خا – زوق – رع.. “الجزء الأخير”

ماتاخدش على خاطرك كده.. بص.. مصر لا يحكمها فرعون يرث الملك من أبيه الفرعون.. إحنا أصبحنا دولة ديمقراطية ودا معناه إن الشعب بينتخب من يرأسه وبعدين يفرعنه.. يعني يعمله فرعون وقبل الفرعون ما يموت يكون اختار فرعون تاني ويخرج كهنة الإله "إع لام" يقنعوا الناس إنهم يختاروا الرئيس الجديد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/22 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/22 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش

جلس العسكري صميدة عبد المتولي -عسكري الحراسة في منطقة الهرم الأكبر- على صخرة متشبثا برشاشه، مشدود الأعصاب ينظر حوله بريبة وتوجس. ومع أن الجو كان صحوا بالنسبة لليل ينايري، إلا أن صميدة كان يرتجف من الخوف والبرد.
كانت ذكرى العفريت الفرعوني ما زالت تطارده، وضحكات زملائه العساكر وسخريتهم اللاذعة منه ما زالت تنغص عليه حياته..


– صميدة.. اركع أنت في حضرة الفرعون.

– هي ليلة سودة أنا عارف.

التفت صميدة ليجد شبح الفرعون خوفو ماثلا خلفه، مشدود القامة رافعا أنفه بكبرياء فرعونية.


– يا عم إنت عايز من أهلي إيه؟ وإشمعنى أنا؟

– أنا لا أريد شيئا من أهلك أيها الجندي.. ما يعنيني بهم أصلا؟ وما إشمعنى هذه لا أفهمها؟

– يعني أنا من تلت أربع أيام طلعت عليا وطلعت البلا الأزرق على جتتي.. واتسببت في إني أصبحت ملطشة العساكر، وقائد الكتيبة افتكرني الأول باحوَّر عليه، وبعدين اتأكد إني مجنون وإداني أجازة 3 أيام.. وأهوه.. مع أول نوبة حراسة ألاقيك طالع لي.. إشمعنى أنا؟ حل عن سمايا أبوس إيدك..

نظر الفرعون لصميدة نظرة إشفاق.


– أنا شخصيا لا أفهم يا صميدة.. و لا أدري أين كنت طوال هذة الأيام الثلاثة التي ذكرتَها.. ما أذكره هو أنني طلبت منك استدعاء الحاشية، وبمجرد أن ذهبت لا أذكر شيئا آخر سوى أنني رأيتك الآن جالسا مكانك.

– بص يا فرعون الفراعين.. مش إنت بتقول إنك إله وكدهون.. روح اسأل الآلهة أصحابك.. أنا حيالله مواطن غلبان.

نظر الفرعون لصميدة نظرة جدية واقترب منه هامسا:


– سأقول لك سرا مقدسا يا صميدة، لكن عدني أن تحافظ عليه.

صميدة بنفاذ صبر:


– قول.

– أنا لست إلها.. ولا أبويا إله ولا حاجة.. لكن جرى العرف إن أي فرعون يجلس على العرش لا بد وأن يقول للرعية ذلك. وعلى كهنة الآلهة إقناع الرعية بذلك.

– هههههههههههههههههههه عارف.

انتفض الفرعون غاضبا:


– أتضحك من كلامي أيها الفلاح؟! أتسخر من فرعون البلاد؟ سأنزل بك أشد العقاب.

– هدي أعضاءك بس كده جلالتك واهدا.. أصلك قلت إنه سر.. مع إنه حاجة معروفة جدا لكل المصريين.. أنا ضحكت بس إننا لمدة سبعة آلاف سنة ودي الحاجة الوحيدة اللي بقيالنا من عصر الفراعنة.

– بماذا تهذي يا هذا؟ كيف تعرف الرعية هذا السر المقدس؟ وأي سبعة آلاف تتحدث عنها؟

– إحنا أي كائن يقعد على كرسي مصر يبقى إله على طول.

– وماذا يُضحك في هذا؟

– المضحك أنني أعرف السبب أيضا.

فغر الفرعون فاه وسأل:

– تعرف؟

رد صميدة ببساطة واستهتار وحسرة:


– لأن الإله لا يمكن عزله ولا يمكن حسابه ودايما صح ولا يمكن يخطئ.. الخطأ دايما عند العباد.. أما الإله فمعصوم.. ينفع تعمل ثورة على إله وتزيحه عن كرسي الحكم؟!

فغر الفرعون فاه متعجبا:

– صميدة ..أنت عبد حكيم.

