غيَّرت الحرب العالمية الأولى مفهومه للأبد.. هكذا كان التنبؤ بالأحوال الجوية قديماً

على الرغم من أن الأرصاد الجوية قد تطورت طوال العصر الفيكتوري لإنتاج خرائط الطقس في اليوم نفسه، وتحذيرات الطقس ظلت ممارسة التنبؤ بالطقس سيئة السمعة

عربي بوست
تم النشر: 2019/05/10 الساعة 18:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/09 الساعة 20:56 بتوقيت غرينتش
كيف ساهمت الحرب العالمية اﻷولى في تغير مفهوم التنبؤ باﻷحوال الجوية للأبد

خلال الحرب العالمية الأولى، تحوَّل التنبؤ بالطقس من ممارسة تستند إلى البحث عن أنماط متكررة في الماضي، إلى نموذج رياضي يتطلع إلى مستقبل مفتوح.

لم تكن التنبؤات الجوية موثوقة، بأي حال من الأحوال، خلال الحرب العالمية الأولى، رغم الحاجة إلى تلك التنبؤات، من أجل معرفة الأوقات الصالحة للملاحة الجوية، والمقذوفات، وانجراف الغاز السام.

وعلى الرغم من أن الأرصاد الجوية قد تطورت طوال العصر الفيكتوري لإنتاج خرائط الطقس في اليوم نفسه، وتحذيرات الطقس اليومية (على أساس خدمة البرق التي يمكن أن تتحرك حرفياً أسرع من الرياح)- ظلت ممارسة التنبؤ بالطقس مع تطوُّره وتغيُّره مع مرور الوقت سيئة السمعة غير كافية.

التشكيك في دقة تنبؤات الطقس الأرشيفية

رأى عالِم الرياضيات الإنجليزي لويس فراي ريتشاردسون أن ممارسة ما قبل الحرب للتنبؤ بالطقس كانت أرشيفية بطبيعتها، حيث كانت مطابِقة لظواهر الطقس الملحوظة في الوقت الحاضر بالسجلات التاريخية لظواهر الطقس السابقة.

كان هذا، حسب اعتقاده، طريقة غير علمية بشكل أساسي، لأنه يفترض أن التطورات السابقة للغلاف الجوي ستتكرر في المستقبل. وادَّعى أنه من أجل التنبؤ الأكثر دقة، كان من الضروري أن يشعر خبراء الأرصاد بالحرية في تجاهل مؤشر الماضي.

أسس رياضية للتنبؤ بالطقس

وهكذا، في عام 1917، قرر ريتشاردسون تجربة فكرة إعداد تنبؤ رقمي يعتمد على القوانين العلمية بدلاً من الاتجاهات السابقة. لقد كان قادراً على القيام بذلك، لأنه في 20 مايو/أيار 1910، سجَّل عالِم الأرصاد الجوية النرويجي فيلهلم بيركنيس الظروف الجوية في أوروبا الغربية. وقد سجَّل درجة الحرارة، وضغط الهواء، وكثافته، والغطاء السحابي، وسرعة الرياح، وتوازنات الغلاف الجوي العلوي.

سمحت هذه البيانات لريتشاردسون بتخطيط توقعات الطقس الرياضية. بالطبع، كان يعرف بالفعل طقس اليوم المعنيّ، من تسجيلات بيركنيس. كان التحدي يتمثل في إنشاء نموذج رقمي من هذا السجل يمكنه بعد ذلك تطبيقه على المستقبل. وهكذا رسم شبكة فوق أوروبا، تضم كلُّ خليةٍ بياناتِ الطقس التي سجلها بيركنيس، وضمن ذلك المتغيرات المحلية مثل مدى المياه المفتوحة التي تؤثر في التبخر، وخمسة أقسام عمودية بالهواء العلوي.

رغم الفشل فإنها خطوة على طريق النجاح

ادَّعى ريتشاردسون أن الأمر استغرق ستة أسابيع لحساب توقعاتٍ لمدة ست ساعات لموقع واحد. تساءل النقاد عما إذا كانت ستة أسابيع كافية. في أي حال، فإن التنبؤ العددي الأول كان غير متزامن مع ما حدث بالفعل. لم يقتصر الأمر على أن الوقت الذي كان يتوقع ريتشاردسون الطقس الخاص به قد مر بالفعل، بل كان أيضاً توقعاً خاطئاً.

