رغم الظروف الصعبة التي يفرضها الواقع المرير الناتج عن حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يظل الفلسطينيون مصممين على الصمود وعدم الاستسلام.
فمنذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، عمد الاحتلال إلى قصف المنشآت التجارية والاقتصادية، بما في ذلك المطاعم والفنادق والشركات والمولات التجارية الكبرى، بهدف تدمير المهن والقطاعات الاقتصادية وزيادة معدلات الفقر والبطالة بين المواطنين.
وفي مواجهة هذه التحديات القاسية، لم يقتصر أهل القطاع على سبل محددة للعيش، بل واصلوا البحث عن طرق جديدة للتكيف مع الأوضاع الصعبة، حيثُ اضطُر العديد منهم إلى اعتماد أنماط جديدة من المهن ومجالات العمل لضمان إعالة أسرهم ومواجهة الظروف القاسية.
نقاط الشحن من المهن الجديدة التي فرضها الاحتلال على غزة
في ظل الظروف الصعبة التي يفرضها قطع إسرائيل للكهرباء والمياه والغذاء والدواء، أصبحت خدمة شحن الهواتف إحدى أصعب الاحتياجات في شوارع قطاع غزة، حيثُ انتشرت نقاط الشحن التي توفر للفلسطينيين إمكانية شحن هواتفهم وبطارياتهم مقابل أجر مادي زهيد.
ظهرت هذه المهنة غير المألوفة في القطاع نتيجة لانقطاع الكهرباء بالكامل منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما قطعت قوات الاحتلال خطوط الكهرباء في اليوم الأول للحرب. وفي الوقت نفسه، فرضت حصاراً مشدداً أدى إلى توقف إمدادات الوقود لمحطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، ما تسبب في توقفها عن العمل بعد أيام قليلة من بدء الحرب."
مراكز الإنترنت
مساء يوم الجمعة الموافق 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت شركتا "جوال" و"أوريدو" المزودتان لخدمات الاتصال المحمول في غزة انقطاع خدماتهما بالكامل عن القطاع.
ثم جاء بيان لمجموعة الاتصالات الفلسطينية، يعلن انقطاع كافة الاتصالات الهاتفية الأرضية وخدمات الإنترنت عن القطاع.
وأوضحت الشركات في بيانات منفصلة، أن القصف الإسرائيلي غير المسبوق على القطاع تسبب في "تدمير المسارات الدولية التي تربط غزة بالعالم".
هذا الهجوم حرَم أكثر من مليوني غزي من الاتصال والتواصل في وقت كانوا بأمس الحاجة فيه للتواصل مع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي.
ونتيجةً لانقطاع الإنترنت والكهرباء بفعل الاستهداف الإسرائيلي المتعمد، ظهرت في مناطق قطاع غزة مراكز تقدم خدمات الإنترنت، حيث يتطلب توصيل الجهاز بالإنترنت البحث عن هذه النقاط، والجلوس تحت أشعة الشمس الحارقة حتى إتمام مهمة العمل.
وأنشأ العديد من الفلسطينيين خيماً استطاعوا إمدادها بتيار كهربائي وخط إنترنت بجودة عالية بهدف توفير الإنترنت للطلاب وأصحاب الأعمال وغيرهم.
أفران الطين التقليدية
تحولت أفران الطينة التقليدية إلى رمز للصمود والتكاتف الفلسطيني في مواجهة الظروف الصعبة التي نتجت عن العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 300 يوم. فمع تفاقم الأوضاع بسبب نقص غاز الطهي وانقطاع الكهرباء وتوقف المخابز عن العمل، لجأ الفلسطينيون إلى استخدام هذه الأفران كوسيلة للتصدي للتحديات. وأصبح بعض الأفراد يستخدمون الأفران كمصدر رزق، حيث يقومون بخبز الخبز للجيران والنازحين مقابل مبالغ رمزية.
وفقًا لمكتب الإعلام الحكومي في غزة، توقفت أكثر من 98% من المخابز التي تعتمد على الغاز لتشغيل أفرانها، بسبب نقص الغاز. كما دُمرت العديد من المخابز المركزية منذ بداية الحرب، حيث كان عدد المخابز في القطاع يبلغ 2120، بما في ذلك المخابز الآلية واليدوية، والتي كانت تستهلك نحو 14000 طن من القمح شهريًا، وفقًا لمركز الإحصاء الفلسطيني.
كما قال برنامج الأغذية العالمي في ال 30 من مايو/أيار 2024 إن التوغل الإسرائيلي في رفح له تأثير مدمر على المدنيين والعمليات الإنسانية، ودعا إلى فتح جميع نقاط العبور إلى غزة، مع تصاعد الجوع خاصة في وسط وجنوب القطاع.
تصليح الأحذية والملابس
قبل اندلاع الحرب، كانت صناعة النسيج في غزة مزدهرة بشكل ملحوظ، حيث بلغت ذروتها في أوائل التسعينيات بوجود حوالي 900 مصنع. كان هذا القطاع يوفر وظائف لحوالي 35 ألف شخص ويقوم بإنتاج نحو 4 ملايين قطعة ملابس تُصدَّر إلى إسرائيل شهريًا. ولكن منذ عام 2007، ومع فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع، بدأت الأرقام في التراجع.
مع تصاعد الحصار، انخفض عدد ورش العمل في قطاع النسيج في غزة إلى نحو 100 ورشة، يعمل فيها حوالي 4 آلاف شخص، وتُصدّر شهريًا ما بين 30-40 ألف قطعة ملابس إلى إسرائيل والضفة الغربية.
بحلول يناير/كانون الثاني 2024، وبعد مرور 3 أشهر على اندلاع الحرب، قدر البنك الدولي أن 79% من منشآت القطاع الخاص في غزة قد دُمرت جزئيًا أو كليًا. كما تسبب انقطاع الكهرباء في توقف المصانع التي كانت لا تزال قائمة، ما جعل العثور على ملابس جديدة أمرًا صعبًا للغاية. خلال هذه الفترة الممتدة حتى الآن لخمس شهور، أصبح الناس يضطرون لغسل الملابس وإعادة ارتدائها.
علاوة على ذلك، لم يكن من الممكن شراء أحذية جديدة، لذا كان البعض يتشارك الحذاء نفسه مع الآخرين. في ظل عدم توفر أحذية جديدة، تلقى مهن تصليح الأحذية والملابس إقبالًا كبيرًا، حيث تم منع إدخالها من قبل جيش الاحتلال منذ قرابة العام.
صنع الشيبس وبيعه
أنشأ العديد من الشباب الفلسطينيين النازحين مشاريعاً صغيرةً لطهي رقائق البطاطس المقرمشة، حيث يوفرون الشيبس للأطفال النازحين بسعر أقل بكثير من الشيبس المستورد، الذي أصبح نادرًا بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، تساعد هذه المشاريع الشباب النازحين على إعالة أسرهم
كما تساهم هذه المشاريع في إدخال البهجة والفرح إلى قلوب الأطفال النازحين، الذين أصبحت البطاطس المستوردة خارج متناولهم بسبب ارتفاع أسعارها.