– لأ أنا عبد المتولي.. تن ترررراا تن تن.

– وتغني أيضا؟! هل أنت كاهن لأحد الآلهة يا صميدة؟

– حاشا لله يا مولانا.. أنا مؤمن وموحد ربنا.

– أي الآلهة تعبدون يا صميدة؟

يتمتم صميدة في سره:


– عبيط دا وللا إيه؟ والله فرصة أشتغله شوية ونتسلى.

– ماذا تقول يا صميدة؟ لا أسمعك.

– بقول إحنا بنعبد آلهة كتير.. عندك المنطقة اللي إحنا فيها دلوقتي، دي منطقة نفوذ الإله "قرني" إله المسخرة والفرفشة، ودا معابده منتشرة بامتداد شارع الهرم، وعندك الإله غوغل، دا إله الداتا عند المثقفين.. وعندك إله شعبي جدا ومشهور زي آمون بتاعكم كده وله كهنة كتييييييير.. ودا مسئول بقى عن شرعية الفرعون وشعبيته.

– من هو هذا الإله يا صميدة؟ لعله رع؟

– رع مين؟ رع ده ييجي إيه جنب الإله العظيم دا.. دا الإله "إع لام".. إله التنويم المغناطيسي عند العوام.. قدرته جبارة في التأثير على الناس وتثبيت أركان حكم الفراعين.. وفيه الإله "رو تين" وزوجته الإلهة "شخلل جيب آك" وشعاره شجرة الشاي بالياسمين ودول آلهة الجهاز البيروقراطي ومصالح العباد.. وفيه الإله "فرج" إله الأمن والأمان.

-"فرج"؟!

– آه "فرج".. ده عامل شغل عالي أوي من أيام فيلم… قصدي معبد "الكرنك".

– أتركتم دين آمون.

– سيبك من دين آمون دا وقل لي.. إيه سر بناء الهرم دا؟

– كيف تجرؤ على سؤالي هذا السؤال؟.. الهرم سر مقدس لا يجوز أن يعرفه العامة.

– ليه كده طااااه.. ما بلاش اللون معايا.. خليك حلو دا أنا بدأت أحبك وأتعود عليك.

– لون وحلو؟ أنت تتكلم لغة غريبة جدا.. أنا لا أفهمك.. دعك من هذا.. أراك شابا على وعي.. هل درست في مدرسة الحياة؟ هل أنت كاتب أو كاهن أو ضابط؟ قلت شيئا عن سبعة آلاف عام.

– بالراحة يا عمونا.. أنا درست في كلية الزراعة جامعة أسيوط وباقضي الجيش بتاعي هنا وأنت ميت من 7 آلاف سنة.
– أنا ميت؟ أجننت؟ أنا ميت؟!

– آه.. أنت شبح على بختي الأغبر.

الفرعون محدثا نفسه:


– لعله على حق.. هذا يفسر لي أشياء كثيرة.. تغير المكان وهيئتي والتابوت والمقبرة واختفائي دون أن أعرف أين وظهوري دون أن أعرف من أين..

– إيييييه.. رحت فين يا جناب الخوفو.. لا مؤاخذة لو كان كلامي ضايقك.

الفرعون بتأثر:


– لا يا صميدة.. لقد وضحت لي أشياء كنت لا أستطيع تفسيرها.. لكن قل لي، كيف مصر؟ ومن الفرعون الآن؟

– لاااا.. خلاص حضرتك مفيش فراعين.. فيه جمهورية وديمقراطية وبرلمان.

– صميدة يا صديقي.. منذ أن تقابلنا وأنا أكلمك باللغة العربية بدلا من الهيروغليفية لتفهمني.. هاتزاولني وتكلمني بلغة غريبة وشرف أمي أقلب ديموطيقي وأعقدك.

– أزاولك؟ يا واد يا فرعون يا صايع هههههههه.. فرعون من المرج؟

– يجب أن تعلم أني شبح وأستطيع أن أتحدث أي لغة وأي لهجة لولا وقار الملك.. سألتك عن اسم الفرعون تقوله فورا دون اللجوء لمثل هذة التعاويذ.. ديمقرطية وبرلمانية وبلا بلا بلا…

– ماتاخدش على خاطرك كده.. بص.. مصر لا يحكمها فرعون يرث الملك من أبيه الفرعون.. إحنا أصبحنا دولة ديمقراطية ودا معناه إن الشعب بينتخب من يرأسه وبعدين يفرعنه.. يعني يعمله فرعون وقبل الفرعون ما يموت يكون اختار فرعون تاني ويخرج كهنة الإله "إع لام" يقنعوا الناس إنهم يختاروا الرئيس الجديد ويقنعوهم إنهم هما اللي اختاروه وأول ما يجلس على كرسي الحكم الشعب يفرعنه وهكذا.. هو ده نظام الحكم عندنا ودي الديمقراطية.