في الأربعينيات من القرن الماضي، تم قبول أسلوب ريتشاردسون الرياضي للتنبؤ بالطقس مع اختراع أول أجهزة الكمبيوتر الرقمية أو آلات الاحتمال. لا تزال هذه هي أساس كثير من التنبؤات الجوية اليوم، كما أسهمت تجربته في تطوير مجال دولي للأرصاد الجوية العلمية.

من هو لويس فراي ريتشاردسون

وُلد ريتشاردسون بإنجلترا في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1881، وتُوفي في 30 سبتمبر/أيلول 1953، وكان أول من طبَّق التقنيات الرياضية للتنبؤ بالطقس بدقة.

قدَّم ريتشاردسون مساهمات كبيرة في أساليب حل أنواع معينة من المشاكل بالفيزياء، ومن عام 1913 إلى عام 1922 طبَّق أفكاره على الأرصاد الجوية. لم ينجح عمله تماماً في البداية كما ذكرنا، والذي نُشر بمجلة تنبؤات الطقس في عام 1922.

كان العيب الرئيس في أسلوبه الرياضي للتنبؤ المنهجي بالطقس هو الوقت اللازم لإنتاج مثل هذه التوقعات. استغرق الأمر عادةً ثلاثة أشهر للتنبؤ بالطقس لمدة 24 ساعة. مع ظهور أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت طريقته في التنبؤ بالطقس، والتي تم تغييرها وتحسينها إلى حد ما، معتداً بها.

فيما بعد، تمت تسمية رقم ريتشاردسون، وهو عامل متغير له أهمية عملية في التنبؤ بالطقس وفي استكشاف التيارات والعكارة في المحيطات والبحيرات. ويعتمد رقم ريتشاردسون على كل من الجاذبية الأرضية، والكثافة، والسرعة، والعمق.

الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على التنبؤ بالطقس

قامت غارات القصف المتحالفة خلال الحرب العالمية الثانية بتجربة غير مقصودة على الطقس، من خلال إنتاج غارات ضخمة على جنوب شرقي إنجلترا.

ركَّز الباحثون على غارات القصف الأكبر بين عامي 1943 و1945 بعد انضمام القوات الجوية لجيش الولايات المتحدة (USAAF) إلى الحملة الجوية ضد قوات أدولف هتلر.

ووفقاً للباحث بالدراسة روب ماكنزي، من مركز لانكستر للبيئة في المملكة المتحدة، كان واضحاً أنَّ قصف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية يمثل تجربة بيئية غير مقصودة على قدرة الغيوم الاصطناعية على التأثير على الطاقة القادمة إلى الأرض وخارجها في تلك المواقع.

تتشكل الغيوم الاصطناعية عندما يختلط عمود الهواء الساخن الرطب من عادم المحرك بالهواء البارد. تتشكل القطيرات السائلة ثم تتجمد، لتشكل خطاً مستقيماً أبيض. يمكن أن تستمر هذه الغيوم على شكل خطوط في بعض الأحيان، وتمتد في بعض الأحيان لتصبح من غير الممكن تمييزها تقريباً عن الغطاء السحابي الطبيعي.

تكون للغيوم الاصطناعية آثار معقدة على درجة حرارة سطح الأرض؛ فهي يمكن أن تعكس ضوء الشمس، أو تسبب التبريد، أو يمكنها أن تحبس إشعاعات الموجة الطويلة، وتمنعها من الهرب إلى الفضاء، وتؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة سطح الكوكب.

قام ماكنزي ومعاونوه بتفتيش السجلات العسكرية والطقس، واختيار الغارات التي شملت أكثر من 1000 طائرة متبوعة بأيام خالية من الغارات مع طقس مشابه. وجدوا غارة وقعت في 11 مايو/أيار 1944، قدمت لأفضل دراسة حالة.

في ذلك الصباح، أقلعت 1444 طائرة من جنوب شرقي إنجلترا إلى سماء صافية. ووجد الباحثون أن الغيوم الناتجة عن هذه الطائرات تسببت بدرجة كبيرة في زيادة درجة حرارة الصباح عبر المناطق ذات الكثافة العالية من الرحلات الجوية.

وبهذا ساعدت غارات قصف الحرب العالمية الثانية على فهم العمليات التي تؤثر في المناخ المعاصر.

تحميل المزيد