كشفت وثائق رُفعت عنها السرية لمحاضر اجتماعِ سريّ لمجلس الوزراء الإسرائيلي عُقد قبل 51 عاماً (عام 1969) أنّ إسرائيل خطَّطت لنقل أعدادٍ كبيرة من الفلسطينيين في قطاع غزة إلى دولة باراغواي في أمريكا اللاتينية. وفق ما نشره موقع The Daily Beast الأمريكي.
وكشفت بروتوكولات اقتراع الحكومة الذي أُجري في شهر مايو/أيّار 1969 عن اتفاقٍ إسرائيلي-باراغواني "لتشجيع هجرة" 60 ألف فلسطيني من الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال نكسة يونيو/حزيران عام 1967.
تفاصيل الاتفاق السري!
في عام 1969، وبينما كانت إسرائيل لا تزال مبتهجة بانتصارها السريع عام 1967 فيما عرف بالنكسة، لم يكن لدى قادتها أيّ فكرة عن كيفية التعامل مع ما يقرب من مليون فلسطيني كانوا تحت حكمهم في الأراضي التي احتلوها آنذاك.
وتوضّح الأرقام أنّ من بين ما يُقدّر بنحو 950 ألف عربي كانوا يعيشون في أراضي فلسطين التي احتلّتها بريطانيا وأقامت عليها "دولة إسرائيل" هَرَبَ أو طُرِد ما يقرب من 80% منهم خلال الحرب، وبقي نحو 150 ألف شخص فقط أصبحوا لاحقاً مواطنين عرباً في دولة إسرائيل.
ويكشف نصّ الاجتماع الذي اُفرِج عنه من السجلات يوم الثلاثاء 13 أغسطس/آب، تفاصيل التزامات كل دولة في بنود الاتفاقية، بما في ذلك التمويل الإسرائيلي للرحلات الجوية المقرر أن تنقل الفلسطينيين الذين وافقوا على مغادرة قطاع غزة.
كان الاتفاق يعطي منحةً قدرها 100 دولار أمريكي لكلِّ مواطنٍ فلسطينيٍّ مُرحّل، ودفع 33 دولاراً عن كل فلسطينيّ لحكومة باراغواي. وقد وعدت باراغواي بدورها بمنح إقامةٍ دائمة للاجئين وتحديد مسار لهم للحصول على الجنسية يمتد لأربع سنوات.
كما أنّ الفلسطينيين المهجّرين تلقَّوا تأكيداتٍ بأنهم سوف يصبحون مُلاكاً للأراضي في باراغواي. وقد وعد عميل الموساد الذي رافقهم بأنه سيعود خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع ليرى أحوالهم، ولم يعد أبداً.
وفي الوقت الذي صُدِّق فيه على هذه الاتفاقية، كان الديكتاتور باراغوياني ألفريدو ستروسنر قد أتمّ 15 عاماً فيما أصبح لاحقاً أطول فترة ديكتاتورية في تاريخ أمريكا اللاتينية (حكم 35 عاماً حتى عام 1989) وكان معروفاً بإيواء كبار الضباط النازيين أكثر من استقباله للاجئين!
فقد كان من ضمن النازيين الذين تأويهم باراغواي في عهده جوزف مينغلي، الطبيب وقائد قوات الأمن الخاص الذي كان من نخبة هتلر العسكريّة، والذي قام بتنفيذ تجارب مميتة على السجناء في معسكر أوشفيتز. وقد فرَّ إلى باراغواي بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن المرجَّح أيضاً أن اهتمام ديكتاتور باراغواي بالمهاجرين الفلسطينيين كان مرتبطاً بحاجته الملحّة إلى عُمَّالٍ زراعيين يمكنهم المساعدة في النهوض بدولته التي تعاني من ضائقةٍ مالية وتفتقر إلى الحد الأدنى من الكفاف.
ينسف هذا الاتفاق المزاعم الإسرائيلية بقبولها وجود عرب تحت سلطتها، فقد أرادت إسرائيل دائماً تخليص نفسها من العرب الأصليين الذين يعيشون على الأرض الواقعة تحت حكمها.
كما يقول كمال كومسيل، أستاذ الدراسات العربية بجامعة تشيلي والخبير في شؤون الهجرة العربية إلى أمريكا اللاتينية، لموقع The Daily Beast: لا شك في أن سياسة إسرائيل عدائية وتستهدف ترحيل الفلسطينيين الذين تحت سلطتها. رغم أنّه لم يُسمَع قط عن اتفاقٍ فعليّ لنقل الفلسطينيين إلى أن ظهرت تلك الوثائق مؤخراً. فلسنواتٍ عديدة، كان الدبلوماسيون الإسرائيليون من أستراليا إلى البرازيل مُتَّهمين بالتعامل مع مسألة اللاجئين الفلسطينيين بهدف توطينهم في دولٍ أخرى غير بلادهم.
