من أين يحصل الناس على أفكارهم؟ في بعض الأحيان، تأتي الأفكار الإبداعية للأشخاص بسبب شيء يلاحظونه في الحياة اليومية، وأحياناً تأتي أثناء السفر، وفي بعض الأوقات تأتي أثناء التحدث لصديق، وربما تأتي عند الاستحمام وأحياناً يحلم الأشخاص بها حرفياً!
عندما تنام يظل عقلك اللاوعي مستيقظاً، ويمكن أن يخلق أحلاماً غريبة حول المشكلة التي تواجهك، ما يساعدك على تطوير حلول إبداعية لها، ولذلك كانت الأحلام مسؤولة عن بعض الاكتشافات الإبداعية والعلمية الرئيسية في تاريخ البشرية.
كل هذا يجعل المرء يتساءل عن عدد الأحلام التي شطبناها من ذاكرتنا على أساس أنها سخيفة وعديمة المعنى.. ربما كانت تستدعي القليل من الاهتمام الإضافي.
فيما يلي 7 أحلام رائعة لبعض أبرز العلماء والمخترعين في العالم مكّنتهم من إفادة البشرية جمعاء.
الجدول الدوري لمندلييف
كان الروسي ديميتري مندلييف (مواليد 1834) كيميائياً مشهوراً. لقد واجه التحدي المتمثل في محاولة معرفة طريقة منطقية ومقبولة علمياً لتقديم جميع العناصر المكتشفة. على الرغم من أنه كان يعتقد أن هناك إجابة قوية لهذه المشكلة، إلا أنه لم يستطع التوصل لها في البداية.
في تلك الليلة، كان لديه حلم حيث تجمّعت أفكاره جميعاً. نقلاً عن مذكراته، كتب ديمتري:
"رأيت في المنام طاولة سقطت عليها جميع العناصر وبدأت كل العناصر تأخذ مكانها كما هو مطلوب. عندها استيقظت ونسخت ما رأيت في الحلم على الفور على قطعة من الورق".
وبالفعل قام ديميتري بإنشاء جدول لفرز العناصر تبعاً للوزن الذري ونشره في عام 1869. وشكّل هذا الأساس للجدول الدوري الحديث، الذي يفرز العناصر الآن تبعاً لعدد البروتونات في ذرة كل عنصر.
نيلز بور وتركيب الذرة
حصل العالم الدنماركي الشهير نيلز بور على لقب الدكتوراه في عام 1911، وحاز على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1922 نظير أبحاثه العلمية حول البنية الذرية.
في بداية القرن الـ19 حاول الوصول لتركيب الذرة مراراً، وصنع نماذج توضيحية تساعده في فهم تركيب الذرة؛ لكن باءت تلك المحاولات بالفشل.
وفي إحدى الليالي ذهب للنوم وبدأ يحلم بالذرات. قال نيلز بور إنه رأى نواة الذرة، حيث تدور الإلكترونات حولها، مثلما تدور الكواكب حول شمسها.
عندما استيقظ، شعر بأن الرؤية كانت دقيقة، ولكنه كعالم كان يعرف أهمية التحقق من صحة فكرته قبل الإعلان عنها للعالم.. لذلك عاد إلى مختبره وبحث عن أدلة تدعم نظريته.
وبالفعل اتضح أن رؤية بور للتركيب الذري كانت واحدة من أعظم الإنجازات في عصره. وكم ذكرنا فإنه حصل على جائزة نوبل للفيزياء نتيجة لهذه القفزة في التفكير الإبداعي أثناء النوم.
إلياس هاو وماكينة الخياطة
في عام 1845، ابتكر الأمريكي إلياس هاو ماكينة الخياطة استناداً إلى حلم مشهور.. لم يكن هاو أول من تصور فكرة ماكينة الخياطة، لكنه قام بتحسينات كبيرة في التصميم وحصل على أول براءة اختراع أمريكية لآلة الخياطة باستخدام تصميم الغرز المتشابكة.
