قرر الرئيس الأمريكي بايدن الأحد 21 يوليو/تموز 2024 الانسحاب من الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرّر إجراؤها في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 أي قبل أقل من أربعة أشهر من الانتخابات.
ومع انسحاب الرئيس بايدن من سباق انتخابات 2024، أصبح واحداً من عدد قليل من الرؤساء السابقين الذين تخلوا عن الولاية الثانية لأسباب سياسية أو ظروف شخصية وقرّروا عدم ترشحهم لفترة جديدة..
لعلّ أبرز هؤلاء الرؤساء كالفن كوليدج الذي أعلن في الثاني من أغسطس 1927، بصفته الرئيس الـ30 للولايات المتحدة (1923-1929)عن عدم نيته الترشح لولاية ثانية، وليندون جونسون الذي صرّح بقراره عبر خطاب متلفز ألقاه في 31 مارس/آذار 1968 بأنه لن يترشّح كرئيس لولاية أخرى، وهاري إس ترومان الذي كشف في 29 مارس/آذار عام 1952 أنه لن يرشح نفسه لفترة ولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
رؤساء أمريكيين قرّروا عدم الترشّح لولاية ثانية
بالعودة إلى تاريخ الانتخابات الأمريكية كان هناك العديد من الرؤساء الآخرين الذين قرّروا عدم الترشح لولاية ثانية، وقد أعلنوا جميعاً عن ذلك قبل بدء حملات إعادة انتخابهم. من بين هؤلاء الرؤساء جيمس ك. بولك، وجيمس بوكانون، وروثرفورد بي هايز، وثيودور روزفلت، وكالفن كوليدج. وقد أعلن البعض منهم عن قرارهم مبكراً جداً، أو أثناء حملاتهم الانتخابية الأولى.
أولئك الذين لم يعلنوا على الفور عن نواياهم بعدم الترشح مرة أخرى – مثل روزفلت وكالفن كوليدج – نجحوا في الوصول إلى الرئاسة بعد وفاة الرئيس السابق، ثم فازوا بإعادة انتخابهم بمفردهم (على غرار ترومان وجونسون). في حالة روزفلت، كان قد تعهد بعدم الترشح لولاية ثالثة أثناء حملته الانتخابية لولايته الثانية، لكنه ترشح مرة أخرى في عام 1912، وخسر في النهاية أمام وودرو ويلسون. أما كوليدج، فقد أعلن في أغسطس 1927 أنه لا يرغب في الترشح لانتخابات عام 1928، مشيراً إلى أن فترة الولاية الثانية كانت "طويلة جداً" ليبقى رئيساً.
بالإضافة إلى هؤلاء، هناك رؤساء آخرون خدموا فترتين كاملتين مثل جورج واشنطن وتوماس جيفرسون، لكنهم رفضوا الترشح لولاية ثالثة، على الرغم من أنهم كانوا مؤهلين لذلك، حيثُ أنّ التعديل الثاني والعشرون لدستور الولايات المتحدة الأمريكية، الذي تم التصديق عليه في عام 1951، وضع حدوداً لفترات الرئاسة.
وعلى الرغم من أن انسحاب بايدن جاء متأخراً مقارنةً بالرؤساء المذكورين، إلا أنه لا يزال يمنح الحزب الديمقراطي الوقت الكافي للبحث عن مرشح جديد وتسمية أحدهم رسمياً، وهو عملية تتطلب وقتاً وجهداً.
كالفن كوليدج
في الثاني من أغسطس 1927، أعلن كالفن كوليدج بصفته الرئيس الـ30 للولايات المتحدة (1923-1929)عن عدم نيته الترشح لولاية ثانية، ما صدم الأمريكيين الذين كانوا واثقين من قدرته على الفوز بولاية جديدة بسهولة نظراً لنجاح سياساته التي أسهمت في نمو الاقتصاد وتحقيق فائض قدره 300 مليون دولار بحسب ما ذكره لنا موقع history، وقد جاء هذا القرار تصميماً منه على الحفاظ على المبادئ الأخلاقية والاقتصادية القديمة للاقتصاد الأمريكي وسط الرخاء المادي الذي كان العديد من الأميركيين يتمتعون به خلال حقبة العشرينيات من القرن العشرين.
وبحسب المصدر نفسه فإنه على الرغم من اعتقاد الكثير من الناس أن كوليدج كان من الممكن أن يفوز بإعادة انتخابه في عام 1928، إلا أنه صرّح علناً بقراره بعدم الترشح في 2 أغسطس عام 1927، في مذكرة بسيطة تم تسليمها للصحفيين في مؤتمر صحفي. وقد استنزف الإجهاد الجسدي للوظيفة، وكذلك وفاة والده وابنه الأصغر، طاقته واهتمامه بفترة ولاية أخرى. ثمّ لجأ الحزب الجمهوري إلى هربرت هوفر (1874-1964)، الذي شغل منصب وزير التجارة في عهد كل من هاردينج وكوليدج، كمرشح له.
بعد مغادرته البيت الأبيض، تقاعد كوليدج في نورثهامبتون، حيث شغل نفسه بكتابة مذكراته والمساهمة بالتعليقات السياسية في المجلات. ووفقاً لذات المصدر فإنه بعد أقل من عام من تركه منصبه، انهارت سوق الأسهم الأمريكية وانخفض الاقتصاد إلى الكساد الكبير. وتوفي كوليدج بنوبة قلبية عن عمر يناهز 60 عاماً في منزله في نورثهامبتون في 5 يناير 1933.
