خلال الأيام الماضية تداول رواد الشبكات الاجتماعية صور لفلسطيني يحمل بعض الأمتعة على ظهره أثناء نزوحه داخل مدينة غزة، وقد انتشرت الصورة على نطاق واسع.
صورة البروفيسور الفلسطيني خميس الإسي، ارتبطت بصورة لوحة "جمل المحامل"، التي أبدعها الفنان الفلسطيني سليمان منصور في سبعينات القرن الماضي.
فيما رأى رواد الشبكات الاجتماعية أن صورة البروفيسور "الإسي" تجسد مأساة الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
"جمل المحامل".. البروفيسور الفلسطيني خميس الإسي
حالة البروفيسور الفلسطيني خميس الإسي الذي نزح 12 مرة منذ بداية الحرب، شابهت صورة الأيقونة الفلسطينية "جمل المحامل" التي أبدعها الفنان الفلسطيني سليمان منصور عام 1973.
إذ تصوّر اللوحة شخصية مسن فلسطيني حافي القدمين، وبذراعين قويتين ويرتدي ثيابا رثة، محملا على ظهره "هموم الوطن"، حيث أصبحت هذه اللوحة "أيقونة فلسطينية" حتى يومنا هذا.
إرفاق صورة الأيقونة الفلسطينية "جمل المحامل" إلى جانب صورة البروفيسور الفلسطيني صورت كيف تتشابه مآساة النزوح من بعد النكبة (1948) والنزوح في حرب الإبادة الإسرائيلية في العام 2023/2024.
هدف الطبيب بنشر الصورة إلى توثيق وإظهار عمليات النزوح والإخلاء القسري المستمر للمدنيين.
صورة "الإسي" مع "جمل المحامل" أثارت ردود فعل ومشاركات واسعة، إذ قال الطبيب الفلسطينية إنها وصلت إلى 30 ألف مشاركة خلال ليلة واحدة.
إذ أرفق معها تعليق كتب فيه: "التاريخ يعيد نفسه، ما أشبه اليوم بالبارح، من تاريخ 1948، واليوم إحنا 2024، وما زالت المأساة هي المأساة والمعاناة هي المعاناة".
وقد فوجئ الطبيب الذي شارك الصورة وأرفق بجانبها صورة اللوحة الفنية الشهيرة بانتشارها الكبير، رغم أنه لم يكن يخطط لذلك، فيما تبين للناس قصة أخرى حول حياة البروفيسور الفلسطيني.
من جامعة أكسفورد إلى خيم النزوح
أراد البروفيسور بصورته أن يظهر للعالم أن ما يحدث لبروفيسور في الطب وزميل لجامعات عالمية يحدث لشعب بأكمله.
فـ "الإسي" هو استشاري تأهيل الأعصاب وطب الألم، وأستاذ في كلية الطب التابعة للجامعة الإسلامية في غزة، وهو بروفيسور في علم أعصاب وطب الألم واستشاري تأهيل الأعصاب وطب الألم.
وتخرج الإسي من جامعة الشرق الأقصى وتخصص في مجال تأهيل الأعصاب، وحصل على البورد الفلسطيني في طب التأهيل، ودبلوم متقدم في علاج الألم والرعاية التلطيفية.
كما دَرَس ودرّس في جامعات بريطانية ودولية، ففي عام 2018، حصل على درجة الماجستير في الطب المسند بالبراهين من جامعة أكسفورد، حيث منح الزمالة الفخرية لجامعة أكسفورد.
كما اختارته منظمة الصحة العالمية ليكون عضواً في لجنة الخبراء لطب الألم والرعاية التلطيفية.
آثر البقاء في غزة عن الإقامة في بريطانيا
الطبيب الخمسيني يأعمل في قطاع غزة منذ عام 1998، وقد أتته عدد من الفرص للبقاء والعمل في بريطانيا، إلا أنه اختار العودة إلى غزة.
ورغم تلقيه عروضا عديدة لمغادرة مدينة غزة إلى المناطق الجنوبية أو السفر إلى الخارج والعمل مع مؤسسات دولية، أصر الطبيب الفلسطيني على البقاء.
في كل مرة سافر فيها إلى خارج القطاع المحاصر، آثر العودة إليه ليكون بجانب والدته بعد وفاة والده، وليساعد في تربية أبنائه وتعليمهم، والأهم من ذلك، لرغبته في نقل خبراته لزملائه الأطباء وتقديم أفضل خدمة في مستشفيات قطاع غزة".
