ظهرت في الأيام الأخيرة عدة تخمينات بأن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب قد يبدأ تحركاً عسكرياً ضد إيران، فقد أقال وزير الدفاع وعدّة مسؤولين آخرين، ما جعل البعض يعتبرها تمهيداً لخطوة عسكرية ضد إيران.
لكن السؤال الذي يطفو على السطح هنا: لو وجّه الرئيس الأمريكي ضربةً عسكريةً لإيران، هل سيفيده هذا في أيّ شئ له علاقة بنتيجة الانتخابات؟ الإجابة لا، فوفقاً للتاريخ الذي أمامنا فقد أجرت أمريكا انتخاباتها ليس فقط أثناء حربها الأهلية في القرن التاسع عشر، بل وأثناء غيرها من الحروب.
في هذا التقرير نأخذكم في رحلةٍ عبر تاريخ أمريكا، وكيف أجرت انتخاباتها في أوقات الحروب، حتى أثناء الحرب العالمية الأولى قبل أن تشترك فيها وأثناء الحرب العالمية الثانية بعدما اشتركت فيها وقلبت الموازين ضدّ هتلر وألمانيا النازية.
ولكن قبل أن نخوض في التاريخ البعيد بعض الشيء، فلنعد معاً للتاريخ القريب، ففي عام 2004 كان هناك قلقٌ كبير من احتمال وقوع تفجير أو هجوم يعطِّل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وهكذا ثار الحديث حول تأجيل الانتخابات، لكنّ مستشارة الأمن القومي حينها، كونداليزا رايس، سعت إلى وقف هذه التكهّنات التي تبحث حل تأجيل الانتخابات، وقالت في ذلك الوقت: لقد أجرينا انتخابات في هذا البلد عندما كنا في حالة حرب، حتى عندما كنا في حرب أهلية ، ويجب إجراء الانتخابات في موعدها.
وقد حدث بالفعل وفاز الرئيس الأمريكي جورج بوش بفترةٍ رئاسية أخرى.
الحرب الأهلية الأمريكية.. انتخابات عبر البريد!
ما لبث الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن أن فاز بالانتخابات الأمريكية عام 1860 حتى نشبت حربٌ أهلية طاحنة في أمريكا. لم يتوقع أحد في البداية أن الحرب الأهلية الأمريكية ستستمر لعدّة سنوات، فلم تنتهِ الحرب سوى عام 1865.
وهكذا، ورغم كل المشاكل التي تواجهها أمريكا في ذلك الوقت، واجهتها مشكلةٌ أخرى، فالرئيس الأمريكي تنتهي ولايته عام 1864، وهنا ظهر النقاش: هل نخوض الانتخابات أم نؤجلها لحين الانتهاء من الحرب الأهلية؟
وكان الجواب أنّه لا يجب على الديمقراطية الأمريكية أن تنتظر، وأجرت أمريكا الانتخابات عام 1864، ليفوز إبراهام لينكولن بولاية رئاسية ثانية، سرعان ما حسم في بدايتها نتيجة الحرب، بالانتصار على الولايات المنفصلة.
شهدت هذه الانتخابات كذلك تصويت الجنود الأمريكيين في الحرب من خلال البريد. والجدير بالذكر أنّ خدمة الانتخاب عبر البريد هي أحد الآليات التي يريد ترامب ألا يحتسب أعدادها. وللتعرُّف أكثر على آلية الانتخاب من خلال البريد، يمكنك قراءة هذه المادة.
الحرب العالمية الثانية توحِّد الأمريكيون لينتخبوا روزفلت لولاية رابعة
فاز الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بانتخابات الرئاسة عام 1932، وفاز بولايةٍ ثانية أيضاً عام 1936، واستمرّ في منصبه حتّى عام 1940. كان التقليد التاريخي في الولايات المتحدة حينها ألّا يحكم رئيس أمريكي أكثر من دورتين رئاسيتين.
كانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت بوادرها عام 1939، لكنّ أمريكا المتحصِّنة عن أوروبا وعن آسيا بالمحيطين الأطلسي والهادي، كانت بعيدةً عن خوضها تماماً. فبسبب الجغرافيا لم تخض أمريكا تقريباً أي حروب على أرضها إلا الحرب الأهلية وهجوم اليابان على ميناء بيرل هاربر أثناء الحرب العالمية الثانية.
