عمل جون خايرو فيلاسكيز لسنوات كقاتلٍ محترفٍ في كارتل ميديلين تحت إمرة بابلو إسكوبار، الذي قُتل قبل 25 عاماً في مثل هذا الشهر. ويُلقَّب فيلاسكيز بـ "باباي"؛ لأنه كان ضابطاً في البحرية الكولومبية، ويقول إنه قتل بنفسه مئات الأشخاص وأمر بقتل آلاف آخرين.
وأُطلق سراح باباي من السجن عام 2014 بعد قضاء حكم بالسجن لمدة 23 عاماً، وفي عام 2018 اعتُقل مرة أخرى كجزء من تحقيق جديد، رغم إصراره على براءته من التهم الجديدة. ولا يزال باباي جامحاً وعنيداً، إذ يعد بطلاً في أعين الجيل القادم من معظم القتلة المحترفين في كولومبيا وأميركا الوسطى والمكسيك.
وقد وافق باباي على التحدث من السجن لهذه السلسلة الحصرية التي ينشرها موقع The Daily Beast عن الفترة التي قضاها كقاتل محترف في إمبراطورية المخدرات التي امتلكها إسكوبار. ستُروى هذه النوادر بطريقته، مع بعض الإضافات الطفيفة للربط بينها، وهي تنقل وصفاً شخصياً وعميقاً عن طبيعة العمل في منصب الرجل الثاني تحت إمرة أحد أشهر أباطرة تجارة المخدرات على مر التاريخ.
تفجير الطائرة أفيانكا (الرحلة 203)
The Daily Beast: لطفاً، ما الذي يمكنك إخبارنا به عن ضلوعك في حادثة تفجير الرحلة 203؟
باباي: حسناً، فى نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1989، انفجرت الطائرة التابعة لخطوط أفيانكا الجوية في منتصف الرحلة، مما يسفر عن مصرع 107 أشخاص فى الجو (بينهم مواطنان أميركيان) وثلاثة آخرون على الأرض. وأتت تلك الحادثة في خضم حربنا مع الحكومة.
أمر بابلو إسكوبار بتفجير الطائرة بهدف قتل مرشح الرئاسة سيزار جافيريا تروجيلو. كنّا قد قتلنا الدكتور لويس كارلوس غالان في أغسطس/آب عام 1989. وكان الدكتور سيزار غافيريا خليفة الدكتور غالان، وكانا يشتهران بتخطيطهما لتسليم المجرمين الكولومبيين إلى الولايات المتحدة.
ملاحظة المحرر: كان تسليم المجرمين إلى الولايات المتحدة هو الشغل الشاغل لإسكوبار ورجاله، ولا يزال هذا الأمر مصدر خوف كبيراً لزعماء الكارتيل اليوم. وذلك لأن أباطرة المخدرات الأقوياء قادرون على استغلال نفوذهم للتساهل معهم أو حتى لتهريبهم من السجن في إطار أنظمة العقوبات في بلدانهم، لكنهم سيكونون عاجزين نسبياً عن ذلك حالما تطأ أقدامهم الأراضي الأميركية.
"كانت تلك القنبلة تحفة فنية"
باباي: كان كارلوس أوركويخو الشخص المسؤول عن تفجير الطائرة، والملقب بـ "القرط". وقد عمل مع كارلوس كاستانيو غيل، الذي سيصبح فيما بعد عدونا اللدود وقائداً لقوة شبه عسكرية قوية. وكان خبير المتفجرات في كارتيل ميدلين، كوكو زابالا هو من أعدّ القنبلة.
… وضع كوكو القنبلة في الحقيبة وناولها لـ "القرط" الذي مررها بدوره إلى كارلوس كاستانيو غيل. كانت الحقيبة تحفة فنية. وخدع كاستانيو شاباً بإخباره أنه يجب عليه فتح حقيبته في الجو عندما تقلع الطائرة وتبدأ في الارتفاع. وأخبره أن الحقيبة تحوي جهاز تسجيل، وأنه عند فتحها سيبدأ الجهاز في تسجيل محادثات بعض الركاب، وأن هناك بعض الأميركيين على متن الطائرة والمافيا بحاجة إلى معرفة بعض المعلومات عن قضية تسليم كانوا ينفذونها.
حسناً، كان ضحية الخدعة قد حمل بالفعل الحقيبة الصغيرة التي تحوي جهاز التسجيل المعقد الزائف في يديه ورأى كيف يعمل. كان كاستانيو قد شرح له بالفعل عدة أمثلة عن طريقة عمله، لخداعه بسهولة أكبر. وعندما فُتحت الحقيبة في الهواء، بدأت القنبلة في العمل. كان كوكو، وهو مهندس إلكترونيات، قد تعلم تلك الخدعة من مصمم متفجرات في منظمة إيتا (وهي منظمة للانفصاليين الباسك).