– ماذا عن النيل والقمح والعمارة والفنون والآداب يا صميدة؟

– النيل زي الفل.. موجود.. بس شكله كده مش مكمل معانا.. القمح موجود طبعا إيشي أميركي وأوكراني وحتى كازاخستاني وحياتك.. خير ربنا كتير.

– أصناف قمح هذه؟

– لا.. دي الدول اللي بنشتري منها القمح.

فغر الفرعون فاه وانحنت قامته وبدا كما لو أنه شاخ فجأة.


– تشترون القمح؟ القمح هو عماد حضارتنا يا صميدة.. كنا نزرع قمحنا ونعصر زيتنا ونسود العالم.

– كنا بقى حضرتك.. لا فيه قمح ولا زيت.. كله بنشتريه دلوقتي.

– وماذا تقصد بأن النيل مش مكمل؟ ماذا عن النيل؟

– حضرتك النيل تقريبا اتقمص مش فاهم ليه.. وقرر ميكملش معانا.. أصله حنبلي شوية.. إيه يعني لما المصانع ترمي فيه شوية مخلفات ولَّا يقع فيه مركب فوسفات ولَّا المصارف تصب فيه؟

ظهرت التجاعيد على وجه الفرعون وومض جسده بألوان غريبة واحمرت عيناه.

– نفايات فين يا أولاد الـ …………………..

و ظل الفرعون يبرطم بلغة غريبة يبدو أنها الهيروغليفية وفهم صميدة من طريقة صراخه وحركات يديه أنه يشتم شتيمة أبيحة بالأب والأم.. ثم ما لبث صميدة أن استبان جملة:


– إلا النيل.. قل لهم يا صميدة إلا النيل.

كان الفرعون قد ازداد كثيرا في السن وسقطت أسنانه وكانت الكلمات تخرج من فمه مشوهة:


– إلا النيل يا صميدة.. إن شعبا يلوث ماء النيل هو شعب بالتأكيد وصل للدرك الأسفل من الحضارة والقيم لقد فهمت الآن لماذا المباني تبدو لي من هنا قبيحة بلا لون سوى أضواء شيطانية خالية من الخضرة والحياة.. فهمت الآن.. شعب يعيش في هذه الغابة العشوائية الأسمنتية يجب أن يلوث ماء النيل.

تراجع الفرعون يجر أقدامه جرا، وتوجه إلى الهرم الكبير وبدأ يتسلقه بصعوبة شديدة، وقد انحنت هامته وازداد شحوب لونه وبدأ في التلاشي

وصل الفرعون لباب دخول الهرم والتفت إلى صميدة القابع مكانه متكئا على رشاشه شاخصا إليه.


– لقد سألتني عن سر بناء الهرم يا صميدة.

– آه.. وأنت عملتلي فيها الفرعون الغامض ومرضيتش تقول.

– حسن.. كيف ترى الهرم يا صميدة؟

– كيف أراه يعني إيه؟ هرم.. منشوري الشكل.. جوانب مثلثة.. مش فاهمك الصراحة.

– إنه ليس هرما يا صميدة.. إنه خازوق تاريخي جبار.. عشرون عاما من العمل الشاق لآلاف العمال يبنون بأنفسهم دليل خنوعهم وخضوعهم لرغبات الفرعون الإله.. وأي ذل وخضوع وخنوع من أن تجعل رعيتك تبني خازوقا يظل عجيبة معمارية على مر الزمان.. إن خوازيق الفراعين الرفيعة الطويلة التى يسمونها مسلات لم ترض غروري.. ما أعظم أن ترى العامة تبني خازوقا عظيما على أسس هندسية و معمارية خارقة وشديدة الدقة.

– هو دا شغل المعلمين الكبار.. إلعبي يا ألعاب.

– إن اسمي "خو فو" لم يأت من فراغ.. وأي شيء يمكن أن يجبر العامة على بناء خازوق بهذا الحجم إلا الخو فو.

دخل الفرعون من باب الهرم واختفى شبحه داخله.. صمت صميدة قليلا ثم انفجر ضاحكا وبدأ يرقص ويغني:


– "أربع فرخات و دجاجة.. وماحدش فاهم حاجة.. أربع فرخات ودجاجة.. وماحدش فاهم حاجة.

(تمت)

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد