انتشرت مؤخرا على شبكات التواصل الاجتماعي صور تشير إلى وجه الشبه بين حرب الإبادة في غزة المستمرّة منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وماحصل لليابانيين عقب قصف الولايات المتحدة لهم بالقنبلة الذريّة عام 1945 ففي القرن العشرين أضحت هيروشيما رمزا للدمار الشامل والقتل الجماعي في وقت يعيش فيه قطاع غزة مشاهد قاسية تُذكر بمآسي المدينة اليابانية المنكوبة.
وبحسب تقارير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فقد أطلقت إسرائيل حوالي 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة. يُظهر هذا الرقم أن القوة التفجيرية لهذه المتفجرات تتجاوز قوة القنابل الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية على هيروشيما وناغازاكي.
فكيف تمكنت القوات الجوية الأمريكية من شنّ هذه الغارة الجويّة في مثل هذا اليوم من 6 أغسطس/آب 1945 على مدينتي هيروشيما وناجازاكي والتي أدّت إلى حدث مأساوي غير مسبوق في تاريخ البشرية؟
ما قبل هيروشيما.. مشروع مانهاتن وتصميم أول قنبلة نووية
بحسب ما ورد في موسوعة britannica فقد كانت نقطة التحول في البحث عن الطاقة الذرية في يناير/كانون الثاني 1939، قبل ثمانية أشهر من بدء الحرب العالمية الثانية.
تعاونت الولايات المتحدة مع المملكة المتحدة وكندا في إطار مشاريعهم السرية، لتصميم وبناء أول قنبلة نووية ضمن مشروع مانهاتن. أشرف الفيزيائي الأمريكي روبرت أوبنهايمر على البحث العلمي لهذا المشروع.
صُنعت قنبلة هيروشيما، المسماة بـ "ليتل بوي"، من اليورانيوم 235، وهو نظير نادر لليورانيوم. تم اختبار القنبلة الذرية لأول مرة في موقع ترينيتي، بالقرب من ألاموغوردو، نيو مكسيكو، في 16 يوليو/تموز 1945.
كما تم تطوير قنبلتين إضافيتين، هما "جادجيت" وقنبلة ناغازاكي "فات مان"، اللتان استخدمتا البلوتونيوم 239، وهو عنصر اصطناعي، وكانت هذه القنابل من الأنواع ذات الانشطار الداخلي.
وشمل المشروع 37 منشأة في جميع أنحاء البلاد، وأكثر من اثني عشر مختبراً جامعياً، و100000 شخص، بما في ذلك الفيزيائيون الحائزون على جائزة نوبل آرثر هولي كومبتون، وإنريكو فيرمي، وريتشارد فاينمان، وإرنست لورانس، وهارولد يوري بحسب ماجاء في الموسوعة.
وبدأت جهود العلماء في الولايات المتحدة تؤتي ثمارها، حيث تم إحراز تقدم كبير في فهم الانشطار النووي وتطوير الأسلحة النووية، ما قاد إلى اختبار أول قنبلة ذرية بنجاح في يوليو/تموز 1945 واستخدامها لاحقاً في الحرب العالمية الثانية.
لماذا قصفت الولايات المتحدة هيروشيما وناجازاكي؟
ساهم عدد من العوامل في قرار الولايات المتحدة بإلقاء القنابل الذرية على اليابان. وكان أحد الأسباب هو رفض تنفيذ إعلان مؤتمر بوتسدام الذي كان يطالب اليابان بالاستسلام دون شروط. على الرغم من أن رئيس الوزراء الياباني سوزوكي رفض هذا الطلب وتجاهل المهلة المحددة في الإعلان، فقد أصدر الرئيس هاري ترومان أمراً تنفيذياً بإطلاق السلاح الذري على هيروشيما في 6 أغسطس/آب 1945، تلاها قنبلة ناجازاكي في التاسع من نفس الشهر، وقد كانت هذه الهجمات هي الوحيدة التي تم استخدام الأسلحة الذرية في تاريخ الحروب.