كانت القنبلة المستقرة داخل الحقيبة معقدة للغاية ولم يتمكن سوى شخص محترف مثل كوكو من تجميعها.
ملاحظة المحرر: اعتاد إسكوبار جلب بعض الأجانب من الإرهابيين والخبراء العسكريين لتعليم رجاله من القتلة المحترفين التكتيكات المختلفة. وبالإضافة إلى عمله مع منظمة إيتا، استأجر إسكوبار أيضاً مرتزقة من بريطانيا العظمى وإسرائيل لأغراض التدريب.
"حان أجل 110 أشخاص"
باباي: نقل بابلو إسكوبار القنبلة إلى بوغوتا بحذر شديد عندما بلغته المعلومات بأن المرشح الرئاسي سيزار جافيريا تروجيلو سيسافر على متن طائرة تجارية. لقد حان الوقت لتشغيل القنبلة وتغيير مسار حياة 110 أشخاص.
كان من المقرر أن يسافر جافيريا في رحلة جوية من بوغوتا إلى كالي. وفي الوقت نفسه، كانت دائرة الأمن الإدارية الكولومبية (DAS) -وهي قوة للمهام الخاصة ترافق الشخصيات الكولومبية المهمة- مسؤولة عن حماية جميع مدارج الطائرات في البلاد. وكانوا يسيطرون على مطار إلدورادو في العاصمة الكولومبية، وكان يقودهم جنرال في الشرطة، الرجل الذي يمسك بزمام الأمور بالكامل ميغيل ألفريدو مازا ماركيز.
ولكن الرشوة التي منحها له بابلو إسكوبار جعلت كارلوس كاستانيو هو المسيطر الفعلي.
وكان كارلوس يعرف أنني اشتريت التذكرة للشاب المخدوع وحجزتُ له المقعد المناسب. كنا جميعاً ندرك أنه إذا انفجرت القنبلة في مكان خاطئ، فلن تُشعل خزانات وقود الطائرة، وسيصبح بإمكان الطيار أن ينقذ الطائرة. لذلك اتبعنا نظرية تأثير الدومينو مع وجود الوقود المخزن في أجنحة الطائرة، والديناميت في الحقيبة وضغط الطائرة – تركيبة فتاكة.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989، كان مصير 110 أشخاص محسوماً.
ملاحظة المحرر: بعد عقود من تفجير الطائرة 203، ألقت الولايات المتحدة والمدعون العامون الكولومبيون، باللائمة على رجل ربما كان بريئاً. وهو قاتل أقل شأناً يُدعى دانديني مونوز موسكيرا، الملقب بـ "لا كويكا" (الفتاة السمينة)، وصدرت بحقه عدة أحكام بالسجن مدى الحياة على خلفية التفجير، حتى جاءت شهادة باباي إلى المدعي العام الكولومبي وبرأت لاكويكا.
"الملاك الحارس" يتدخل
باباي: نقل أحد المتواطئين في دائرة الأمن الكولومبية (DAS)، والذي كان يقود دوريات في مطار إلدورادو، الحقيبة التي تحوي القنبلة إلى الطائرة. منذ أن تولت دائرة الأمن الإداري إدارة المطار، كان من السهل عليه تمرير القنبلة إلى الشاب الذي خدعناه بعد أن استقر في مقعده.
ومع ذلك، وبفضل حدس رئيس حرس جافيريا، لم يستقل المرشح الرئاسي الطائرة أبداً. إذ تدور سيارة الدكتور سيزار جافيريا عائدة وهي على بعد كيلومترين تقريباً من المطار. ثم تقلع الطائرة، وبعد بضع دقائق تنفجر، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها وطاقمها البالغ عددهم 107. ويهوي الحطام على ثلاثة أشخاص آخرين ويقتلهم أيضاً. دُمرت الطائرة بالكامل، لكن المرشح ظل على قيد الحياة. ربما أنقذه ملاكه الحارس تلك الليلة.ملاحظة المحرر: أثبت تدمير الطائرة 203 أنه كان تغييراً جذرياً حتى بالنسبة لإسكوبار الذي كان يُنظر إليه في السابق على أنه لا يمكن المساس به، بل كان يعتبر ما يشبه بطلاً قومياً في كولومبيا، ولكن الطابع الإرهابي للتفجير أثار ردة فعل غير متوقعة. إذ ستُسخِّر إدارة جورج بوش الأب بعد ذلك الحادث بقليل إمكانات وكالة المخابرات الأميركية في كولومبيا، مما سيؤدي إلى مطاردة ضخمة لإمبراطور الكوكايين، التي ستؤدي في النهاية إلى سقوطه وموته المثير للجدل في عام 1993.