انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات مضللة تدعي أن الأحجار التي استخدمت في بناء الهرم الأكبر "هرم خوفو"، "فيها نتوءات هواء"، ما يعني أنها من صنع البشر وليست طبيعية.
وفي حين لا يزال لغز بناء الأهرامات المصرية القديمة، وخاصة أهرامات الجيزة، من أكثر المواضيع إثارة وإعجاباً لدى الكثيرين حول العالم، تظل الطريقة التي بنيت بها هذه الهياكل الضخمة محاطة بالغموض والتكهنات. هذا الغموض الذي كثيراً ما يستغلّه مستخدمو مواقع التواصل لبثّ معلومات مضللة بهدف جذب التفاعلات.
فما هي حقيقة بناء الهرم الأكبر؟ وما هي التقنيات والأدوات التي استخدمها المصريون القدماء في بنائه؟
ما هو الهرم الأكبر "هرم خوفو"؟
وفقاً لموسوعة britannica، فإنّ هرم خوفو هو الأكبر من بين أهرامات الجيزة الثلاثة: هرم خفرع، وهرم منقرع، وهرم خوفو. ويقع "خوفو" على هضبة الجيزة في محافظة الجيزة على الضفة الغربية لنهر النيل شمال مصر. تم بناؤه على يد (خوفو)، ثاني ملوك الأسرة الرابعة في مصر (حوالي 2543 – 2436 قبل الميلاد)، وتم الانتهاء منه في أوائل القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد.
وتُعتبر أهرامات الجيزة مجتمعة واحدة من عجائب الدنيا السبع، وهي آخر العجائب التي لا تزال قائمة.
أحجار الهرم الأكبر "فيها نتوءات هواء"
جاء في المنشورات المضللة أن أحجار الهرم الأكبر "فيها نتوءات هواء، ما يدل على أنها مصنوعة وليست مقطوعة من الجبال".
وأضافت: "كيف صُنعت وكيف صمدت تلك المدة كلها؟ وكيف لم يتمكّن أحد من اكتشاف ما بداخل الهرم الأكبر على الرغم من كل التكنولوجيا المتوفرة".
غير أن الموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار المصرية يُفنّد هذا الادّعاء، فوفقاً لما ذكره فإنّ الهرم الأكبر بُني من الحجر الجيري المحلي عالي الجودة. وقد تم جلب أحجار الكساء من محاجر طرة التاريخية عبر مراكب كانت تصل إلى الهرم.
ويحتوي الهرم من الداخل على ثلاث حجرات دفن: إحداها مقطوعة أسفل الصخر السفلي، واثنتان على ارتفاع داخل المبنى نفسه، وهو تصميم ينفرد به هرم خوفو ولا يمتلكه أي هرم آخر.
ويمكن للزوار في الحجرة العلوية المعروفة باسم حجرة الملك، رؤية التابوت الذي كان يرقد فيه الملك خوفو، ويتسنّى لهم الوصول إلى هذه الحجرة من خلال ممر ذي سقف متدرج مهيب، يُعتبر تحفة في الهندسة المعمارية القديمة.
كما تم اكتشاف مركبين كبيرين مفككين داخل حفر على الجانب الجنوبي من الهرم الأكبر، حيثُ كان يُعتقد أن هذه المراكب استخدمت لنقل مومياء الملك والأثاث الجنائزي إلى الهرم.
كيف تمّ بناء الهرم الأكبر؟
وتظل الأسئلة قائمة حول كيفية بناء هذا الصرح التاريخي الهائل. بيد أنّ النظرية الأكثر منطقية وفق موسوعة "britannica" تشير إلى أن المصريين القدماء استخدموا لبناء الهرم جسراً مائلاً محاطاً بالطوب والتراب والرمل، والذي زاد ارتفاعه وطوله مع ارتفاع الهرم، وتم نقل الكتل الحجرية إلى أعلى المنحدر باستخدام الزلاجات والبكرات والرافعات.
ووفقاً للمؤرخ اليوناني القديم هيرودوت، استغرق بناء الهرم الأكبر 20 عاماً، وتطلب عمل 100 ألف عامل، كانوا بالأساس عمّالاً زراعيين عملوا في بناء الهرم خلال فترات الفيضانات السنوية لنهر النيل، عندما كان هناك القليل من العمل الذي يمكن القيام به في الحقول.
ومع ذلك، بحلول أواخر القرن العشرين، وجد علماء الآثار أدلة تشير إلى أن قوة عاملة دائمة وربما محدودة قد عملت في بناء الموقع الأثري باستمرار وليس على أساس موسمي فقط وفقاً لذات المصدر.
هل تختلف أحجار هرم "خوفو" عن أحجار هرمي "خفرع ومنقرع"؟
كانت الإنجازات الهندسية القديمة في الجيزة تثير الإعجاب، فحتى اليوم لا يمكن للعلماء والمهندسين أن يحددوا بدقة كيف تم بناء الأهرامات. ومع ذلك، تم استنتاج الكثير عن الأشخاص الذين بنوا هذه الهياكل وعن القوة المركزية التي استطاعت تحقيق ذلك.
وفقاً لموقع "NATIONALGEOGRAPHIC" تشير المواقع الأثرية والسجلات القديمة إلى أن المواد التي استخدمت في بناء الأهرامات تضمنت الجرانيت من محاجر أسوان، وأدوات قطع النحاس من شبه جزيرة سيناء، والأخشاب من لبنان، بالإضافة إلى توفير الماشية من المزارع المحلية في دلتا النيل لإعالة العمال.
ولتسهيل نقل هذه المواد الضخمة والثقيلة، ابتكر المصريون القدماء نظاماً من المجاري المائية الاصطناعية في منطقة الجيزة، ما ساعدهم على نقل المواد بكفاءة باستخدام القوارب، وكانت هذه المجاري تستغل فيضانات النيل السنوية لتوفير ممرات مائية مباشرة إلى موقع البناء.
وكان "فم بحيرة خوفو" هو المدخل الرئيسي إلى هذا النظام، حيث كان يوصل البضائع إلى بحيرتين داخليتين قريبتين من الهرم، إحداهما تواجه الموقع الرئيسي مباشرة، في حين كانت الأخرى تخدم السفن الأصغر التي تنقل المواد الثانوية أو العمال.
بالإضافة إلى هذه الابتكارات في وسائل النقل، أقيم محجر بالقرب مباشرةً من موقع الهرم لاستخراج الحجر الجيري الذي يستخدم في الهيكل الداخلي للهرم. وقد أسهم هذا في تقليل الحاجة إلى نقل الحجارة عبر مسافات طويلة، وضمن أيضاً توفير المواد في الوقت المناسب وبالكميات المطلوبة.
وعلى الرغم من تقدم التكنولوجيا الحديثة والمعرفة، إلا أن بناء الأهرامات يظل إنجازاً فريداً من نوعه في تاريخ البشرية يتحدى التفسير، ما يجعله مستمراً في جذب اهتمام العديد من خبراء الآثار الذين لا يزالون يبذلون جهودهم للإجابة عن سؤال كيف تمكن الفراعنة القدماء من إنشاء هذه الهياكل الضخمة بالدقة والبراعة التي لا تصدق!