اندلعت احتجاجات ومظاهرات في العاصمة دكا ومدن أخرى بأنحاء بنغلاديش بدأتها منظمة "الحركة الطلابية ضد التمييز" مُنذ الخامس من يونيو/حزيران الماضي 2024.
جاءت هذه الاحتجاجات في أعقاب قرار المحكمة العليا ببنغلاديش إحياء العمل بنظام الحصص الذي يشمل تخصيص 30% لأفراد عائلات المقاتلين الذين شاركوا في حرب الانفصال عن باكستان عام 1971 وهو ما يعيق قدرة عدد كبير من خريجي الجامعات على الحصول على وظيفة.
وتصاعدت الاشتباكات مع قوات الأمن التي ردت بعنف على المتظاهرين٬ مما خلّف مئات القتلى والجرحى الأحد 4 أغسطس/آب 2024، عندما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق عشرات الآلاف من المحتجين الطلبة، المطالبين باستقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، كما أمرت الحكومة بقطع خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وتم حظر تطبيقي فيسبوك وواتساب.
فما هي جمهورية بنغلاديش الشعبية؟ وما هي أسباب حرب الاستقلال البنغالية في عام 1971؟ وكيف أُعلن استقلالها وتطوّر نظام الحكم فيها؟
ما هي جمهورية بنغلاديش الشعبية؟
تقع جمهورية بنغلاديش الشعبية جنوب شرق شبه الجزيرة الهندية، وبعد تقسيم الهند عام 1947 أصبحت أرض البنغال جزءا من جمهورية باكستان، ومنذ تقسيم الهند عام 1947 عانت بنغلاديش من الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية والاحتجاجات التي كان آخرها موجة واسعة من المظاهرات في يوليو/تموز 2024، شارك فيها الملايين من الشباب وطلاب الجامعات، حتى أطيح برئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد وفرّت، بينما تولّى الجيش إدارة أمور البلاد في انتظار تشكيل حكومة جديدة.
بنجلاديش.. أرض البنغال
تأتي تسمية "بنغلاديش" من مصطلحين هما:
- بنجال (Bengal): وهو الاسم التاريخي والإقليمي للمنطقة التي يشملها اليوم بنغلاديش وولاية البنغال الغربية في الهند والتي كانت جزءاً من الإمبراطورية البنغالية التاريخية.
- ديش (Desh): وتعني "الأرض" أو "البلد" في اللغة البنغالية.
إذن، "بنغلاديش" تعني "أرض البنغال" أو "بلد البنغال". وقد تم اعتماد هذا الاسم بعد استقلال بنغلاديش عن باكستان في عام 1971، ليعكس الهوية الثقافية والتاريخية لشعب البنغال.
الاقتصاد في بنغلاديش
بحسب موسوعة NEW WORLD ENCYCLOPEDIA تظل بنجلاديش دولة ذات اقتصاد ضعيف نسبياً، مع تحديات تتعلق بالفقر والإدارة وسوء المناخ والجغرافيا. رغم التحسينات المستمرة، يعاني الاقتصاد من تأثيرات سلبية تشمل الفساد والكوارث الطبيعية.
- القطاع الزراعي والموارد الطبيعية
تعمل نحو ثلثي القوة العاملة ببنغلاديش في الزراعة، مع التركيز على الأرز والجوت، حيثُ تنتج تنتج نحو 80% من الجوت العالمي وهو النبات أو الألياف المستخدم في صناعة قماش الخيش أو القنب، بالإضافة إلى الشاي عالي الجودة في الشمال الشرقي.
كما تساهم صناعة الملابس بشكل كبير في الاقتصاد، حيث تمثل حوالي 80% من عائدات التصدير. توفر هذه الصناعة نحو 20 مليون وظيفة، ويعمل فيها بشكل رئيسي النساء، وهي تشمل شبكة الصناعة الغزل والتجهيزات والملابس الجاهزة.
