تعدّ الأضاحي من أبرز الشعائر التي يحرص المسلمون على أدائها بتفانٍ خلال عيد الأضحى المبارك، حيث تمثل تعبيراً عن الطاعة والإيمان بالله، وتتمثل في ذبح حيوانات الأضحية كمظهر من مظاهر العبودية والتقرب للخالق.
وللتضحية جذور عميقة في تاريخ الديانات المختلفة، حيث تمثل ممارسة دينية تتعلق بالتقديس والتضحية بشيء قيم من أجل إرضاء الآلهة أو تحقيق الفداء.
وفي مختلف الأديان، تتجلى التضحية بأشكال متنوعة تشمل الحيوانات، والممتلكات، وحتى الأرواح البشرية.
في هذا التقرير، نستعرض لكم بعضاً من الشعائر الدينية لمختلف الحضارات والديانات القديمة مثل المصرية واليونانية والرومانية، التي كانت التضحية فيها جزءاً أساسياً من العبادة.
تقديم الخدم قرباناً للحاكم في الصين
وفقاً لموسوعة britannica كانت الأضاحي في إمبراطورية الصين القديمة، إحدى السمات الأساسية للعبادة، بما في ذلك التضحية البشرية، التي كانت مرتبطة بوفاة الحاكم، حيث كان من المألوف أن يرافقه في الموت أولئك الذين خدموه أثناء حياته. ورغم أن العامة كانوا مستبعدين من المشاركة في التضحيات الإمبراطورية، إلاّ أنهم كانوا يقدمون القرابين لآلهتهم.
تعتبر هذه الممارسة تعبيراً عن الولاء والتقدير العميق للحاكم من قبل الشعب، حيث كان الحضور الرمزي والمادي للخدم والموظفين علامة على الاستقرار والرخاء في الإمبراطورية. كما كانت هذه التضحيات تعكس أيضاً الاعتقاد بأن السلطة الإمبراطورية هي جزء من نظام كوني أكبر، وكان لتلك الطقوس دور في تعزيز الشرعية الإلهية للحاكم واستمرار النظام السياسي في الصين القديمة.
حرق جزء من جسد الأضاحي في اليونان
في اليونان القديمة، كانت قصائد هوميروس تحتوي على أكثر الأوصاف اكتمالاً لطقوس القرابين.
استمرت هذه الطقوس تقريباً دون تغيير لما يزيد على عشرة قرون، وكانت تنقسم إلى نوعين رئيسيين: الأول هو طقوس (ثيسيا) الموجهة للآلهة الأولمبية وهي الآلهة الرئيسة في البانثيون الإغريقي، حيث كانت تشمل حرق جزء من الضحية تتبعه وجبة بهيجة يشارك الناس في تناولها مع الآلهة خلال النهار.
النوع الثاني هو طقوس (سفاجيا) الموجهة للآلهة الجهنمية، حيث كانت تتضمن حرق الضحية بالكامل أو دفنها في طقوس ليلية كئيبة، تهدف إلى تهدئة أو تجنب القوى الخبيثة.
بجانب هذه الطقوس الرسمية أو شبه الرسمية، كان الدين الشعبي، الموجود بالفعل في عصر هوميروس، يتضمن تقديم القرابين من جميع أنواع الحيوانات والخضراوات والفواكه والجبن والعسل، كنوع من الكفارة أو الدعاء أو الشكر من المصلين من جميع طبقات المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، انتشرت العبادة السرية المعروفة بـ "الأسرار"، وهي طوائف تعهد عادةً بالخلود أو بالعلاقة الشخصية مع إله معين. أصبحت هذه الممارسات ملحوظة بشكل خاص خلال الفترة الهلنستية، حيث أثّرت بشكل كبير على التنوع والغنى الديني في اليونان القديمة.
الأترويون والتضحية بلمرضى
كان الأترويون قبيلة جرمانية قديمة عاشت في أوروبا الوسطى خلال العصور القديمة.
تشير بعض المصادر التاريخية إلى أنهم كانوا يمارسون طقوساً دينية تشمل التضحية بالمرضى أو الأسرى أحياء. هذه التقارير تأتي من مؤلفات الرومان القدماء وغيرهم من المؤرخين، مثل تاسيتس، الذي وثق في كتابه "جرمانيا" تلك العادات الدينية للأترويين.
التضحية بالأطفال الرضّع في إيطاليا القديمة
كان غالبية السكان في توسكانا التي حكمتها روما لقرون عديدة، وغزاها نابليون في أواخر القرن الثامن عشر وأصبحت جزءاً من المملكة الإيطالية في القرن التاسع عشر من المزارعين الذين يتاجرون مع المناطق المجاورة، مثل قرطاج واليونان.
