يمتد تاريخ البعثات الاستكشافية في القطب الجنوبي إلى مئات، إن لم يكن آلاف السنين. واجه خلاله المستكشفون بعضاً من أكثر ظروف الطبيعة قساوة، بما في ذلك العواصف الثلجية التي لا يمكن تحملها أو التحرك خلالها إلى تضاؤل الإمدادات الغذائية أو نفاذها.
ويخلد التاريخ العديد من الرحلات الاستكشافية الأكثر شهرة في القارة القطبية الجنوبية حتى يومنا هذا لإنجازاتهم واكتشافاتهم أو مآسيهم أو قصصهم عن البقاء على قيد الحياة رغم كل الصعاب.
فيما يلي سبع رحلات استكشافية شهيرة عبرت الأراضي المتجمدة في القارة القطبية الجنوبية.
1. أول بعثة استكشافية للوصول لدائرة القارة القطبية الجنوبية أوقفها الجليد
يرتبط اسم المستكشف البريطاني الكابتن جيمس كوك بشكل وثيق بالقطب الجنوبي. ولا عجب في ذلك فهو أول من تجرء بالسفر لاستكشاف القارة الجنوبية التي لم يكن وجودها أمراً مثبتاً حتى في حينها بل مجرد تكهنات.
أبحر كوك بسفينتين مع طاقمه ومضى على طول ساحل إفريقيا وتجاوز رأس الرجاء الصالح للبحث. ولكن لسوء الحظ، منعه الجليد من التقدم ولم يتمكن من الاختراق أكثر من 70 درجة جنوباً، وهو ما يقع على حافة القارة القطبية الجنوبية مباشرة.
يعتبر المؤرخون وصول كوك مع طاقمه لتلك الدرجة جنوباً، أول عبور مسجل حول دائرة القطب الجنوبي حدث في 17 يناير/كانون الثاني عام 1773، وفقاً للمكتبة البريطانية.
كما زاد وصوله لتلك النقطة من الاهتمام بالقارة الجنوبية الغامضة ومهد الطريق لمزيد من البعثات الاستكشافية للقارة.
2. أول مشهد مسجل للقطب الجنوبي
قد يكون الكابتن ثاديوس فون بيلينغسهاوزن، الذي يُطلق عليه أحياناً فابيان جوتليب فون بيلينجسهاوزن، أول شخص يرى البر الرئيسي للقارة القطبية الجنوبية.
حدث ذلك أثناء رحلة استكشافية روسية في يناير/كانون الثاني عام 1820، حين رأى بيلينغسهاوزن، "شاطئاً جليدياً شديد الارتفاع"، وفقاً لموقع متحف غرينتش الملكية في لندن.
لم يدعِ فون بيلينغسهاوزن أنه اكتشف القارة، لكن أوصافه لما رآه تتوافق بشكل جيد مع شكل حافة القارة ، وفقاً لدراسة أجريت عام 1971 في مجلة Polar Record.
من المحتمل أيضاً أن إدوارد برانسفيلد، وهو ضابط في البحرية الملكية البريطانية، رأى القارة في رحلة استكشافية لرسم الخرائط في نفس الوقت تقريباً. وأفاد بأنه رأى "جبالاً شاهقة مغطاة بالثلوج".
3. البولينيزيون قد يكونون أول من اكتشف القارة
قد تكون الرحلات الاستكشافية المبعوثة من الغرب هي الأكثر شهرة تاريخياً، لكن ربما يكون البولينيزيون قد اكتشفوا القارة القطبية الجنوبية قبل ذلك بألف عام، وفقاً لدراسة أجريت عام 2021 ونُشرت في مجلة الجمعية الملكية لنيوزيلندا.
تشير التواريخ الشفوية والأعمال الفنية وبعض التقارير التاريخية إلى أن المستكشف البولينيزي Hui Te Rangiora (المعروف أيضاً باسم Ūi Te Rangiora) وطاقمه قد يكونون أول من عرف القارة القطبية الجنوبية في أوائل الستينيات، بناءً على الأوصاف التي تحدثوا عنها عن الصخور الجليدية التي رأوها تبرز من البحر، حسبما ذكر موقع Live Science.
4. أول من وطئت قدمه يابسة القارة
في 24 يناير/كانون الثاني عام 1895، قام سبعة رجال من سفينة لصيد الحيتان بأول نزول مؤكد على يابسة القارة القطبية الجنوبية. لكن أي فرد من أفراد الطاقم من هذه السفينة هو الذي وضع رجله عليها أمر متنازع عليه.
تشير الروايات إلى أن المستكشف النرويجي كارستن بورشغريفينك أو قائد البعثة ليونارد كريستنسن كانا أول من وطئ بقدمه القارة القطبية الجنوبية.
لكن موقع NZHistory التابع للحكومة النيوزيلندية، يُنسب شرف ذلك الحدث العظيم إلى النيوزيلندي ألكسندر فون تونزيلمان باعتباره أول شخص يخرج من القارب.
