تعدّ الجرائم التي يقوم بها السفاحون من بين أبشع الأعمال التي يقوم بها البشر، وتثير ردود فعل قوية من المجتمع، حيث تختلف دوافعهم وتشمل العوامل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية..
من بين هؤلاء السفاحين سفاح كويتي يعرف بسفاح الصحراء ، الذي كانت جرائمه تُعتبر من بين أكثر الجرائم وحشية وغموضاً في تاريخ البلاد حيث قام هذا السفاح بارتكاب سلسلة من الجرائم البشعة قبل أن تحاكمه محكمة الجنايات الكويتية سنة 1973 بتهمة إبادة عائلة بأكملها فقد تسببت جرائم هذا السفاح في إثارة ضجة كبيرة في وسائل الإعلام المحلية والدولية، وأدت إلى تشكيل فرق خاصة لملاحقته والقبض عليه ومن ثم إعدامه تاركاً خلفه آثار الرعب والهلع في المجتمع الكويتي بسبب جرائمه الوحشية.
من عامل بناء بسيط إلى أخطر سفاح كويتي
بدأت قصة "سفاح الصحراء" في عام 1966 عندما كان تركي الزامل، شاباً بسيطاً ومتزوجاً وأباً لثلاثة أطفال في سوريا، وبعد انتهاء خدمته في الجيش السوري، قرر تركي الانتقال إلى الكويت مع والده للعمل في مجالات البناء والبنية التحتية، بحثاً عن سبل للعيش.
بدأ تركي بشراء شاحنة كبيرة للعمل في نقل مواد البناء والرمال، لكنه سرعان ما بدأ بالانحدار نحو عالم الجريمة عبر ارتكاب أعمال النصب والاحتيال، ورغم تكرار تورطه وتعرضه للعقوبات، إلا أنه لم يتب عن ذلك السلوك.
وبعد جلب أسرته إلى الكويت، بمقترح من والده عسى أن يكون ذلك سبباً في تهدئته واستقراره تأزمت الأمور أكثر، حيث تضاعفت المسؤوليات والضغوط المالية على تركي، بعد وصول زوجته وزيادة عدد أطفالهم من ثلاثة إلى ستة.
وفي محاولة للتخلص من الوضع المالي الصعب قرر السفاح الكويتي بيع شاحنته والعودة إلى أعمال الاحتيال مرة أخرى، ولكن زوجته كشفت عن مخططه ورفضت البقاء معه، ما تسبب في تركها له وسفرها برفقة الأطفال، تاركة تركي وحيداً في الكويت، بعد أن صار الناس يعتبرونه مجرماً معروفاً بأعمال الاحتيال.
خان صديقه المقرّب وقتل عائلته بأكملها
في هذا السياق، التقى تركي بعبد القادر، الذي لم يكن يعلم أنه سيكون ضحية لتركي ،الذي سوف يقوم بسفك دمه ودم عائلته دون أن يشعر عبد القادر بالخطر الذي يهدده.
عبد القادر كان يتمتع بقلب طيب ونية حسنة، وشعر بالحزن لوضع تركي، وهما يعيشان في الكويت كلاهما بعيداً عن بلادهما ومعاناة الغربة، وثق عبد القادر بتركي وأدخله إلى منزله وعامله كفرد من عائلته، كان يتشارك معه وجبات الطعام ويوفر له ما يحتاجه من ملابس وغيرها، حيث كان تركي فقيراً ليس لديه حتى ريال واحد، ولا يمتلك عائلة، ولا منزلاً، ولا أصدقاء.
وبينما كان تركي يرى حياة عبد القادر المستقرة والمريحة، وكيف كانت زوجته سعيدة وراضية، بدأ ينمو في قلبه الحسد نحو وضع عبد القادر وشعر بالغيرة من حال صديقه الذي كان أفضل منه..
