على غرار الحرب الاستخباراتية التي كانت تدور بين إسرائيل والدول العربية، فيكسب أحدهما جولة أو معركة بين الفينة والأخرى، فإن الجواسيس الروس داخل أمريكا سجلوا جولات وصولات، منهم من انكشف أمره، ومنهم الذي لا يزال يعمل حتى هذه اللحظة ربما!
ومنذ فترة الثلاثينات وحتى عملية اختراق الرسائل الإلكترونية خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، والجواسيس الروس يعكفون على جمع معلومات عن الولايات المتحدة وحلفائها.
فيما يلي بعض أبرز قضايا التجسس الروسية كما نشرها موقع ThoughtCo الأمريكي، بدايةً من "شبكة تجسس كامبريدج" المُشكَّلة في الثلاثينات والمدفوعة أيديولوجياً، إلى عملاء مزدوجين أمريكيين مرتزقة زودوا الروس بمعلومات من قلب وكالة الاستخبارات المركزية خلال العقود الأخيرة.
فيلبي وشبكة تجسس كامبريدج البريطانية على مدى 30 عاماً
كان هارولد "كيم" فيلبي يمثل على الأرجح نموذج العميل المزدوج الكلاسيكي لفترة الحرب الباردة.
إذ جنَّدته المخابرات السوفيتية حين كان لا يزال طالباً في جامعة كامبريدج في الثلاثينات، واستمر منذ ذلك الوقت في التجسس لصالح الروس لمدة عقود.
وبعد أن أصبح فيلبي صحفياً في أواخر الثلاثينات، استغل علاقاته الأسرية المرموقة للدخول إلى جهاز الاستخبارات البريطاني السري (MI6)، وذلك في بداية الحرب العالمية الثانية.
وفي الوقت الذي كان يتجسس فيه على النازيين، كان يزود السوفييت أيضاً بمعلومات.
وبعد انتهاء الحرب، استمر فيلبي في العمل جاسوساً لصالح الاتحاد السوفيتي، كاشفاً لهم أدق الأسرار عن جهاز الاستخبارات البريطاني السري (MI6).
وبفضل صداقته المقربة من المسؤول الاستخباراتي الأمريكي جيمس أنغلتون من وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، يعتقد أن فيلبي زود السوفييت بأسرار دقيقة جداً حول المخابرات الأمريكية في أواخر الأربعينات.
انتهت مسيرة فيلبي المهنية عام 1951، حين فرَّ اثنان من شركائه المقربين إلى الاتحاد السوفيتي وأصبحت تدور حوله الشبهات في أنَّه هو "الرجل الثالث".
وفي مؤتمر صحفي شهير في 1955، كذب فيلبي ودحض هذه الشائعات.
ثم على نحو صادم، انضم فيلبي لجهاز المخابرات البريطاني السري، حيث كان عميلاً نشطاً لصالح الروس، إلى أن انضم في النهاية للاتحاد السوفيتي في 1963.
من الجدير ذكره أن فيلبي ولد في أمبالا بمقاطعة البنجاب في الهند البريطانية. كان ابن دورا (جونستون) وسانت يوحنا فيلبي، الذي كان مؤلفاً ومستشرقاً واعتنق الإسلام، وفق ما جاء في Wikipedia.
شبكة تجسس روزنبورغ زوجته.. وأسرار عن القنبلة الذرية
اتُّهِمَ زوجان من مدينة نيويورك الأمريكية، إيثيل وجوليوس روزنبرغ، بالتجسس لصالح الاتحاد السوفيتي وقُدما للمحاكمة في 1951.
وزعم مدعون فيدراليون أن الزوجين روزنبرغ زودا السوفييت بمعلومات سرية عن القنبلة الذرية.
وبدا هذا الكلام فضفاضاً؛ لأنه من المستبعد أن تكون المعلومات التي حصل عليها جوليوس روزنبرغ مفيدة جداً.