ثم ذهب بورشغريفينك لقيادة أول رحلة استكشافية رسمية بريطانية إلى القارة القطبية الجنوبية في عام 1899. وقد كانت أول رحلة استكشافية لقضاء فصل الشتاء في البر الرئيسي للقارة القطبية الجنوبية. وقد بدأت هذه الرحلة ما يُعرف باسم "العصر البطولي لاستكشاف القطب الجنوبي".
5. سباق الوصول لنقطة القطب الجنوبي
قاد الضابط والمستكشف البحري البريطاني روبرت فالكون سكوت بعثتين إلى القارة القطبية الجنوبية، حاول خلالها الوصول إلى القطب الجنوبي. لكن أُجبر طاقمه على العودة في محاولته الأولى في عام 1902 بسبب سوء الحالة الصحية للطاقم والطقس البارد.
ثم توجه سكوت وطاقمه في بعثة أخرى إلى القارة القطبية الجنوبية للمرة الثانية في عام 1910، حيث أبحروا هناك على متن سفينة لصيد الحيتان تسمى تيرا نوفا.
هبط سكوت في القارة القطبية الجنوبية وبدأ رحلته إلى القطب في عام 1911. ووصل إلى القطب الجنوبي في 17 يناير/كانون الثاني 1912، ليكتشف أن الفريق النرويجي بقيادة رولد أموندسن قد سبقه إلى هناك ووصل قبله ورفع علم النرويج على أرض القارة في تاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول.
كانت رحلة عودة مضنية وقاسية بسبب الأحوال الجوية والإرهاق ونقص الطعام. وعلق سكوت ورجلاه المتبقيان في عاصفة ثلجية أخرى وتوفوا بسببها. وكانت آخر مذكراته المؤرخة في تاريخ 29 مارس/آذار 1912.
تم الاحتفال بنجاح أموندسن في الوصول إلى القطب الجنوبي في جميع أنحاء العالم، وتلقى برقيات تهنئة شخصية من الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت والملك جورج الخامس ملك إنجلترا.
كما تم تكريم سكوت أيضاً لإنجازاته وحصل بعد وفاته على لقب قائد فارس.
6. أول محاولة لعبور القارة كاملة
بحلول عام 1914، كان إرنست شاكلتون قد قام ببعثتين إلى القارة القطبية الجنوبية. لكن في ذلك العام، قرر هو وطاقمه في القيام بشيء أكثر صعوبة: وهو إكمال أول عبور كامل لقارة القطب الجنوبي، أي ما يعادل مسافة 1800 ميل (2900 كيلومتر).
أصبحت الرحلة الاستكشافية واحدة من أشهر قصص النجاة على الإطلاق بعد أن تقطعت السبل بسفينة البعثة المسماة، Endurance، والتي تعني "التحمّل" ثم غرقت.
انجرفت السفينة إلى حوالي 30 ميلاً (48 كم) من القارة القطبية الجنوبية في يناير/كانون الثاني 1915، قبل الانجراف شمال. ثم بدأ الجليد المتحرك يسحق السفينة، حينها أمر شاكلتون الطاقم بمغادرة السفينة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 1915 بعد أن أخذوا ما استطاعوا من السفينة، بما في ذلك الطعام وقوارب النجاة، قبل غرقها.
ظل الفريق عالقاً لأشهر في البحر في محاولة للوصول إلى أقرب يابسة، ووصلوا إلى جزيرة إليفانت في شبه جزيرة أنتاركتيكا في أبريل/نيسان 1916.
ومن هناك، انطلق شاكلتون وخمسة من طاقمه فقط في رحلة محفوفة بالمخاطر بطول 800 ميل (1300 كيلومتر) في قوارب النجاة إلى محطة لصيد الحيتان في جزيرة جورجيا الجنوبية، حيث وجدوا أشخاصاً وسفينة للعودة وإنقاذ بقية أفراد الطاقم الذين تركوهم على الجزيرة. وبالفعل، نجا جميع أفراد الطاقم البالغ عددهم 28.
وقد تم اكتشاف حطام سفينة Endurance في عام 2022، بعد أكثر من 100 عام من غرقها، من قبل الباحثين الذين يستخدمون مركبات روبوتية تحت الماء.
7. رحلة الكومنولث لعبور القارة القطبية الجنوبية
نجح المستكشف البريطاني فيفيان فوكس بالقيام بأول عبور بري للقارة القطبية الجنوبية في عام 1958، خلال بعثة الكومنولث عبر القارة القطبية الجنوبية.
سافر فوكس 2158 ميلاً (3473 كم) عبر القارة من بحر ويديل إلى ماكموردو ساوند، وزار القطب الجنوبي في الطريق، وفقاً لموقع أنتاركتيكا نيوزيلندا التابع للحكومة النيوزيلندية.
تم دعم فوكس من قِبل المستكشف النيوزيلندي إدموند هيلاري، الذي زود فريقه طاقم فوكس بإمداد من بحر ويديل الداخلي إلى القطب الجنوبي أثناء عبوره.