك برفع العلم الجزائري في الاحتفال.
وفقاً لما ذكره موقع History of Yesterday التاريخي، قرر شاب جزائري يبلغ من العمر 26 عاماً يدعى "بوزيد سعال"، رفع العلم الجزائري، فأطلق شرطي يدعى "أوليفيري" النار عليه وأرداه قتيلاً، لتنطلق بعدها انتفاضة شعبية في عدة مدن ضد الاحتلال الفرنسي.
فكان الرد الفرنسي دموياً وعلى مدار عدّة أيام نفذت القوات الفرنسية عمليات قتل جماعية، بحق الجزائريين، في عدة مناطق، أبرزها: سطيف والمسيلة وقالمة وخراطة وسوق أهراس، ولم تستثنِ الأطفال ولا النساء ولا كبار السن، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الجزائريّة.
وأضافت الوكالة أن القوات الفرنسية أعدمت كثيراً من المدنيين عن طريق إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة، بينما نُقل آخرون في شاحنات ليتم دفعهم إلى الوديان، أو إخراجهم من المدن وإعدامهم قبل حرق جثثهم، ومن ثم دفنهم في مقابر جماعية، وأن الفرنسيين استخدموا أيضاً أفران الجير؛ للتخلص من جثث الضحايا.
وتقدّر الوكالة مقتل نحو 45 ألف جزائري خلال تلك المذبحة، في حين تقول مصادر غير رسمية إن الأعداد تتجاوز ذلك الرقم.
في حين قالت وكالة أنباء روسيا اليوم إن قوات الاحتلال الفرنسي بدأت عملياتها ضد المتظاهرين الجزائريين في سطيف في 14 مايو/أيار، فأرسل الطراد (Duguay-Trouin) حممه على المدينة، إضافة إلى المدفعية الثقيلة، دخلت عقب ذلك ساحة المجزرة الطائرات الحربية التي حولت سطيف إلى ركام مرسلة عليها 41 طناً من القنابل، وبالنهاية دخل المشاة إلى المنطقة وقتل من بقي من الأحياء.
"جمبري بيغار" طريقة تعذيب ابتكرها ضابط فرنسي
خلال ثورة التحرير الجزائرية، وبشكل خاص في معركة مدينة الجزائر سنة 1957، كانت قوات الاحتلال الفرنسي تتفنن بتعذيب الجزائريين، واحدة من تلك الطرق عرفت باسم "جمبري بيغار" وهي طريقة تعذيب وموت وحشية ابتكرها الجنرال الفرنسي "مارسيل بيغار" ضد أفراد "جبهة وجيش التحرير الوطني الجزائري" .
تتمثّل تلك الطريقة في غرس أرجل الضحايا داخل قوالب إسمنتية وتركهم على هذه الحال حتى يجف الإسمنت، وبعدها يُحملون في طائرات عسكرية ويُرموا في عرض البحر الأبيض المتوسط، حيث يموتون غرقاً.
وقد كشفت رئيسة الهيئة الجزائرية لمناهضة الفكر الاستعماري، المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، أن بحارة وصيادين جزائريين عثروا على هذه القوالب الإسمنتية وبداخلها آثار أقدام.
كانت تلك الطريقة، جزءاً من الحرب النفسية ضد خلايا الفدائيين لجبهة التحرير الجزائرية في العاصمة ولم يستثنِ بيغار منها أحداً شملت الشيوخ والنساء وحتى الأطفال وأحياناً كان يربط مع الضحية زوجته وأطفاله معاً قبل رميهم من الطائرة.
دماء الجزائريين سالت حتى في باريس
الفظائع التي ارتكبتها فرنسا بحق الجزائريين لم تتوقف عند حد التراب الجزائري، بل امتدت إلى شوارع باريس ذاتها، حيث تحول لون مياه نهر السين إلى "الأحمر" بلون الدم الجزائري الذي اختلط بمياه النهر، حسب وصف أحد شهود العيان على المجزرة.
كانت فرنسا قد فرضت يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول عام 1961، حظر تجول على الجزائريين الذين يعيشون في باريس ومحيطها، تزامناً مع دخول حرب الاستقلال مراحلها الأخيرة.
في يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، خرج أكثر من 300 ألف جزائري في مظاهرة سلمية، رفضاً لحظر التجول ودعماً لنضال بلدهم من أجل الاستقلال.
بناءً على أوامر صادرة من رئيس شرطة باريس آنذاك، موريس بابون، تدخلت الشرطة بقوة في قمع المتظاهرين، وقتلت العشرات منهم عمداً في الشوارع ومحطات مترو الأنفاق، وألقت بعدد من المصابين من الجسور في نهر السين، ما أدى إلى مقتلهم، وهو ما بات يُعرف بعد ذلك بمجزرة "باريس عام 1961".
بينما لم يُحدد رسمياً عدد قتلى الاحتجاج الذي أسفر عن إصابة آلاف الأشخاص واعتقال قرابة 14 ألف شخص، إلا أن شهود المجزرة ومصادر مستقلة ذكروا أن أكثر من 300 جزائري قُتلوا على يد الشرطة الفرنسية.
كل ما سبق لم يكن سوى قطرة في بحر جرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر، بحسب مؤرخين جزائريين، استعملت باريس عظام مقاومين في صناعة الصابون والسكر.
وتشير مصادر تاريخية أخرى إلى أن سلطات الاستعمار الفرنسي أجرت سلسلة تجارب نووية في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966، وأجرت خلال هذه الفترة 17 تجربة نووية، بحسب مسؤولين فرنسيين، بينما يقول مؤرخون جزائريون إن العدد أكبر.
وخلّفت تلك التجارب آلاف الضحايا، من العمال الجزائريين والمواطنين الأصليين والبدو الرحل، وكذلك الجزائريين الذين تمّ استعمالهم كمختبر تجارب، وفقما سجّله الباحث منصوري في العدد الأول من المجلة العلميّة "مصادر تاريخ الجزائر المعاصر"، الصادر عام 2019.
وكشف وزير الخارجية الجزائري الأسبق صبري بوقادوم أن هذه التفجيرات النووية عادلت 4 أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان. وبلغ عدد الضحايا الجزائريين لهذه التجارب 42 ألفاً على الأقل، بعد إصابتهم بأمراض ناجمة عن التعرض لنشاط إشعاعي وإحداث عاهات مستديمة؛ بسبب الإشعاعات النووية التي لا تزال تلوث المكان حتى اليوم، وترفض فرنسا تزويد الجزائر بالأماكن الدقيقة لتلك التجارب.
أو حتى تعويض ضحايا تلك الجرائم.