عرف التاريخ علماء ومخترعين تفوقوا في مجال بعينه وأبدعوا فيه ليقدموا للبشرية فوائد وإنجازات عظيمة ساهمت في تحقيق الرفاهيّة، وسهلت طرق المعيشة على الإنسان.
لكنَّ هناك عدداً من العلماء والمبتكرين لم يقتصروا على مجال بعينه، بل أطلقوا العنان لعقولهم لتسرح وتمرح في عدة مجالات ولم يقيدوها بمنهج واحد فقط.
فحين تذكر اسم غراهام بل على سبيل المثال، سيتطرق لذهنك اختراع التليفون الذين كان النواة الأولى لثورة الاتصالات التي نعيشها الآن لكن ماذا لو عرفت أنه ساهم في تطوير الطائرة!
هيا نتعرف على أبرز المبدعين الذين تفوقوا في أكثر من مجال.
إسحاق نيوتن
بالطبع إذا سألت معظم الناس عما يعرفونه عن إسحاق نيوتن، فمن المحتمل أن يقولوا شيئاً يتعلق بالفيزياء، ربما قوانين الحركة الثلاثة أو قانون الجذب العام. ربما يتحدثون عن مساهماته الأساسية في الهندسة التحليلية، والجبر، وحساب التفاضل والتكامل، وغيرها من الإنجازات العلمية.
لكن بعيداً عن هذا، هل تعلم أن نيوتن عمل في منصب حكومي كمدير لدار السك الملكية لأكثر من 25 سنة وكان يختص بالإشراف على جميع العملات المعدنية في إنجلترا.
نعم، أراد نيوتن الحصول على هذه الوظيفة بعدما شعر بالملل من وظيفته بهيئة التدريس في كلية ترينيتي جامعة كامبردج، ولذلك استعان بأصدقائه البارزين بما في ذلك الفيلسوف جون لوك لتأمين وظيفة حكومية مناسبة.
في عام 1696، انتقل نيوتن إلى لندن ليشغل هذه الوظيفة، وكانت مهمته إصلاح وإعادة سك عملة إنجلترا، ثم أصبح رئيس نفس الدار بعد وفاة رئيسها توماس نيل عام 1699، وظل في هذه الوظيفة حتى وفاته عام 1727.
أخذ نيوتن هذه المهمة على محمل الجد واستقال من مهامه التي كان يقوم بها بجامعة كامبريدج عام 1701، ليتفرغ لهذه الوظيفة وسعى شخصياً وراء التخلص من الفساد ومحاربة المزورين ونجح في القبض على عدد كبير منهم.
في عام 1717، قام بتحويل الجنيه الإسترليني من هيئته الفضية إلى الهيئة الذهبية وأعطى الجنيه تقييماً قانونياً بنحو 21 شلناً.
سعى نيوتن لأن تكون العملات في دار السك الملكية دقيقة وموثوقة قدر الإمكان مع مراعاة تقليل الفروق بين العملات وبعضها لأقل درجة ممكنة حتى أن دار السك الملكية The Royal Mint كتبت على موقعها الحالي "إنها سمعة نحن فخورون بالحفاظ عليها حتى يومنا هذا".
قام نيوتن بنفس العمل لإسكتلندا عندما انضمت إلى المملكة المتحدة، كما قام بتوطيد العلاقات بين كل من أدنبرة والمملكة المتحدة وذلك نظراً لصداقاته الكثيرة بين مدراء المصارف في أدنبرة. لذلك فهو مسؤول أيضاً عن المساعدة في تحسين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وهي بمثابة نقطة تحول في التاريخ البريطاني.
تشارلز باباج
ولد تشارلز باباج في 26 ديسمبر 1791 في إنجلترا، ولقب بـ"أبو الحوسبة"، فهو أول من ابتكر مفهومَ الحاسوب القابل للبرمجة، وذلك بعدما صمم أول حاسبة وأسماها محرّك الفروق (Difference Engine) والتى كانت فكرتها هى أساس اختراع الكمبيوتر.
لم تكن الآلة الجديدة مجرد آلة حسابية، فهي آلة متعددة الوظائف وتشبه مكونات الحاسب الآلي في القرن العشرين وبها ذاكرة قادرة على تنفيذ تلك الأوامر وحفظ النتائج التي يتم التوصل إليها.
