لنطرح معاً تساؤلاً افتراضياً: ماذا لو أنَّ ألمانيا لم تعلن الحرب قطّ على الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية؟
لطالما تساءل الباحثون والمحللون إذا ما كان هذا السؤال يمثِّل واحداً من أعظم أسئلة "ماذا لو" المتعلقة بالحرب العالمية الثانية. هل كان يمكن للألمان إبقاء الولايات المتحدة خارج الحرب، أو على الأقل تقويض الدعم الشعبي للقتال على الساحة الأوروبية، من خلال رفض الانضمام للهجوم الياباني؟
ظهر هذا التساؤل للمرة الأولى منذ عدة سنوات. هل كان قرار إعلان الحرب على الولايات المتحدة، والإعفاء الفعَّال لإدارة روزفلت من مسؤولية تعبئة المشاعر الأمريكية للحرب في أوروبا، من بين أفدح الأخطاء التي ارتكبها هتلر؟
ليس الأمر كذلك على الأغلب. إذ اتفقت واشنطن وبرلين على حتميَّة الحرب، وكان السؤال الوحيد: من منهما سوف يطلق الرصاصة الأولى.
في حالة حرب
كانت الولايات المتحدة وألمانيا في حالة حربٍ في كل شيء باستثناء الاسم قبل وقتٍ طويل من شهر ديسمبر/كانون الأول 1941. ذلك أنَّ أمريكا كانت تشحن مواداً حربية وسلعاً اقتصادية إلى بريطانيا منذ بدايات عام 1941 (على الأقل)، وهو ما مكّن الحكومة البريطانية من الاستمرار في الحرب.
وكذلك خدم جنود وبحارة وطيّارون أمريكيون في القوات المسلحة البريطانية، وإن لم يكن بأعدادٍ كبيرة. وفي أواخر صيف عام 1941، وجدت الولايات المتحدة نفسها فعلياً في الحرب في معركة الأطلسي. وقد أدت حادثة Greer، التي اشتبكت فيها مدمّرة أمريكية مع غواصة (يو بوت) ألمانية، في وضع النزاع في بؤرة التركيز.
وقد أوضحت محادثات فايرسايد التي أدلى بها الرئيس روزفلت في الـ11 من شهر سبتمبر/أيلول عام 1941 أنَّ الولايات المتحدة كانت فعلياً في حالة حرب مع ألمانيا، إذ قال:
"على عاتق دورياتنا البحرية والبرية -التي تعمل الآن بأعدادٍ كبيرة على مدى شاسع من المحيط الأطلسي -يقع الآن واجب الحفاظ على السياسة الأمريكية المتعلقة بحرَّية البحار. ويعني هذا، بكل بساطة، وبكل وضوح، أنَّ سفننا وطائراتنا التي تقوم بدوريات سوف تحمي جميع السفن التجارية -وليس السفن الأمريكية فحسب، وإنما السفن التي تحمل أي علم- والتي تعمل في التجارة في مياهنا الدفاعية. سوف يحمونها من الغواصات، ومن السفن المهاجمة.
ونحن عندما نقرر حماية البحار الحيوية للدفاع الأمريكي، فليس هذا عملاً حربياً من جانبنا. ليس العدوان من طرفنا. إنَّ ما نفعله ليس سوى دفاع.
لكن ليكن هذا التحذير واضحاً. من الآن فصاعداً، إذا دخلت سفن حربية ألمانية أو إيطالية إلى المياه، التي تعتبر حمايتها أمراً ضرورياً للدفاع الأمريكي، فإنها تفعل ذلك على مسؤوليتها الخاصة".
لم ينطبق هذا الإعلان ببساطة على المياه الإقليمية للولايات المتحدة فحسب. فكانت الولايات المتحدة ترافق قوافل ممتلئة بالمعدات العسكرية إلى أوروبا مع سفن وطائرات مضادة للغواصات، تطلق النار في أي وقت على أية غواصة أو سفينة أو طائرة ألمانية تصادفها.
وعلاوة على ذلك، فحتى القوات البرية الأمريكية كانت قد بدأت المشاركة في الحرب. ففي بدايات شهر يوليو/تموز 1941، بدأ الجيش الأمريكي وقوات مشاة البحرية (المارينز)، بدعمٍ من البحريّة، في الانتشار في أيسلندا. ورفع الأمريكيون الحصار عن القوات البريطانية والكندية التي كانت قد غزت الجزيرة قبل عام من ذلك. لماذا؟
اعتقد هتلر (وبقيَّة الحكومة الألمانية) أنَّ المواجهة مع الولايات المتحدة كانت أمراً حتمياً تقريباً على المدى الطويل. إذ تدخلت الولايات المتحدة عام 1917 نيابة عن روسيا وفرنسا والمملكة المتحدة، وكان من شبه المؤكّد فعلها ذلك مرة أخرى في الحرب العالمية الثانية.
وقد عزز السلوك الأمريكي عام 1941 من هذا الاعتقاد. وكان بدء الحرب بشروطٍ ألمانية، قبل أن تستعدَّ الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها على نحوٍ فعال، موقفاً مجمعاً عليه بين النخبة السياسية والعسكرية الألمانية.
وكذلك فقد أعلنت ألمانيا الحرب على الولايات المتحدة ليس بدافع الغضب، وإنما لاعتقادها أنَّ الولايات المتحدة كانت معادية بالفعل، وأنَّ العمليات الأوسع ضد الولايات المتحدة سوف تساعد على كسب الحرب.