"آثرت البقاء لمساعدة المرضى، خاصة في مجال طب الأعصاب والغضاريف والجلطات، رغم كل الصعوبات والتحديات، أعتقد أن قراري كان صائباً" – البروفيسور الفلسطيني خميس الإسي
تطوع الطبيب للعمل في مستشفى الشفاء والمعمداني مع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، حتى في ظل الحصار وهجوم الدبابات.
اضطر لبيع مقتنياته لتغطية مصاريف عائلته
لم يتلق الطبيب الذي يعمل بروفيسوراً في كلية الطب بالجامعة الإسلامية راتباً كاملاً واحداً منذ بداية الحرب، وأخذ فقط دفعات من راتبه قال إنها قد لا تكفي لأيام.
لذلك؛ اضطر الطبيب الفلسطيني إلى بيع بعض مقتنياته الثمينة، وما تبقى من مجوهرات زوجته، بالإضافة إلى السيارة، وبعض المقتنيات الثمينة التي كانوا يمتلكونها قبل الحرب.
حتى إنه اضطر للاستدانة خلال الحرب لتوفير مصاريف عائلته.
ورغم ذلك؛ تركت الحرب آثارها على جسده الذي هزل وضعف بعد أن فقد جزءاً كبيراً من وزنه جراء أشهر من المجاعة التي عاشها في مناطق الشمال.
نزوح 12 مرة.. لعائلة واحدة!
مثل نزوح عائلة الطبيب الفلسطينية مأساة يعيشها مليوني فلسطيني (على الأقل) يعيشون داخل القطاع المحاصر، حيث يكررون النزوح من منطقة إلى أخرى مع كل عملية عسكرية برية جديدة تطلقها قوات الاحتلال الإسرائيلية على مناطق القطاع.
يقول الطبيب الخمسيني: "عشت كغيري من أبناء قطاع غزة معاناة النزوح المتكرر، حيث نزحت 12 مرة، وتكرر ذلك في السابع من يوليو/تموز الجاري، حيث تنقلت من حي تل الهوى إلى حي الدرج، ثم الزيتون، فالرمال، وعشت الرعب مرات عديدة".
ويضيف في حوارٍ مع "الأناضول": "مع بداية الحرب الإسرائيلية، كنت أقطن حديثا في حي تل الهوى بمدينة غزة، واضطررت بعد تدمير الأبراج السكنية هناك إلى النزوح لمنزل العائلة الموجود في حي الدرج وسط المدينة".
"في السابع من يوليو، تلقيت اتصالاً أثناء عملي في المستشفى من ابني يخبرني بضرورة مغادرة المنزل فوراً بناء على طلب من الجيش الإسرائيلي، غادرت العمل على الفور وتوجهت إلى المنزل، ونزحنا إلى تل الهوى ببعض الأمتعة وتحت نيران طائرات الكواد كابتر المسيرة"، تابع حديثه عن مأساة النزوح الـ 12.
عندما وصل الطبيب وعائلته إلى منزل شقيقته المحترق بفعل الغارات الإسرائيلية في الساعة التاسعة مساءً، وما إن جلسوا في المنزل حتى فوجئوا بأحزمة نارية تضرب المنطقة من الطائرات والدبابات الإسرائيلية التي توغلت في الحي فجرا، فاضطروا للنزوح مرة أخرى إلى حي النصر بمدينة غزة.
يصف الطبيب الفلسطيني، ما حدث في تلك اللحظة بـ"حلقة مرعبة من مسلسل الجرائم".
وقال: "أثناء النزوح، قرر أبنائي توثيق عملية النزوح من خلال التصوير، والتقطوا صوراً متنوعة لخروجنا من المنزل والنزوح برفقة الآلاف".
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يواجه الفلسطينيون معاناة النزوح، حيث يأمر الجيش الإسرائيلي سكان المناطق والأحياء السكنية بإخلائها استعداداً لقصفها وتدميرها.
فيما يضطر الفلسطينيون خلال نزوحهم إلى اللجوء إلى بيوت أقربائهم ومعارفهم، والبعض يقيم خياما في الشوارع والمدارس، في ظل ظروف إنسانية صعبة حيث لا تتوفر المياه ولا الأطعمة الكافية، وتنتشر الأمراض.
مأساة 2 مليون فلسطيني
قدر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة عدد النازحين داخل القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بـ 2 مليون شخص.
ولأكثر من مرة، حذرت مؤسسات صحية محلية ودولية من انتشار الأمراض والأوبئة في صفوف النازحين نتيجة التكدس في مراكز الإيواء وانعدام سبل النظافة الشخصية والعلاجات اللازمة.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرباً مدمرة على غزة، خلفت نحو 128 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
فيما تواصل تل أبيب الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وبتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.