لكن عبقرية باباج لم تتوقف على الرياضيات وعلم الأرقام والبرمجة فحسب، بل إنه أولى اهتماماً خاصاً للسكك الحديدية.
في عام 1830 ، كان باباج راكباً في القطار الذي يربط بين مانشستر وليفربول، لاحظ باباج أن الأبقار كانت تنتشر بشكل كبير وتعترض مسار القطارات بكثرة مما يؤدي لتوقف القطار حتى لا يدهسها في طريقه.
فكر في طريقة للتغلب على هذه العقبة من ناحية وحماية السائق ومعاونيه في مقصورة القيادة عند وقوع الحوادث لأنهم أول من يتلقون الصدمة.
ابتكر باباج مِصّداً للقطارات أطلق عليه اسم "ماسك البقر"، وهو عبارة عن قطعة معدنية كبيرة الحجم ومدببة توضع في مقدمة كل قطار تقي القطار من الصدمة بشكل كبير كما تعمل على إزاحة أي عقبات صغيرة تواجه القطار أثناء رحلته.
تشارلز داروين
يرتبط ذكر عالم الأحياء داروين (12 فبراير/شباط 1809 – 1882) اليوم بمصطلحات مثل الانتقاء الطبيعي ونظرية التطور، لكن له أبحاث ومنشورات هامة كانت تختص بالجيولوجيا.
في إحدى مذكراته، كتب عالم الأحياء الشهير تشارلز روبرت داروين عن أمنيته منذ أن كان طفلاً:
"بعد فترة وجيزة بدأت في جمع الأحجار، أتذكر بوضوح الرغبة التي كانت لدي في أن أتمكن من معرفة شيء ما عن كل حصاة أجدها. كان ذلك كل ما أطمح إليه".
كان داروين يدرس الطب في جامعة إدنبره لكنه أهمل دراساته واتجه للمساعدة بالدراسات الجيولوجية التي تجريها جامعة كامبريج وانضم إلى العديد من الرحلات الجيولوجية النباتية المنظمة في المناطق المحيطة بالمدينة.
في عام 1831، تلقى تشارلز داروين دعوة للانضمام إلى سفينة بيجل التي كانت تقوم برحلة حول العالم. على مدار السنوات الخمس التي استغرقتها الرحلة قام داروين بالمسح الجيولوجي واستكشاف التاريخ الطبيعي من خلال جمع آلاف العينات وتدوين الملاحظات وإرسالها لجامعة كامبريدج. كان مهتماً أيضاً بدراسة التكتلات الصخرية وتكوناتها، ودرس كل ما مرّ عليه من شعب مرجانية. وصف داروين هذه الرحلة بأنها "أهم حدث في حياته كلها".
رافق داروين البروفيسور آدم سيدجويك (1785-1873) الذي يعتبر أحد الآباء المؤسسين للجيولوجيا في إنجلترا في جولة جيولوجية في شمال ويلز، وتم حفظ 20 صفحة من الملاحظات التي أدلى بها داروين خلال الجولة في مكتبة جامعة كامبريدج.
في أثناء الجولة قام بدراسة بعض البراكين وألّف نظريته حول التكتلات الصخرية بشكل عام، واختص بذكر الزلازل وتحليلها.
لو لم يضع داروين نظرية التطور الحديثة التي شغلت العلماء والعامة على حد سواء، لعرفه الناس كأحد أهم علماء الجيولوجيا.
ألكسندر غراهام بل
على الرغم من أن الإسكتلندي ألكساندر غراهام بيل يشتهر بشكل بأنه مخترع الهاتف، إلا أنه قام أيضاً بتدريب ما كان يُعتبر فريق الطيران الأكثر تقدماً في العالم في أوائل القرن العشرين.
فاز فريقه بجائزة الكأس العلمية الأمريكية في 4 يوليو/تموز 1908، حيث تمكن من تطوير تقنيات طيران مبتكرة لا تزال أساسية لتصميم الطائرات.
كما طور غراهام بيل جهازاً للكشف عن المعادن للكشف عن مكان الرصاصة التي أصيب بها الرئيس الأمريكي جيمس غارفيلد في ظهره عام 1881، لكن للأسف لم تنجح محاولاته؛ لسوء حظه لم يستطع الأطباء تحديد مكان الرصاصة في ظهره وإخراجها وهذا أدى إلى استمرار معاناته.