لكن وفقاً لشهادة متواطئ معهما، وهو ديفيد غرينغلاس، شقيق إيثيل روزنبرغ، أدين الاثنان.
وفي خضم جدل كبير، أعدم الزوجان روزنبرغ باستخدام الكرسي الكهربائي في 1953.
واستمر هذا الجدال حول جريمتهما لعقود. وعقب الكشف عن معلومات من الاتحاد السوفيتي في التسعينات اتضح أن جوليوس روزنبرغ زود بالفعل الروس بمعلومات خلال الحرب العالمية الثانية.
في حين ظلت الشكوك حول ما إذا كانت إيثيل مذنبة أم لا قائمة.
وولد جوليونس لوالدين مهاجرين يهوديين في مدينة نيويورك العام 1918، بينما تنتمي زوجته إثيل لعائلة يهودية أيضاً، وكانت تطمح لأن تكون مغنية أو ممثلة، لكنها عملت كسكرتيرة في شركة شحن.
ألغر هيس وأوراق اليقطين.. فخ سياسي استغله نيكسون
أسَرَت قضية تجسس قامت على أفلام مصغرة مخبأة في ثمار يقطين مُفرَّغة في مزرعة بولاية ماريلاند انتباه الرأي العام الأمريكي في أواخر الأربعينات.
وفي مقال في الصفحة الرئيسية بتاريخ 4 ديسمبر/كانون الأول 1948، كتبت صحيفة The New York Times الأمريكية، أنَّ لجنة مجلس النواب للأنشطة غير الأمريكية زعمت أنَّ لديها "دليلاً حاسماً حول واحدة من كبرى شبكات التجسس في تاريخ الولايات المتحدة".
وترجع أصول هذه الاكتشافات المثيرة إلى معركة بين صديقين قديمين، هما ويتكر تشامبرز وألغر هيس.
وأفاد تشامبرز، الذي كان يعمل محرراً في مجلة Time الأمريكية وشيوعياً سابقاً، بأنَّ هيس كان شيوعياً كذلك في الثلاثينات.
في حين نفى هيس، الذي شغل مناصب مرموقة في السياسة الخارجية في الحكومة الفيدرالية، هذا الاتهام.
وحين رفع دعوى قضائية، رد تشامبرز بتوجيه اتهام أكثر صدمة؛ إذ زعم أن هيس كان جاسوساً للاتحاد السوفيتي.
وأخرج تشامبرز إلى النور أشرطة أفلام مصغرة، التي كان يخبئها في ثمرة يقطين في مزرعته بولاية ماريلاند، والتي قال إنَّ هيس أعطاها له في 1938.
وقيل إنَّ هذه الأفلام تحوي أسراراً تخص الإدارة الأمريكية التي مرَّرها هيس للمتعاملين معه في الاتحاد السوفيتي.
وأعطت قضية "أوراق اليقطين"، كما أصبحت تُعرَف، دفعة للمسيرة المهنية لعضو مجلس شيوخ شاب من كاليفورنيا؛ هو ريتشارد نيكسون.
فبوصفه عضواً في لجنة مجلس النواب للأنشطة غير الأمريكية قاد نيكسون حملة شعبية ضد ألغر هيس.
من جانبها، اتهمت الحكومة الفيدرالية هيس بحنث اليمين؛ إذ لم تستطع إيجاد ما يكفي من أدلة لاتهامه بالتجسس.
ففي أثناء محاكمته، وصلت هيئة المحلفين لطريق مسدود، وتقرر إعادة محاكمته.
ثم في المحاكمة الثانية، أدين هيس وقضى سنوات عدة في السجن الفيدرالي بتهمة حنث اليمين.
وعلى مدى عقود، أثير جدل حاد حول ما إذا كان ألغر حقاً جاسوساً سوفيتياً.
ويقال إنه وقع فريسة لخديعة سياسية كبرى، وظلَّ طوال حياته يقاتل لإثبات براءته.