وفقاً لسجلات تاريخ العائلة فإن إلياس هاو كان مشغولاً بسؤال وهو: أين يجب أن تكون عين إبرة ماكينة الخياطة؟ فقد كان هاو مهتماً بالوصول لاختراع طريقة أوتوماتيكية تتيح إدخال الخيط في العروة، وتكرار تلك العملية دون الحاجة للتوقف وإعادة تلقيم الخيط في الإبرة مرة أخرى.
وفي إحدى المرات واجه هاو كابوساً فظيعاً فقد حلم بأنه وقع أسيراً في يد ملك متوحّش في بلد غريب
وأعطاه الملك 24 ساعة كمهلة للانتهاء من صنع ماكينة الخياطة وإذا لم ينتهِ في الوقت المحدد، فستكون عقوبة الإعدام هي مصيره.
ظل هاو يعمل ويعمل لكنه لم يستطع استكمال صنع الآلة فما كان من أفراد القبيلة إلا أن انهالوا عليه طعناً بالرماح، لكنه لاحظ الشكل الغريب لأسنّة الرماح التي تطعنه، والتي كانت على شكل إبرة مثقوبة من طرفها. واكتشف أن ماكينة الخياطة سوف تعمل بنجاح إذا كان الثقب في طرف الإبرة وليس في منتصفها.
كانت الساعة الرابعة صباحاً. قفز من السرير، وركض إلى ورشته وبدأ في صناعة الإبرة.
نظرية النسبية
يشتهر أينشتاين برؤيته العبقرية لطبيعة الكون، لكن ماذا عن أحلامه؟ لقد توصل إلى الإنجاز العلمي غير العادي بعد أن كان لديه حلم حقيقي.
نشر أينشتاين نظرية النسبية في منتصف العشرينيات من عمره، إلا أن فكرتها كانت قد تبادرت إلى ذهنه قبل ذلك بكثير، إذ راودته على شكل حلم عندما كان لا يزال مراهقاً.
فقد حلم بأنه جاء إلى مزرعة بها مجموعة من الأبقار المتجمعة وراء سياج حديدي موصول بالكهرباء عن طريق بطارية معدة لذلك لمنع الأبقار من تجاوز حقل صاحبها. لكن يبدو أن البطارية كانت فارغة لأن البقرات كانت تمد أعناقها من خلال السياج.
قام المزارع بإزاحة البطارية القديمة ووضع الجديدة محلها، ثم أوصلها بالسياج لتقفز البقرات بعيداً عن السياج في وقت واحد.
ابتسم أينشتاين متعجباً من سرعة ردة فعلها وأثناء مروره بجانب المزارع ألقى عليه التحية وقال له "إن لبقراتك ردة فعل ممتازة لأنها قفزت في وقت واحد"، لكن المزارع لم يكن يشارك أينشتاين هذا الإعجاب وقال له إن الأبقار لم تفعل ذلك بل استغرق الأمر بعض الوقت حتى تقفز البقرة الأولى ثم تبعتها الثانية ثم الثالثة هكذا.
لم يكن هذا يطابق ما رآه أينشتاين ولذلك آثر أينشتاين الصمت ومضى في طريقه.
وعندما استيقظ آينشتاين، أعطاه الحلم فكرة أن أحد المراقبين قد يرى شيئاً ما يحدث فوراً بينما يرى آخرون أن نفس الحدث يحدث بالتتابع. وشكّل هذا الأساس لنظرية النسبية.
اكتشف آينشتاين في حلمه أن الأحداث كانت تبدو مختلفة حسب المكان الذي تقف فيه، وذلك بسبب الزمن الذي يستغرقه الضوء للسفر.
يقول أينشتاين إن بقية حياته المهنية اعتمدت على الأسئلة المستوحاة من حلم الأبقار المكهربة.
سرينفاسا أينجار رامانجن.. الرجل الذي عرف اللانهاية
إنه عالم رياضيات عبقري من الهند له مساهمات كبيرة في النظرية التحليلية للأرقام، وتتابع الكسور والمتسلسلات اللامتناهية وقد أثبت أكثر من 3000 نظرية رياضية في حياته.
