افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الإثنين 6 مايو/أيار 2024، كنيسة خورا "The Chora" التاريخية بمدينة إسطنبول، إذ تم تغييرها إلى متحف ومسجد ما يسمى الآن مسجد كاري، والذي كان يستخدم كذلك منذ القرن الـ16، يشتهر هذا الموقع التاريخي بالفسيفساء واللوحات الجدارية البيزنطية.
اقرأ أيضاً
ما هي كنيسة خورا في إسطنبول
يعرف هذا الموقع التاريخي باسم كنيسة خورا أو مسجد كاريي، يعد هذا المبنى التاريخي في إسطنبول بتركيا شاهداً على العديد من التحوّلات الثقافية عبر العصور. بني كمعبد للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في القرون الوسطى، ثم تحول إلى مسجد في القرن السادس عشر في عهد الدولة العثمانية، وأخيراً تحوَّل مرة أخرى إلى مسجد في عام 2020.
تعتبر فنونه المعمارية والفنية أحد أبرز العناصر التي جذبت الانتباه إلى هذا المكان الديني. تميز المسجد بأعمال فسيفسائية ولوحات جدارية بيزنطية رائعة، تعكس تراثاً ثقافياً غنياً. وقد استمر هذا التراث الفني في البقاء وسط التحولات التاريخية، حيث تمت الصيانة والحفاظ عليه حتى اليوم.
تعتبر كنيسة خورا مثالاً بارزاً على الهندسة المعمارية البيزنطية، وقد أصبح محط جذب للزوار من مختلف الثقافات والخلفيات. بالإضافة إلى ذلك، يمثل أيضاً تراثاً حضارياً يشهد على تباين وتعدد الثقافات التي عاشت في إسطنبول عبر العصور.
اقرأ أيضاً
كنيسة خورا خلال القرون الوسطى
بنيت كنيسة خورا في الأصل في القرن الرابع كجزء من مجمع دير خارج أسوار مدينة القسطنطينية، بناءً على يد قسطنطين الكبير، في جنوب القرن الذهبي للإمبراطورية البيزنطية. ومع ذلك، عندما بنى ثيودوسيوس الثاني أسواره الأرضية الهائلة في عامَي 413 و414، فأصبحت الكنيسة جزءاً من دفاعات المدينة، ومع ذلك احتفظت باسم "خورا".
تعود غالبية هيكل المبنى الحالي إلى الفترة من 1077 إلى 1081، عندما قامت ماريا دوكاينا، حماة الإمبراطور ألكسيوس الأول كومنينوس، بإعادة بناء الكنيسة على شكل صليب منقوش، وهو أسلوب معماري شائع في ذلك الوقت. وفي أوائل القرن الثاني عشر، تعرضت الكنيسة لانهيار جزئي، يرجع بعض المؤرخين السبب إلى زلزال ضرب مدينة إسطنبول.
تمت إعادة بناء الكنيسة مرة أخرى في القرن الرابع عشر على يد إسحاق كومنينوس، الابن الثالث لأليكسيوس. ولكن، لم يتم الانتهاء من بناء الكنيسة بشكلها الحالي إلا بعد قرنين من الزمن. قام ثيودور ميتوتشيتس، رجل دولة بيزنطي قوي، بتبرع الكنيسة بالعديد من الفسيفساء واللوحات الجدارية الرائعة، وتم تنفيذ زخرفته الرائعة للداخل.
يُعتبر هذا العمل أفضل مثال على عصر النهضة الباليولوجي. كما كان ثيودور عالماً كلاسيكياً مشهوراً ورجل دولة، وتبرع بمكتبته الشخصية لدير تشورا أيضاً. في عام 1328، تم إرساله إلى المنفى من قِبَل المغتصب أندرونيكوس الثالث باليولوج، لكن تمكّن من العودة بعد عامين وعاش السنتين الأخيرتين من حياته كراهب في كنيسة تشورا.
فتح القسطنطينية والكنيسة
قبل فتح القسطنطينية في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر، كان دير خورا محطة للعديد من الشخصيات البارزة، بما في ذلك الباحث مكسيموس بلانوديس. كان مكسيموس مسؤولاً عن استعادة وإعادة تقديم جغرافية بطليموس للبيزنطيين، وفي النهاية إلى إيطاليا في عصر النهضة.
وأثناء الحصار الأخير للقسطنطينية في عام 1453، ظهرت أيقونة والدة الإله هوديجيتريا، التي تعتبر حامية المدينة، وتم إحضارها إلى تشورا لمساعدة المدافعين ضد هجوم العثمانيين.
بعد سقوط المدينة وفتحها من قِبَل العثمانيين، أمر هادم علي باشا، الصدر الأعظم للسلطان بايزيد الثاني، بتحويل كنيسة تشورا إلى مسجد تحت اسم "كاري كامي". وقد تمت تغطية الفسيفساء واللوحات الجدارية بطبقة من الجبس بسبب حظر الصور الأيقونية في الإسلام، وأثرت الزلازل المتكررة في المنطقة على العمل الفني.
هذه الفترة الزمنية الهامة في تاريخ مسجد خورا تعكس التحولات الثقافية والدينية التي شهدتها المدينة عبر العصور، وتبرز أهمية الموقع كمعلم ثقافي يحمل ذكريات وتأثيرات متعددة.
كنيسة ثم متحف ثم مسجد
خلال سنة 1945، قررت الحكومة التركية تحويل كنيسة خورا إلى متحف، وفي عام 1948، قام الباحثان الأمريكيان توماس ويتيمور وبول أ. أندروود برعاية برنامج ترميم بالمعهد البيزنطي الأمريكي ومركز دومبارتون أوكس للدراسات البيزنطية. ومنذ ذلك الحين، فإن المبنى لم يعد مسجداً نشطاً.
أما في عام 1958، تم فتح المبنى للجمهور بصفته متحفاً بمسمى "متحف كاريه". وفي عام 2005، قامت جمعية المؤسسات الدائمة وخدمة التحف التاريخية والبيئة بتقديم دعوى قضائية للطعن في وضع كنيسة تشورا كمتحف.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قرر مجلس الدولة التركي، أعلى محكمة إدارية في تركيا، إعادة تحويل المبنى إلى مسجد. وفي أغسطس 2020، تم تغيير وضعه إلى مسجد.
رغم أن هذا القرار أثار انتقادات من اليونان والمسيحيين الأرثوذكس اليونانيين والبروتستانت، إلا أن تركيا قامت بالدفاع عنه. وفي يوم الجمعة 30 أكتوبر 2020، تمت إقامة صلاة المسلمين في المبنى لأول مرة بعد 72 عاماً.
وفي 6 مايو/أيار 2024، تم افتتاح المبنى مرة أخرى للعبادة الإسلامية، وهو تطور يعكس التحولات الثقافية والدينية التي شهدها مسجد خورا عبر العصور.