على الرغم من أن المؤرخين الأوائل لم يكونوا واثقين من أن الإتروسكان شاركوا في تقديم التضحيات البشرية، إلا أن الحفريات الأخيرة كشفت عن مواقع متعددة للتضحية البشرية.
على وجه الخصوص، تم العثور على جثث العديد من الأفراد، بما في ذلك البالغون والأطفال والرضع، محاطة بعديد الأغراض التي تدلّ أنه تمت التضحية بهم مثل المذبح والسكاكين المصنوعة بالطرق التقليدية.. وفي أحد الاكتشافات التي حدثنا عنها موقع ancient origins ، تم العثور على جثة طفل صغير مقطوعة الرأس، وكانت قدميه تستخدمان كأساس تحت الجدار. وبالإضافة إلى هذه الاكتشافات، تم العثور في هذه المنطقة على نصوص قديمة تصف ممارسة التضحية البشرية، بالإضافة إلى أعمال فنية تصور القيام بهذه الطقوس.
التضحية بالحيوانات في ديانة السانتيريا
كانت السانتيريا، وهي ديانة توفيقية نشأت في غرب أفريقيا ومنطقة الكاريبي، وأصلها يرجع إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية خليطاً من المعتقدات الأفريقية القديمة والمسيحية، وانتشرت بشكل كبير في كوبا ومناطق أخرى في الكاريبي.
وكان السانتيريون يؤمنون بالتضحية بالحيوانات كطقس أساسي ومهم لأتباعها. يتم تقديم الحيوانات كقرابين غذائية، وهذا الفعل ليس لغرض غير معروف أو غامض بل لبناء علاقة شخصية مع الأوريشا، الأرواح القديسة في الديانة السانتيرية، وللحفاظ على هذه العلاقة.
يتم اعتبار هذه العملية تبادلاً بين العباد والالهة، حيث يحتاج الأوريشا إلى الطعام كجزء من العلاقة، وفي المقابل، يمكن للأوريشا أن يساعد المصلين على تلبية دعائهم. كما يتم تقديم التضحيات في مناسبات الحياة المختلفة مثل الولادة والزواج والوفاة، وتستخدم أيضاً للشفاء.
بدون هذه التضحيات، يُعتبر الدين في خطر، حيث إن هذه الطقوس تسهم في تعزيز المجتمع الديني وتثبيت دور الكهنة. وتتم عملية الذبح عن طريق قطع الشرايين السباتية بضربة سكين واحدة، وهي طريقة مشابهة لأساليب الذبح الدينية الأخرى.
يتم طهي الحيوانات وأكلها وفقاً لطقوس السانتيريا، باستثناء طقوس الشفاء والموت حيث يُعتقد أن المرض ينتقل إلى الحيوان الميت. ويعتبر أكل الذبيحة فرصة للتضرع مع الأوريشا، حيث يتم ترك الدم للأوريشا فقط بينما يأكل المصلون اللحم.
وتشمل الحيوانات المستخدمة في التضحية الدجاج (الأكثر شيوعاً)، والحمام، واليمام، والبط، والماعز، والأغنام، والسلاحف.
البقرة الحمراء في اليهودية
في اليهودية، التضحية ببقرة حمراء يعتبر جزءاً مهماً من الطقوس الدينية، وتُعرف بالعبرية باسم "بارة" (Parah).
قديماً، كان يُطلب من اليهود القديمين القيام بهذه التضحية كجزء من طقوس التطهير الروحي، وقد كانت البقرة تُحرق بالكامل، ويتم استخدام رمادها كتطهير روحي لأولئك الذين كانوا قد أُصيبوا بالتلوث الروحي.
فداء البشرية في الديانة المسيحية
في الديانة المسيحية، يأتي مفهوم التضحية على عدة مستويات مترابطة ومتنوعة.
يُروى في الأناجيل أن موت المسيح على الصليب وعشاء الرب الأخير يُنظر إليهما كذبيحة، حيث يُعتبر موت المسيح بمثابة ذبيحة كاملة تمنح الفداء للبشرية من خلال تحمله لخطايا العالم وإعطاء حياته.
تعتبر الحياة المسيحية بمفهومها الشامل كذبيحة أيضاً، حيث يدعو المسيحيون إلى أن يقدموا أنفسهم كذبيحة حية، مقدسة ومقبولة لله، بالتضحية بأنفسهم في خدمة الله وخدمة الآخرين وفي الحفاظ على قيم المسيحية.
في القداس الإلهي، يحيي المسيحيون ذكرى وتذكار تضحية المسيح على الصليب من خلال الإفخارستيا، حيث يُعتبر كأنها تكرار لذبيحته وتناول جسده ودمه يرمز إلى المشاركة في هذه التضحية واستقبال فوائدها الروحية.