أعلن الحزب الديمقراطي ترشيح روزفلت للمرة الثالثة في الانتخابات الرئاسية، ما مثّل خروجاً استثنائياً عن العرف الانتخابي في أمريكا، بألا يحكم رئيس أكثر من مرتين.
وللمفاجأة فقد فاز روزفلت في انتخابات 1940، فأصبح رئيساً للمرة الثالثة على التوالي، وأثناء ولايته الثالثة تلك هاجمت اليابان ميناء بيرل هاربر الأمريكي في 7 ديسمبر/كانون الأول 1941، وهنا أعلن الكونغرس الحرب على دول المحور.
قلب دخول أمريكا الحرب إلى جانب بريطانيا والسوفييت وما تبقّى من فرنسا نتائج الحرب، وهكذا تحت قيادة روزفلت انتصر الحلفاء على دول المحور.
ولكن قبل الانتصار النهائي جاءت الانتخابات الأمريكية الرئاسية لعام 1944، ليدخلها روزفلت أيضاً ويفوز بولايةٍ رئاسية رابعة، لكنّ القدر ومشاكله الصحية لم تمهله كثيراً، فقد توفي في 12 أبريل عام 1945، قبل سبعة أشهر من انقضاء الحرب، وتولّى نائبه الرئاسة.
انتخابات ثالثة رغم الحرب في كوريا
بعدما توفي الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، تولّى نائبه هاري ترومان منصب الرئاسة، واستمرّ في ولايته الأولى ثمّ الثانية التي انتهت عام 1952.
بعدما انتصر الحلفاء على دول المحور في الحرب العالمية الثانية، قُسِّم العالم للكتلة الغربية تحت قيادة أمريكا، والكتلة الشرقية تحت قيادة الاتحاد السوفيتي. وهكذا، بدأت الحرب الباردة بين القطبين العالميين. كان الرئيس هاري ترومان من "الصقور"، فهو الذي أعطى الأمر بضرب قنبلتي هيروشيما وناجازاكي النوويتين، وهو الذي أشرف على تأسيس حلف شمال الأطلسي "الناتو".
خلال تلك الفترة تدخّلت أمريكا في كوريا، وأرسلت جنودها وعسكرييها هناك دون العودة حتّى إلى الكونغرس الذي لديه السلطة العليا لإعلان الحرب. ورغم أنّها بالأساس تدخل عسكري إلا أنّها كانت حرباً طاحنة أيضاً، فقد قتل قرابة 55 ألف أمريكي في كوريا.
لكنّ تلك الحرب والموقف العالق لأمريكا فيها، حيث لم تستطع إحراز نجاح واضح وقسِّمت كوريا بناءً على هذا الوضع إلى كوريَّتين (شمالية وجنوبية) وبقي الوضع على ما هو عليه. كلّ ذلك لم يمنع أمريكا من الدخول إلى الانتخابات الرئاسية عام 1952 ليفوز فيها الرئيس الجمهوري دوايت آيزنهاور، وفي عهده انتهى التواجد الأمريكي في كوريا بالتسوية التي وصلوا إليها مع الصين والاتحاد السوفيتي عام 1953.
"المستنقع" الأمريكي في فيتنام لا يوقف عمليات الانتخابات المتوالية
استمرّت هذه الحرب طيلة 21 عاماً، فقد تدخّلت أمريكا أيضاً ضدّ النظام الشيوعي في فيتنام، والمدعوم من الاتحاد السوفيتي والصين. وبالطبع كانت تلك الحرب أحد جولات الحرب الباردة بين الكتلة الغربية بقيادة أمريكا والكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفييتي ومشاركة الصين، وربما كانت أقوى هذه الجولات.
وبدايةً من عام 1950 كان المستشارون العسكريون الأمريكيون قد وصلوا فيتنام، ولكنّ الأمر لم يتوقّف عند هذا الحدّ، فقد شارك أيضاً الجنود الأمريكيون في فيتنام، وقد وصل عدد القتلى الأمريكان وحلفائهم 282 ألف جندي في تلك الحرب.
لكنّ ما حدث في تلك الحرب، وتورُّط أمريكا فيها تماماً لم تمنع الناخب الأمريكي من الإدلاء بصوته في 6 انتخابات على التوالي: 1952، 1956، 1960، 1964، 1968، 1972. حتّى خرجت أمريكا وحلفائها من الحرب في النهاية عام 1975.
وللقراءة أكثر حول حرب فيتنام، يمكنك قراءة هذه المادة.