وتواجه بنجلاديش تحديات كبيرة تشمل الفيضانات والأعاصير، وشركات الدولة غير الكفؤة، وسوء إدارة الموانئ، حيثُ تعاني البلاد من قلة كفاءة استخدام الطاقة وموارد غير كافية، مما يعيق التقدم الاقتصادي. كما تسبب الفيضانات الكبيرة أضراراً جسيمة، حيث تغمر المياه نحو 60% من البلاد وتدمر المحاصيل والمخزونات السمكية، ما يعمق مشكلة الفقر، ويؤدي ذلك إلى حلقة مفرغة من الديون والعوز التي تؤثر سلباً على الزراعة.
تاريخ بنغلاديش
رغم استقلالها الحديث عام 1971، فإن تاريخ أرض وشعب بنغلاديش يمتد لقرون طويلة. وفقاً لموسوعة britannica فقد كانت دكا، العاصمة الحالية، مركزاً هاماً على مر العصور، حيث كانت عاصمة مقاطعة البنغال خلال سلالة المغول (1608-1639 و1660-1704)، ومقاطعة البنغال الشرقية (1947)، وباكستان الشرقية (1956).
ويتشابك تاريخ بنغلاديش مع تاريخ الهند وباكستان ودول أخرى في المنطقة، ولطالما شكلت هذه المنطقة حدوداً طبيعية يصعب الوصول إليها خارج سهل شمال الهند، ما جعلها موطناً لثقافة إقليمية مميزة.
في العصور المبكرة، ازدهرت عدة إمارات مستقلة في المنطقة تُعرف باسم البنغال، مثل جانجاريداي وفانغا وجودا وبوندرا وساماتاتا. في القرن الرابع عشر، لعب شمس الدين إلياس شاه دوراً مهماً في توحيد هذه الإمارات، ليضيف المغول لاحقاً أراضٍ جديدة تشمل بيهار وأوريسا (التي تُعرف الآن بأوديشا) لتشكيل سوبا بانغالا، والتي أطلق عليها البريطانيون لاحقاً اسم رئاسة البنغال.
بعد انتهاء الحكم الاستعماري البريطاني في عام 1947، تم تقسيم مقاطعة البنغال إلى البنغال الشرقية والبنغال الغربية. ثم تم تغيير اسم البنغال الشرقية إلى باكستان الشرقية في عام 1955، وفي عام 1971، أصبحت بنغلاديش دولة مستقلة.
تطور الدين في بنجلاديش عبر العصور
بنغلاديش قبل الإسلام
منذ القرن الثالث قبل الميلاد، ازدهرت البوذية في بنجلاديش عن طريق توسع أباطرة موريا. خلال عهد ملوك جوبتا، من أوائل القرن الرابع إلى أواخر القرن السادس الميلادي، استعادت الهندوسية هيمنتها، لكن البوذية استمرت في الوجود.
في عهد أسرة بالا (القرنين الثامن والثاني عشر) وأسرة تشاندرا (القرنين العاشر والحادي عشر)، تعايش أصحاب الديانات معاً بسلام، وبحلول نهاية القرن الحادي عشر، استولت قبيلة سينا الهندوسية على جزء كبير من البنغال.
الفتح الإسلامي لبنغلاديش
في أوائل القرن التاسع، جلب التجار العرب الإسلام إلى بنجلاديش. وحوالي عام 1200، أطاح المسلمون بسلالة سينا.
بلغ الحكم الإسلامي ذروته في سلالة المغول (القرنين السادس عشر والثامن عشر)، حيث أصبح الإسلام الدين السائد في شرق البنغال ومعظم شمال شبه القارة الهندية.
وبحسب ما حدثتنا موسوعة britannica فقد عزز الحكم الإسلامي في ذلك العصر في بنغلاديش مجتمعاً متنوعاً ومختلطاً، حيث ركّز الحكام على دمج المجتمعات المحلية بدلاً من التبشير بالدين، كما تولى كبار المسؤولين والتجار والأدباء والموسيقيون من خلفيات دينية متنوعة مناصب هامة.