وفي عام 1972، كان الحسد والغيرة قد تملّكا تركي إلى درجة أنه قرر ارتكاب جريمته الشنيعة، وطلب من عبد القادر أن يرافقه للبحث عن وظيفة، وافق عبد القادر على الذهاب مع صديقه ومساعدته وخلال الرحلة، سمح لتركي بقيادة السيارة نظراً لثقته الكبيرة به.
وفجأة، قام تركي بإيقاف السيارة في منطقة نائية في صحراء الكويت، وقبل أن يشعر عبد القادر بما يعتزم صديقه القيام به هاجمه تركي بسكين وطعنه في رقبته، مهدداً إياه بالعنف لكي يسلم كل أمواله.
بعد أن استجاب عبد القادر لطلب تركي، حاول الهروب، لكن تركي لحقه وأطلق عليه رصاصتين من مسدسه، ثم فرّ هارباً وبعد أن هرب تركي بسيارة عبد القادر ووجّهها نحو منزله، أسرع بالطرق على باب البيت وبدأ يطرق بشكل متسارع، متلهفاً للدخول دون تفكير.
خرجت زوجة عبد القادر واستغربت من الموقف، إذ وجدت تركي وحيداً في سيارة زوجها وبدون أي إشارة عن زوجها لكن تمكّن تركي من تضليلها وقال لها إن زوجها متورط مع الشرطة ويحتاج لرؤيتها بسرعة، محاولاً التغطية على أفعاله الخبيثة.
وبعد أن استطاع تركي أن يخدعها طلب منها جمع كل أمتعتها الشخصية وأهم ممتلكاتها ووعدها بأن يقودها لرؤية زوجها بعد المغرب ترك لها مهلة لتجميع أغراضها، وكان ينوي القيام بسرقتها.
ركبت الزوجة السيارة وهي تحمل هم زوجها وتخشى عليه دون أن تشك في أنها ستصبح ضحية لجريمة تركي الشنيعة الثانية! وبعد أن أخذها صديق زوجها إلى مكان حرق البترول وألزمها بالنزول من السيارة، أخرج السكين واعترف لها بأنه هو من قتل زوجها، ورغم صدمتها وجلوسها تصرخ وتبكي وتقاومه لم يتوانَ تركي بإخراجها بالقوة من السيارة ليعتدي عليها وعند عدم استطاعته فعل ذلك، قام بإطلاق النار عليها ما تسبب في تهشيم وجهها، جرت كل هذه المشاهد على مرأى ومسمع طفل بالغ من العمر سنتين!
هشّم جمجمة الطفل ذي السنتين
بعد تخلصه من الأم، توجه تركي أخطر سفاح كويتي نحو الطفل واستمر في تعنيفه، حيث قام بضربه بصخرة وهشم جمجمته، ثم قام بسرقة الذهب والممتلكات وهرب، وسلم الغنائم لصديقه عطوان طالباً منه عدم سؤاله بشأنها.
محاولات الإفلات من العدالة تنتهي بحبل المشنقة
بعد ذلك، هرب تركي واختبأ عند صديقه العراقي شريف وواصل حياته، ولم يكن يعلم أن عبد القادر لم يمت فوراً، فعند نقله إلى العناية المركزة قبل أن يفارق الحياة هناك، استدعى المحققون في الحادثة أصدقاء عبد القادر لتحديد هويته، الذين اتفقوا في استجوابهم على أن تركي كان أقرب الأصدقاء لعبد القادر وأنه كان مُلازماً له دائماً، ما أثار الشك في قلب الضباط بسبب اختفاء الزوجة ومن خلال التحقيقات، تبين أن الزوجة والابن قتلا بمكيدة من القاتل.
وبعد القبض على تركي، ظلّ لمدة سبعة أشهر منكراً تورطه في الجريمة، رغم إدانة جميع الأدلة له. وفي عام ١٩٧٣، بعد محاولات يائسة للهروب ورفضه الاعتراف بجريمته، أصدرت المحكمة حكم الإعدام بشنقه حتى الموت لتنتهي بذلك قصة أحد أخطر السفاحين في تاريخ الكويت.