ارتبطت العنصرية بأمم الأرض في القديم وفي الحديث، وسأشير إلى ذلك في هذه النقاط:
ما المقصود بالعنصرية؟
العنصرية هي: التفرقة والتمييز في المعاملة بين الناس على أسس مادية، كالجنس، أو اللَّون، أو اللغة، أو العرق، أو المستوى الاجتماعي أو الطبقي.
من هو العنصري؟
هو الشخص الذي يفضّل عنصره على غيره متعصباً له في حق أو باطل.
أول عنصري على ظهر البسيطة:
العنصرية مسلك موجود منذ خلق آدم، وأول من تعامل بعنصرية هو الشيطان حين عصى ربه قائلاً: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]. إذن فالعنصرية خلق شيطاني مقيت.
العنصرية عند الأمم والشرائع السابقة:
وهذه العنصرية موجودة في الأمم كل الأمم، ولا تكاد تخلو منها أمة، فالهنود واليونانيون والرومان. بل بعض الشرائع التي تنسب إلى السماء كانت العنصرية حاضرة في أدبياتهم، حيث يدعي البعض أنهم أبناء الله وأحباؤه، وآخرون يرون أنفسهم شعباً اختاره الخالق ليكون فوق العالمين. ومن هؤلاء من اعتبر الخلق أنواعاً في الخلق، فهذا مخلوق من فم الإله، وآخر من ساق الإله، إلى غير هذه السخافات التي تنفي التساوي بين البشر في الخلقة.
العنصرية في جاهلية العرب:
وحتى العرب كانت العنصرية حاضرة في حياتهم وثقافتهم، وقد قسموا الناس سادة وعبيداً، وحتى السادة كانوا على أقسام، فكل قبيلة ترى في نفسها ما ليس عند غيرها، وها هو عمرو بن أم كلثوم يقول:
إذا بلغَ الرَّضيعُ لنا فِطاماً … تخرُّ لهُ الجبابرُ ساجِدينا
ونشرب إن أردنا الماء صفوا … ويشرب غيرنا كدراً وطينا
العنصرية في الغرب:
أما الغرب فحدث ولا حرج، إذ العنصرية متأصلة في نفوس العديد من الشعوب الغربية. لقد وجدت العنصرية في أوروبا منذ قرون طويلة، وظلت مستمرة في الغرب وفي أمريكا حتى أواخر القرن التاسع عشر، ولم ينس الناس حتى وقتنا هذا فترة العبودية التي عاشتها الأقليات غير البيضاء، والتي تلذذ بها الرجل الأبيض الذي يرى نفسه مخلوقاً متميزاً، وكان للرجل الأبيض من الامتيازات ما لا يحلم به ذوو البشرة السوداء، وحتى فترة قريبة كانت العنصرية حاضرة وبقوة، فلم يكن في مقدور أصحاب البشرة السوداء أن يتساووا مع البيض لا في التعليم ولا في التصويت فضلاً عن الترشيح، ولم يكن من حق الأسود أن يشارك الأبيض في وسائل المواصلات، فلا يجوز له أن يجلس في وجود الأبيض، حتى في دور العبادة وجدت كنائس للبيض وأخرى للسود، وقد خرجت التظاهرات تلو التظاهرات حتى انتزعت الأقليات وذوو البشرة السوداء كثيراً من حقوقهم.
العنصرية جريمة وليست وجهة نظر:
ولخطورة ما يترتب على العنصرية المقيتة من آثار تدمر الإنسان والبنيان والعمران؛ فإنه ينبغي أن نقر بأن العنصرية ليست مجرد وجهة نظر يمكن قبولها أو السكوت عنها، إنها جريمة وفق ما جاءت به الشرائع السماوية، والملل الأرضية، والقوانين البشرية، ولهذا فإن العمل على منعها يعد فريضة شرعية وضرورة بشرية.
العنصرية وباء:
نعم إنها وباء فتاك، ومرض عضال، إنها طاعون لا يبقي ولا يذر، إن ملأ نفساً دمرها، وإن ساد في مجتمع مزقه، إنها مرض يصيب العقل لا البشر، ويضرب النفس لا اللون، وهناك من يرى العنصرية مرضاً نفسياً، لكنه غير مستعص علاجه.. والحق أنه مرض نفسي خطير، لكن علاجه ليس بالهين لأن المريض بحاجة إلى تغيير قناعات وثقافات وأيدلوجيات ليست في داخله فحسب، وإنما في المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا يعني أن علاج العنصرية يبدأ من المجتمع قبل الفرد، فإذا غير المجتمع سلوكه وقوانينه، كان من السهل أن يغير الفرد قناعاته وهنا يزول المرض.