وبعد الفتح الإسلامي في بنجلاديش، نشأت مجموعة من الإمارات المستقلة في المنطقة. في القرن الرابع عشر الميلادي، نجح القائد العسكري شمس الدين إلياس شاه في توحيد هذه الإمارات تحت قيادته.
بدأ إلياس شاه بفرض سلطته على الإمارة في البنغال الغربية، ثم توسع نحو البنغال الوسطى والشرقية، مما عزز سيطرته على معظم منطقة البنغال. خلال فترة حكمه، أسس سلالة إلياس شاه التي ساهمت في استقرار المنطقة وتعزيزها.
بعد وفاة إلياس شاه، استمرت هذه السلالة في حكم البنغال حتى أوائل القرن السادس عشر، عندما خضعت المنطقة لحكم المغول. تحت حكم المغول، شهدت بنغلاديش فترة من الاستقرار والتطور الثقافي، حيث أصبحت جزءاً من إمبراطورية المغول الواسعة التي ضمت أجزاء كبيرة من شبه القارة الهندية.
إعلان استقلال بنغلاديش والاعتراف الدولي
في مارس/آذار 1947، تولى لويس مونتباتن منصب آخر نائب ملك للهند البريطانية، حيث كان مكلفاً بنقل السلطات.
مع تصاعد النقاش حول تقسيم الهند، دعا محمد علي جناح، زعيم الرابطة الإسلامية، إلى تشكيل بنغال موحدة. لكن المهاتما غاندي وحزب المؤتمر عارضوا الفكرة. وعندما انتهى الاستعمار البريطاني في أغسطس/ آب 1947، ولدت دولتان جديدتان، الهند وباكستان، مع تقسيم البنغال إلى البنغال الغربية التي انضمت إلى الهند، والبنغال الشرقية التي أصبحت الجناح الشرقي لباكستان كما تُظهر لنا خريطة وثّقها موقع national archive.
البنغال الشرقية كمقاطعة باكستانية (1947-1971)
على الرغم من أن تقسيم البنغال الشرقية استند إلى الدين، إلا أن الحدود لم تعكس الواقع بالكامل. فقد استُبعدت مناطق ذات أغلبية مسلمة مثل مورشد آباد ونادية، بينما شملت مناطق ذات أغلبية هندوسية مثل خولنا وأراضي تلال شيتاغونغ. أدى التقسيم إلى هجرة واسعة النطاق، حيث انتقل مئات الآلاف إلى المناطق التي اعتبروها آمنة.
في بداية عهد باكستان، كانت البلاد ديمقراطية برلمانية، لكن السلطة المركزية نجحت في إبطال هذا النظام. بعد فشل جناح في كسب دعم، أصبح خواجة نظيم الدين رئيساً للوزراء في شرق البنغال، بينما هيمنت حكومة مركزية تتخذ من جناح الغربي مقراً لها على السلطة، كما تسببت اللغة الأردية في تفاقم الاستياء بين البنغاليين بسبب عدم قبول البنغالية كلغة رسمية.
الصراعات السياسية والتحولات في الحكم
تحت قيادة محمد علي جناح، حافظت الحكومة المركزية على سلطتها القوية، ولكن بعد وفاة جناح في 1948، تولى نظيم الدين منصب الحاكم العام، بينما هيمن لياقت علي خان، رئيس الوزراء، على السلطة الفعلية حتى اغتياله في 1951. ثمّ خلفه خواجة نظيم الدين، ثم غلام محمد الذي أقال نظيم الدين والجمعية التأسيسية، ما عزز هيمنة القوى العسكرية والمدنية في الحكومة المركزية.
إثر ذلك، تصاعد الصراع الحدودي بين الهند وباكستان على إقليم كشمير، والذي تجلى في الحروب التي اندلعت في عامي 1949 و1965، ما أدى إلى زيادة المطالبات في بنغلاديش بالانفصال.