الكولونيل رودولف أبيل.. 5 سنتات كشفت أمره
كانت أنباء اعتقال مسؤول في جهاز استخبارات الاتحاد السوفيتي، العقيد رودولف أبيل، وإدانته صادمة في أواخر الخمسينيات.
عاش أبيل في مدينة بروكلين الأمريكية لسنوات، حيث كان يعمل من داخل استوديو تصوير صغير. واعتقد جيرانه أنه كان مهاجراً عادياً يحاول شق طريقه في أمريكا.
ووفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، لم يكن أبيل جاسوساً روسياً فحسب بل كان أيضاً مخرّباً محتملاً متأهباً لتسديد ضربة في حالة وقوع حرب.
وخلال محاكمة أبيل، قال عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي إنه عُثِرَ في شقته على جهاز لاسلكي قصير المدى الذي كان باستطاعته من خلاله التواصل مع موسكو.
وأصبح اعتقال أبيل إحدى قصص التجسس الكلاسيكية خلال فترة الحرب الباردة؛ إذ أخطأ في دفع ثمن صحيفة باستخدام نيكل (5 سنتات) كان قد فرَّغه ليخفي بداخله فيلماً مصغراً.
لكن بائع الصحف، وهو فتى يبلغ من العمر 14 عاماً، سلَّم قطعة النقود للشرطة؛ مما أدى إلى وضع أبيل تحت المراقبة.
وتصدرت أنباء إدانة أبيل في أكتوبر/تشرين الأول 1957 الصفحات الرئيسية في الصحف.
وكان يمكن أن تصدر بحقه عقوبة الإعدام، لكن بعض المسؤولين الاستخباراتيين أيدوا إبقاءه في الحبس للمقايضة في حال اعتقلت موسكو جاسوساً أمريكياً.
وفي نهاية المطاف، حدث تبادل أسرى بين الحكومتين؛ وسُلِّمَ أبيل مقابل الطيار الأمريكي فرانسيس غاري باورز قائد طائرة الاستطلاع U2، في فبراير/شباط 1962.
آلدريتش أميس.. مسؤول في الـCIA طمع في الثراء
شكَّل اعتقال آلدريتش أميس، المسؤول المخضرم في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لمدة 30 عاماً، بتهمة التجسس لصالح الروس، صدمة لجهاز الاستخبارات الأمريكي في 1994.
إذ أعطى أميس للسوفييت أسماء رجال مخابرات يعملون لصالح أمريكا؛ لينتهي بهم الحال نتيجة لذلك للتعرض للتعذيب أو الإعدام.
وعلى عكس العملاء المزدوجين سيئي السمعة السابقين، فعل أميس ذلك بدافع المال، وليس نابعاً من أيديولوجية ما.
إذ دفع له الروس ما يزيد على 4 ملايين دولار على مدى عقد من الزمن.
وعلى مدى سنوات، شكَّل المال الروسي مصدر إغراء لأمريكيين آخرين، منهم على سبيل المثال: عائلة والكر التي باعت أسراراً عن البحرية الأمريكية، وكريستوفر بويس مقاول عسكري، الذي باع بدوره أسراراً أمريكية.
ومع ذلك، كانت قضية أميس تحديداً صادمة أكثر من غيرها؛ لأنه كان يعمل في وكالة الاستخبارات المركزية، سواء في المقر في لانغلي بولاية فرجينيا، وكذلك في تكليفات خارج البلاد.
يُذكر أنه في عام 2001، أزيح الستار عن قضية شبيهة بتلك الأخيرة، مع اعتقال روبرت هانسن، الذي كان يعمل لعقود عميلاً في مكتب التحقيقات الفيدرالي.
كان هانسن متخصصاً في مكافحة التجسس، لكن بدلاً من الإيقاع بالجواسيس الروس تلقّى أموالاً سراً للعمل لصالحهم.