إفشال المشروع عبر هجومٍ فلسطينيٍّ مُسلّح
لكنّ هذا المخطط الإسرائيلي باراغوياني تعثّر بسبب سوء تخطيط عملاء الموساد وتخبُّطهم، وبسبب هجومٍ فلسطينيٍّ مُسلّح أدى إلى مقتل إسرائيليٍّ واحد وساعد في إطلاق عمليات منظمة التحرير الفلسطينية الموجَّهَة لاستهداف عدة أهداف إسرائيلية، وهو الأمر الذي ميز غالبية حقبة السبعينيات والثمانينيات.
ومن غير الواضح كم كان عدد الفلسطينيين الحقيقي الذين هاجروا إلى باراغواي ضمن إطار الخطة التي لم تَدُم وتستمر. يقول مئير نوفيك، قائد الشرطة الإسرائيلية المشارك في العملية، في مقابلةٍ كان قد أجراها عام 2004 إن "بضع عشراتٍ فقط من الفلسطينيين" هم من انتقلوا إلى بارغواي. ويبدو أنّ سلطات باراغواي أكّدت هذه المعلومة.
لكنّ موشيه بيير، الدبلوماسي الإسرائيلي الذي شغل منصب القنصل الإسرائيلي في باراغواي والسكرتير الأول للسفارة الإسرائيلية هناك عام 1970، قال في مقابلةٍ أجريت معه عام 2004 إن آلاف الفلسطينيين تمّ نقلهم إلى باراغواي.
وفي 4 مايو/أيار 1970، بعد عامٍ من تصديق الحكومة الإسرائيلية رسمياً على خطة التهجير تلك، اقتحم مواطنان فلسطينيان ممّن رحِّلوا إلى باراغواي (اسمهما خالد درويش وطلال الديماسي) السفارة الإسرائيلية في باراغواي مسلّحين بالبنادق، بهدف اغتيال السفير بنيامين فارون.
وعند إعلامهما أنّ فارون لم يكن بالسفارة في ذلك اليوم، أطلقا الرصاص على سكرتيرة السفير، التي كانت أيضاً زوجة الدبلوماسي موشيه بيير (السكرتير الأول للسفارة).
بعد ذلك بعامين، قضت محكمة في باراغواي بالحكم على الفلسطينيّين الّذين ثبت انتماؤهما لمنظمة التحرير الفلسطينية بالسجن 13 عاماً.
وبحلول ذلك الوقت، أصبحت إسرائيل هدفاً لشنِّ هجماتٍ أكثر طُموحاً بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك عمليّة اختطاف الفريق الأوليمبي الإسرائيلي في ميونخ عام 1972.
لم تتوقَّف الهجمات بعد ذلك، وشملت هجومين نفذّتهما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ففي عام 1976، اختطفت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية كانت متجهة إلى تل أبيب وجرى تحويل مسارها إلى مدينة عنتيبي بأوغندا.
وقُتل الملازم العقيد يوناتان نتنياهو، شقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أثناء قيادته مهمَّة إنقاذ ناجحة.
وفي عام 1985، تم الاستيلاء على سفينة أكيلي لاورو، وهي سفينة سياحية إيطالية كانت تبحر من مصر إلى ميناء أشدود الإسرائيلي، مما أدى إلى وفاة ليون كلينغوفر، وهو راكب أمريكي الجنسية كان على متن السفينة ويبلغ من العمر 69 عاماً.
وبخصوص الخطة السرية للترجيل فقد تسرّبت تلميحات تشير إليها على مرّ السنوات، لكن لم تظهر أي معلومات تشير إلى الأبعاد الحقيقية لهذا المخطط.
الفشل الإسرائيلي الأمني في العمليّة
كما أسلفنا، لا يُعرف سوى القليل عن المبادرات الأخرى لترحيل وتهجير الفلسطينيين من أرضهم. لكنَّ خطة باراغواي كانت واقعيةً وطموحة بشكلٍ ما. ووفقاً للدبلوماسي موشيه بيير فإن هذه الخطة كانت أيضاً فشلاً أمنياً إسرائيلياً ذريعاً.
فلم تُؤمَّن السفارة الإسرائيلية في باراغواي جيداً، وموشيه بيير أنّه قبل ثلاثة أسابيع فقط من إطلاق النار على السفارة الإسرائيلية وجد نفسه ينقِذ أحد عملاء الموساد الذي ألقت باراغواي القبض عليه بعد شَكَاوى من قِبَل بعض الفلسطينيين الذين نُقلوا إلى هناك، والذين استشعروا أنهم قد تمّ التخلي عنهم بلا أموالٍ ودون عمل.
وفقاً لبيير فقد كان عملاء الموساد بمثابة العمود الفقري للعملية، إذ هم من استكشفوا المهاجرين المحتملين في غزة، وقدّموا لهم وعوداً بإعادة توطينهم في باراغواي. وفي الأسبوع الذي أعقب قتل زوجته (في هجوم السفارة) أُجبره أحد عملاء الموساد على القَسَم بأنَّه لن يتفوه بكلمة عن تلك الخطة لمدة 30 عاماً على الأقل.
ولم تعرف أيّ تفاصيل عن تلك الخطّة إلى أن أفرج عن تلك الوثائق بعد 51 عاماً على حدوثها، أي يوم الثلاثاء 13 أغسطس/آب 2020!