وعلى وجه الخصوص، فإنَّ إعلان المحور للحرب مكن من عملية كان الألمان يعتقدون أنها أساسية لإخراج بريطانيا من الصراع: هجوم منسق بالغواصات ضد السفن التجارية الأمريكية. وعلى الرغم من أنَّ سلاح البحرية الألماني (كريغسمارينه) كان قد استهدف السفن الأمريكية في الشهور والسنوات التي سبقت بيرل هاربور، فإنه قد كثّف عملياته بشكل كبير في الشهور الأولى من عام 1942، فشنّ عملية كبيرة قبالة الساحل الأطلسي الأمريكي.
كانت التكتيكات الألمانية فعّالة على نحوٍ مدمر ضد الجيش الأمريكي الذي كان يفتقر للتكتيكات والمعدات والإجراءات الجيدة لقتال غواصات يو بوت.
كان الجيش البريطاني والسلطات السياسية من جانبهم قلقين من أنَّ الهجوم الألماني ربما ينجح ويدمِّر ما يكفي من السفن لقطع شريان حياة بريطانيا إلى أمريكا الشمالية. وسرعان ما أرسلت القوات البحرية الملكية والقوات الجوية الملكية مستشارين إلى الولايات المتحدة في محاولة لوقف النزيف.
لكنَّ عام 1942 أثبت مع ذلك أنه عام الحرب الأكثر تدميراً فيما يخص خسائر الشحن. وبشكل عام، فقد أثبتت عملية قرع الطبول (Operation Drumbeat) أنها أكثر نجاحاً بكثير بالنسبة للمحور من الهجوم الياباني على بيرل هاربور.
لكن ماذا لو..
لو كانت ألمانيا وإيطاليا قد تمكنتا، رغم كل ذلك، من تجنب إعلان حرب مفتوحة ضد الولايات المتحدة، فإنَّ الحرب كانت لتستمر في شمال الأطلسي. ذلك أنَّ الولايات المتحدة كانت سوف تستمر في تزويد بريطانيا والاتحاد السوفيتي بمواد الحرب، ربما بخطوط إمداد أكثر أمناً إلى حد ما، خاصة إذا ما استمر الألمان في تجنب الهجمات على طول ساحل المحيط الأطلسي.
أمّا في الحرب الحقيقة، فقد قدمت القوات الجوية والبحرية والبرية الأمريكية أول مساهمة حاسمة لها في البحر المتوسط. وقد شكك الكثير من المحللين، بين الحين والآخر، في المنطق الاستراتيجي لحملة البحر المتوسط، لكنها ساعدت على المدى الطويل في تهيئة القوات البرية والجوية الأمريكية.
لو كانت الولايات المتحدة قد حافظت على حيادها الرسمي، فإنَّ عملية الشعلة (Operation Torch) (غزو شمال إفريقيا) ربما ما كانت لتحدث أبداً، وكان التقدم في البحر المتوسط سوف يحدث بوتيرة أبطأ بكثير.
كان من الممكن لمشاركة الولايات المتحدة في هجوم القصف الموحد (CBO)، الذي كانت مصمماً لتدمير الصناعة والمعنويات الألمانية وإبعاد الرايخ الثالث عن الحرب، أن يتطور على نحو أبطأ. ومع ذلك، وبالنظر إلى التأثير المحدود والتكلفة الهائلة لهجوم القصف الموحد في مراحله الأولية، فليس من الواضح حجم التأثير الصافي الذي كان من الممكن أن يحدثه ذلك على مد الحرب وجزرها.
وكان من الممكن أن يؤدي الالتزام الأمريكي القتالي المحدود في الأطلسي إلى جهد أكبر في المحيط الهادئ، على الرغم من صعوبة معرفة الأثر الذي كان سوف يحدثه ذلك الأمر على السنة الاولى من الحرب.
بمرور الوقت، حققت الولايات المتحدة تفوقاً هائلاً على اليابانيين، وقد كان هذا الأمر ليحدث على نحو أسرع حتى مع التزام أصغر تجاه أوروبا. ومع ذلك، فإنَّ التفوق الكاسح الذي أظهرته الولايات المتحدة عام 1944، كان يعتمد على التكنولوجيا والتدريب وتوافر السفن التي ظلت في ممرات السفن عام 1942. وعانت مخططات تجهيز القتال في الصين أو جنوب شرق آسيا من مشكلات لوجستية هائلة، لم تستطع الولايات المتحدة حلها حتى عام 1944 على أي حال.
الرشقة المدفعية الأخيرة
كان روزفلت وهتلر يعتقدان أنّ الحرب حتمية، ومن المرجح أنَّ كليهما كان على صواب. ربما كان تقييد الآلة الحربية في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1941 من شأنه أن يشتري بعض الوقت الإضافي لألمانيا في البحر المتوسط، وربما في الأجواء أيضاً، لكنه كان ليجبر سلاح البحرية الألماني على السبق بهجومٍ كانت ألمانيا تعتقد أنه يمكنها من الفوز بالحرب.
في نهاية المطاف، فقد كان من المرجح انضمام الأمريكيين إلى الصراع على أية حال، ربما بخبرة أقل، لكن باستعداد إجمالي أكبر يمكنهم من تقديم التزام حاسم.