هناك بعض أوجه الشبه والاختلاف بين كوليدج والرئيس جو بايدن. كلاهما عانى فقدان ابنه، لكن وفاة نجل بايدن، بو، في 2015 لم توقفه عن مواصلة مشواره السياسي. في المقابل، يُعتقد أن وفاة كالفن جونيور، ابن كوليدج، في عام 1924 تركت ندوباً عميقة أصابت والده باكتئاب سريري، ما دفعه للانسحاب للحفاظ على خصوصيته وعيش حياة طبيعية بعيداً عن الأضواء.
ليندون جونسون
تولى ليندون جونسون الرئاسة بعد اغتيال جون كينيدي في عام 1963، ودامت ولايته الأولى 14 شهراً فقط. فاز بولاية ثانية في الانتخابات عام 1964 بفوز كبير. رغم أنه كان يحق له الترشح لولاية ثانية بموجب التعديل الـ22، قرر عدم الترشح في انتخابات 1968 بسبب انقسام الحزب الديمقراطي وتراجع شعبيته نتيجة حرب فيتنام. وأعلن جونسون قراره عبر خطاب متلفز ألقاه في 31 مارس/آذار 1968 قائلاً: "لن أسعى ولن أقبل ترشيح حزبي كرئيس لولاية أخرى".
وإذا عدنا بالتاريخ إلى الوراء قليلاً، فإنه على الرغم من تعهداته خلال حملته الانتخابية بعدم توسيع التدخل العسكري الأمريكي في فيتنام، سرعان ما زاد الرئيس جونسون عدد القوات الأمريكية في ذلك البلد ووسع مهمتها.
في فبراير 1965، بعد هجوم شنه مقاتلو الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام المعروفة ب"الفيت كونغ" على قاعدة عسكرية أمريكية في بليكو، أمر جونسون بإطلاق "عملية الرعد المتدحرج"، وهي سلسلة من الغارات الجوية المكثفة على فيتنام الشمالية بهدف قطع خطوط الإمداد عن المقاتلين الفيتناميين الشماليين والفيتكونغ في جنوب فيتنام، كما أرسل 3500 من مشاة البحرية لحماية مدينة دا نانغ الحدودية. وفي يوليو من نفس العام، تم إرسال خمسين ألف جندي إضافي.
وبحلول نهاية العام، وصل عدد الأفراد العسكريين في البلاد إلى 180 ألفاً. واستمر العدد في التزايد بشكل مطرد على مدى العامين التاليين، ليصل إلى ذروته عند حوالي 550,000 جندي في عام 1968 بحسب موسوعة britannica، وهو ما دفع العديد من الشخصيات السياسية البارزة، بما في ذلك بعض من كانوا مؤيدين سابقين لسياسات جونسون في فيتنام، يدعون علناً إلى وقف الحرب والتوصل إلى تسوية تفاوضية مبكرة.
مع تراجع شعبيته إلى مستويات منخفضة جديدة في عام 1967، واجه جونسون مظاهرات في كل مكان ذهب إليه تقريباً. في مارس 1968، مع تزايد الاحتجاجات ضد حرب فيتنام، أعلن ليندون جونسون أنه لن يسعى لإعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.
هاري إس ترومان
صعد هاري إس ترومان إلى الرئاسة بعد وفاة فرانكلين روزفلت في عام 1945، وفاز في انتخابات متقاربة في عام 1948. وبحلول عام 1952، انخفضت شعبيته إلى مستوى قياسي، ويرجع ذلك أساساً إلى الحرب الكورية وقراره المثير للجدل حينها بإقالة الجنرال دوغلاس ماكارثر، ما أدى إلى خسارة فادحة في الدعم، ناهيك عن ذياع صيت فساد إدارته في ذلك الوقت، ما دفعه إلى الإعلان في 29 مارس/آذار عام 1952 أنه لن يرشح نفسه لفترة ولاية ثالثة وذلك على الرغم من إعفائه من التعديل الثاني والعشرين الذي صُدِّق عليه حديثاً ان ذاك، حيثُ صرّح: "لقد خدمت بلدي لفترة طويلة، وأفكّر بأمانة في عدم الترشّح لولاية ثالثة" وفقاً لما نشره موقع politico.
انخفضت معدلات تأييد ترومان في يناير/كانون الثاني 1951 إلى 23%، مقارنة بنسبة تأييد بايدن الحالية البالغة 38.5%. ومع ذلك، لم يكن من المتصور بالنسبة للبعض في الدائرة الداخلية لترومان أن يتخيلوا أي شخص آخر يحصل على الترشيح، فبحسب ما ذكره المصدر نفسه، ووفقاً لسيرة ترومان التي كتبها المؤرخ ديفيد ماكولو عام 1992 هذا ما قاله هاري فوغان، أحد أقرب مستشاري ترومان، لترومان في مرحلة ما"أيها الرئيس، سيتعين عليك الترشح في عام 1952″، ليجيبه أجاب ترومان: " سوف نجد شخصاً ما".