عنصرية الدول أكثر مقتاً من عنصرية الأفراد:
والحق أن عنصرية مقيتة متأصلة في سياسات العديد من الدول الغربية، هذه العنصرية متأصلة في الغرب كله أو جله، إن الغرب يريد لشعوبه (في المجمل) الحرية لكنه لا يريدها للشرق، يسعى لتحقيق الديمقراطية في بلاده لكنه يرفضها في الشرق وبخاصة إذا أتت بمن ينتمون إلى الشرق ثقافة وديناً، إنه يريد الرفاهية والسعادة لبنيه لكنه لا يتحرج أن يحرق ما زاد من قوته، ويعدم ما فضل من غذائه حتى وإن كانت المجاعات تضرب الشرق؛ وما مجاعات إفريقيا عنا ببعيدة.
أسباب العنصرية:
هناك أسباب عدة تعمل على تغلغل العنصرية في المجتمع، ومن أهمها:
أولا: الأسباب الخاصة:
ومنها:
- الاضطراب النفسي، فالإنسان المضطرب نفسياً لا يمكنه أن يعيش بسلام مع غيره، وهنا يظهر الجشع والطمع مما يؤدي في النهاية إلى العنصرية المقيتة.
- التميز عند البعض قد يجلب العنصرية تجاهه من الآخرين، وقد تتأصل العنصرية فيه بسبب تفوقه.
ثانياً: الأسباب المجتمعية:
هناك كذلك أسباب مجتمعية تؤل للعنصرية في داخل المجتمعات، ومن هذه الأسباب:
– التفاخر بالعرق أو النسب أو العائلة أو القبيلة أو البلد.
– بعض المقررات الدراسية التي تغرس علو عرق على عرق أو جنس على جنس.
– عدم التواصل مع المجتمعات الأخرى.
– الجهل وعدم إدراك حقيقة الكون ولا الإنسان.
– الإعلام المقيت الذي يلعب دوراً بارزاً في تغييب العقول، وتخريب الوعي.
– المثقفون المنحرفون فكرياً، ففي بعض البلاد تجد العنصرية أساسها من النخبة المثقفة.
أسس العنصرية وأسبابها:
ترتكز العنصرية على عدد من الركائز والأسس، ومن أهمها:
– لون البشرة. – القومية. – اللغة.
– المعتقدات. -الطبقات الاجتماعية.
صور العنصرية:
للعنصرية صور وأشكال، ومن هذه الصور:
– المضايقات، وهذا العنصرية تكون مع الأفراد أكثر منها مع الكيانات، ومن ذلك:
أ. الإهمال والإشعار بعدم الرغبة.
ب. الإهانة والتجريح.
ت. الحيلولة دون الوصول إلى ما يستحقه الإنسان.
– المضايقات العامة، وهذه تظهر في ازدراء نوع معين من الناس، ربما للونهم أو لجنسهم، أو لدينهم.
– العنصرية غير المباشرة: وتظهر في التعامل بعيداً عن القانون، فالتمييز يتبناه الأفراد دون استناد إلى قانون معين.
– العنصرية المباشرة: وهذه أسوأ أنواع العنصريات، لأنها تعتمد على قانون، وأقبح من ذلك إن كان دستور بلد ما هو الذي يعتمد عليه العنصريون.
آفات العنصرية:
للعنصرية آفات، أقل ما توصف به أنها مدمرة للفرد وللمجتمع، فهي تولد الحقد والحسد والضغينة بين أفراد المجتمع الواحد، إذ ماذا تنتظر من فرد يعيش وحيداً أو منبوذاً في المجتمع الذي ينتمي إليه، هذا على مستوى الفرد.
أما على مستوى المجتمع فإن العنصرية تولد مجتمعاً متفككاً، تعلو فيه الكراهية، ويسود فيه الخوف والكبت، مما ينشئ عدم استقرار في هذا المجتمع، والذي ما يلبث أن تنشأ فيه حرب تأكل الأخضر واليابس وتهلك الحرث والنسل إن لم يتدخل العقلاء والمصلحون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.