رفضت اليابان الاستسلام بعد حملات قنابل حارقة متعددة مثل قصف طوكيو في 9-10مارس/آذار 1945 أودى قصف طوكيو وحده بحياة عشرات الآلاف من البشر وغالباً ما يُستشهد به باعتباره أحد أكثر أعمال الحرب تدميراً في التاريخ.
وهناك سبب آخر لإسقاط الولايات المتحدة للقنابل الذرية وعلى وجه التحديد القنبلة الثانية على ناجازاكي يتعلق بالاتحاد السوفييتي. ففي الثامن من أغسطس/آب 1945، بعد يومين من قصف هيروشيما، أعلن الاتحاد السوفييتي الحرب على اليابان، كما اتفق جوزيف ستالين خلال مؤتمري طهران ويالطا في عامي 1943 و1945 على التوالي. ومن المحتمل أن يكون الرئيس الأميركي هاري ترومان قد أمر بإسقاط القنبلة الذرية على ناجازاكي ليس فقط لإجبار اليابان على الاستسلام، بل وأيضاً لإبعاد السوفييت عن اليابان من خلال استعراض القوة العسكرية الأميركية. وقد تراكمت حالة من عدم الثقة والشعور بالتنافس بين القوتين العظميين، وهو ما بلغ ذروته في نهاية المطاف في الحرب الباردة.
ووفقاً لموقع history تم اختيار هيروشيما، وهي مركز صناعي يضم نحو 350 ألف نسمة ويقع على بعد نحو 500 ميل من طوكيو، كأول هدف.
وبعد وصولها إلى القاعدة الأميركية في جزيرة تينيان في المحيط الهادئ، تم تحميل القنبلة التي يزيد وزنها عن 9000 رطل من اليورانيوم 235 على متن قاذفة معدلة من طراز بي-29 أطلق عليها اسم إينولا جاي (على اسم والدة طيارها العقيد بول تيبيتس). وأسقطت الطائرة القنبلة ــ المعروفة باسم "الصبي الصغير" ــ بالمظلة في الساعة 8:15 صباحاً، وانفجرت على ارتفاع 2000 قدم فوق هيروشيما في انفجار يعادل 12 إلى 15 ألف طن من مادة تي إن تي، فدمرت خمسة أميال مربعة من المدينة.
ولكن الدمار الذي لحق بهيروشيما لم يفلح في دفع اليابان إلى الاستسلام الفوري، وفي التاسع من أغسطس/آب 1945 طار الرائد تشارلز سويني بقاذفة أخرى من طراز بي-29، وهي بوكسكار، من تينيان.
وكانت القنبلة أقوى من تلك المستخدمة في هيروشيما، إذ بلغ وزنها نحو 10 آلاف رطل، وصُممت لإنتاج انفجار بقوة 22 كيلوطن. وبحسب ما ذكره المصدر السابق فقد قللت تضاريس ناغازاكي، التي كانت تقع في وديان ضيقة بين الجبال، من تأثير القنبلة، وقصرت الدمار على 2.6 ميل مربع.
في أعقاب القصف..
أعلن الإمبراطور هيروهيتو يوم 15 أغسطس/آب 1945 استسلام بلاده في بث إذاعي. وانتشر الخبر بسرعة، وانطلقت احتفالات "النصر في اليابان" في جميع أنحاء الولايات المتحدة ودول الحلفاء الأخرى. وتم التوقيع على اتفاقية الاستسلام الرسمية في 2 سبتمبر/أيلول 1945 ، على متن البارجة الحربية الأمريكية ميسوري، الراسية في خليج طوكيو.
نظراً لمدى الدمار والفوضى – بما في ذلك حقيقة أن جزءاً كبيراً من البنية الأساسية للمدينتين قد تم القضاء عليه – فإن عدد القتلى الدقيق الناجم عن قصف هيروشيما وناجازاكي لا يزال غير معروف. ومع ذلك، يُقدر أن ما يقرب من 70.000 إلى 135.000 شخص لقوا حتفهم في هيروشيما و60.000 إلى 80.000 شخص لقوا حتفهم في ناجازاكي، سواء بسبب التعرض الحاد للانفجارات أو بسبب الآثار الجانبية طويلة الأمد للإشعاع.