قام رامانجن الذي ينتمي إلى عائلة فقيرة بصياغة نظرياته الأولى في سن 13 عاماً، وكان يبلغ من العمر 23 عاماً وقد أصبح شخصية معترفاً بها في مجتمع الرياضيات الهندي، وعلى الرغم من أنه لم يكن لديه تعليم جامعي، فقد تم رفضه مرتين في امتحان القبول للجامعة لأنه ترك كل الأسئلة التي لا تتعلق بالرياضيات بدون إجابة.
ومع ذلك، فإن هذا لم يمنعه من مواصلة تدريبه، في هذه الفترة كان لدى رامانجن هاجس كبير من شأنه أن يتبعه حتى نهاية أيامه: الرقم (باي).
فقد جاء هذا العالم بمئات الطرق المختلفة لحساب القيم التقريبية لباي.
وذكر رامانوجان بأن الإلهام كان يأتي إليه في أحلامه في العديد من المناسبات.
قال رامانوجان إنه طوال حياته كان يحلم مراراً بإلهة هندوسية تُعرف باسم ناماكال. كانت تقدم له معادلات رياضية معقدة مراراً وتكراراً، وعندما يستيقظ يقوم باختبارها والتحقق منها.
في وصف أحد أحلامه الخاصة بالرياضيات، قال رامانجن:
"بينما كنت نائماً، كانت لديّ تجربة غير عادية، كانت هناك شاشة حمراء تم تشكيلها من خلال تدفق الدم بداخلها، كنت أراقب الشاشة وفجأة بدأت يد في الكتابة على الشاشة. أوليت كل اهتمامي لما تكتبه. كتبت تلك اليد عدداً من الصيغ الرياضية التي علقت بذهني حتى استيقظت، وقمت بكتابتها على الفور".
أوتو لوفي.. مادة أستيل كولين
كان أوتو لوفي عالِماً صيدلانياً ألماني المولد، وقد ساعد اكتشافه لمادة أستيل كولين (مركب كيميائي يلعب دوراً هاماً كناقل عصبي في دماغ وجسم الإنسان) في تقدم العلاج الطبي.
حصل هذا الاكتشاف على جائزة نوبل بعد 13 عاماً من اكتشافه.
في عام 1921، قال أوتو إنه حلم بأنه يقوم بتجربة على قلوب الضفادع أثبت من خلالها أن انتقال النبضات العصبية كان كيميائياً وليس كهربائياً.
وقد استيقظ، وقام بخربشة ما جاءه في الحلم على ورقة وعاد إلى النوم.
قال أوتو:
"في صباح اليوم التالي استيقظت متحمساً للقيام بالتجربة، لكني شعرت بالقلق بسبب عدم تمكني من رؤية ما كتبته على الورق بوضوح".. حاول أن يتذكر حلمه لكنه فشل.
ومع ذلك في الليلة التالية تكرر نفس الحلم بنفس تفاصيل، استيقظ أوتو وتوجه مباشرة إلى مختبره لإثبات النظرية الحائزة على جائزة نوبل في انتقال النبضات العصبية.
لاري بايج.. مؤسس جوجل
في الثالثة والعشرين من عمره حلم لاري بايج بتنزيل وتخزين الإنترنت على أجهزة الكمبيوتر الفردية. عندما استيقظ، قام ببعض البحث والحسابات الرياضية لمعرفة ما إذا كان ذلك ممكناً.
نظراً لمشكلات النطاق الترددي والتخزين، لا يمكن حفظ صفحات الويب بالكامل على جهاز كمبيوتر. ومع ذلك، كان من الممكن أن يتم تخزين صفحات الويب في شكل روابط فردية.
أعطاه الحلم فكرة إنشاء موقع إلكتروني لتجميع الروابط الخاصة صفحات الويب في جميع أنحاء العالم والبحث فيها.
جنباً إلى جنب مع زميل دراسته، سيرجري برين، نجح لاري في تأسيس موقعه الإلكتروني الناشئ، الذي أطلق عليه في البداية اسم BackRub، قبل أن يتحول إلى الاسم الأشهر بيننا الآن "جوجل".
خلال خطاب ألقاه عام 2009 في جامعة ميشيغان، قال:
"أمسكت على الفور بقلم عندما استيقظت وكتبت ما أصبح أساساً لخوارزمية تم استخدامها لتشغيل محرك بحث ويب جديد يُعرف الآن باسم Google".