التدخل الهندي في حرب 1971
في حرب 1971، تدخلت الهند بشكل حاسم لدعم انفصال بنغلاديش عن باكستان، حيثُ نفذت عمليات هجومية مركزة ضد الجيش الباكستاني، مستهدفةً تدمير المطارات والموانئ وسكك الحديد، أدّت هذه الهجمات إلى استسلام نحو ألفي جندي وضابط باكستاني بعد انسحابهم من مواقعهم العسكرية بالقرب من دكا.
بعد انتهاء الحرب، أعلنت بنغلاديش استقلالها عن باكستان، ففي 12 يناير/كانون الثاني 1972 تولى الشيخ مجيب الرحمن منصب أول رئيس وزراء للبلاد. وعلى الرغم من إعلان الاستقلال، تأخر الاعتراف الدولي، حيث تم قبول بنغلاديش كعضو في منظمة الأمم المتحدة فقط في عام 1974.
تاريخ بنجلاديش من الاضطرابات والانقلابات
سلطت استقالة رئيسة وزراء بنجلاديش، الشيخة حسينة، بعد أسابيع من الاحتجاجات العنيفة، الضوء على تاريخ البلاد المضطرب، وقد جاء الإعلان عن استقالتها في خطاب متلفز ألقاه قائد الجيش، ما أعاد إلى الأذهان سلسلة من الاضطرابات والانقلابات التي شكلت تاريخ بنجلاديش، وهذه أبرزها وفق تقرير لرويترز :
1975: اغتيل أول رئيس وزراء للبلاد، الشيخ مجيب الرحمن، والد الشيخة حسينة، مع معظم أفراد عائلته، في انقلاب عسكري يوم 15 أغسطس/آب 1975. أدى هذا الحادث إلى فترة طويلة من الحكم العسكري، حيث انتهت ثورة أخرى في نفس العام باستيلاء الجنرال ضياء الرحمن على السلطة في نوفمبر.
1981: اغتيل ضياء عبد الرحمان في 30 مايو/أيار 1981 ليخلفه نائبه المدني عبد الستار، وقد تم اغتيال ضياء الرحمن على يد متمردين اقتحموا دار ضيافة حكومية في شيتاغونغ، ورغم أن العنف نُسب إلى مجموعة صغيرة من ضباط الجيش، إلا أن الجيش نفسه بقي مُخلصاً وقمع التمرد.
1982: 24 مارس/آذار 1982 أطيح بخليفة الرحمن، عبد الستار، في انقلاب عسكري غير دموي بقيادة حسين محمد إرشاد، الذي تولى منصب الرئيس بعد ذلك. وبعد 8 سنوات من الحكم تم إجبار حسين محمد غرشاد على التنحي في ديسمبر/كانون الأول 1990.
في انتخابات عام 1991، فاز الحزب الوطني البنغالي بقيادة خالدة ضياء، التي أصبحت أول رئيسة وزراء لجمهورية بنغلاديش. وفي انتخابات 1996، حقق حزب رابطة عوامي، بقيادة حسينة واجد، النصر، ولكن خالدة ضياء استعادت المنصب في عام 2001 واستمرت حتى عام 2006.
خلال الفترة بين عامي 2006 و2008، شهدت البلاد موجة من العنف وعدم الاستقرار السياسي، ما أدى إلى اعتقال كل من خالدة ضياء وحسينة واجد. تم تشكيل حكومة انتقالية وأجريت انتخابات في أواخر عام 2008، فاز بها حزب حسينة، وعادت إلى منصبها كرئيسة للوزراء.
في 11 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت حسينة فوزها مجدداً بمنصب رئيسة وزراء البلاد للمرة الخامسة. ومع ذلك، أدت المظاهرات العنيفة في يوليو/تموز 2024 إلى الإطاحة بها، ما دفعها للفرار إلى الهند، لتولى الجيش تسيير الأمور في البلاد بشكل مؤقت.