كانت فلسطين -ولا تزال- الأرض التي تثير عواطف الشعراء وتشكل مصدر إلهامهم عبر العصور؛ حيث تعدّ كل عبارة عن فلسطين تعبيراً عن معاناة الشعب الفلسطيني، وعن صموده في مواجهة الظروف الصعبة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن تطلّعه للحرية والعدالة.
عبارة عن فلسطين تدمى لها القلوب
فما هي أشهر عبارة عن فلسطين خطّها الشعراء تدمى لها القلوب؟ وما هو أروع ما قيل من شعر عن فلسطين والقدس؟
"أريد بندقيه.. خاتم أمي بِعته من أجل بندقية"
تقع هذه العبارة ضمن قصيدة "طريق واحد"، وهي أشهر عبارة عن فلسطين، تعبّر عن الواقع الفلسطيني بعد نكسة عام 1967، حيث اتجه قباني نحو منحى ثانٍ في شعره، يُظهر التزامه بالدفاع عن قضايا الأمة العربية والمطالبة بتحريرها من قيود الفكر الاستعماري.
وتناولت القصيدة واقع فلسطين في ذلك الوقت، ومدى تأثير النكسة على الشعب الفلسطيني، مظهرةً تقدير الشاعر لكفاحهم.
وقد جسّدت القصيدة الصراع الدائر في فلسطين بأسلوب شاعري مؤثر، حيث يعتبر نزار الطريق الذي اختاره الشعب الفلسطيني هو الطريق الوحيد لتحقيق الحرية والكرامة.
وبغناء كوكب الشرق السيدة أم كلثوم لهذه القصيدة، أضافت بعداً جديداً لمدى تأثيرها وقوتها في التعبير عن روح الصمود والكفاح الفلسطيني.
وبإعادة غنائها من قِبَل الموسيقار الراحل عبد الوهاب، أصبحت القصيدة تحمل رمزيةً خاصة وتذكيراً بثورة الشعب الفلسطيني وثباته في مواجهة الظلم والقهر.
كما تصف القصيدة ظروف فلسطين في هذا الوقت، وتحديداً بعد العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ الـ7 من أكتوبر 2023، والذي لم يختلف كثيراً عما حدث في الماضي؛ لذلك حين نسمعها الآن نشعر بما يدور حولنا وكأن الزمن لم يمر، وتقول القصيدة:
أريد بندقية..
خاتم أمي بعته
من أجل بندقية
محفظتي رهنتها
من أجل بندقية..
اللغة التي بها درسنا
الكتب التي بها قرأنا..
قصائد الشعر التي حفظنا
ليست تساوي درهماً..
أمام بندقية..
أصبح عندي الآن بندقية..
إلى فلسطين خذوني معكم
إلى ربىً حزينةٍ كوجه مجدلية
باختصار، قصيدة "طريق واحد" لنزار قباني تعتبر شاهدة على العزيمة والصمود الفلسطينيَّين في وجه الظروف الصعبة، وتعكس مدى تأثير القضية الفلسطينية على الشعراء والمثقفين وفناني العالم العربي وإلهامهم للنضال من أجل الحرية والعدالة.
وقد أولى الشاعر نزار بن توفيق القباني، الدبلوماسي والكاتب السوري الذي وُلد في 21 مارس 1923 في دمشق، اهتماماً كبيراً بالقضية الفلسطينية.
حيث تجلى هذا الاهتمام في كل عبارة عن فلسطين كتبها بحب وألم وحنين، فضلّت قضية فلسطين محوراً مهماً في شعره وفي حياته بشكل عام، حيث سعى دائماً إلى إبراز الصوت الفلسطيني ونضاله من خلال أدبه وعمله الدبلوماسي.
"على هذه الأرض ما يستحق الحياة"
تصدَّرت جملة محمود درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، والتي اشتهرت في قصيدته "ورد أقل" التي نشرت عام 1986، شعارات الثورة الفلسطينية وأصبحت رمزاً للصمود والتحدي والأمل.
ويعتبر محمود درويش، الشاعر الفلسطيني الرائع، من أبرز الشخصيات الأدبية في العالم العربي، وقد أصبحت قصائده وأقواله تجسيداً للوجدان الفلسطيني والعربي في مواجهة التحديات والظروف الصعبة.
بدأ تأثير درويش يتجلى بوضوح بعد نكسة عام 1967، حيث اتجه إلى تعزيز رسالته الشعرية بالدفاع عن قضية فلسطين والتصدي للاستعمار والظلم.
وقد مثَّل محمود درويش (ضمير الأمة) المغلوبة على أمرها، والذي تستمد منه حزنها وفرحها، وربما كانت القصيدة، بما تحمله من إيجابية، مقدمة للانتفاضة الفلسطينية التي بدأت 8 ديسمبر 1987، حين أعلن كل أطفال المدن الفلسطينية الغضب، وأخذوا يرددون عبارة عن فلسطين:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة..
وكانت هذه الجملة بمثابة عبارة عن فلسطين تعكس قناعة درويش الثابتة بأن الحياة تستحق أن تعاش بكرامة وحرية، وأن النضال من أجل العدالة يستحق كل تضحية.
وكأجمل شعر عن فلسطين يقول محمود درويش:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة
عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ الأُرْضِ
أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ
كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين
صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين
سَيِّدَتي: استحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، استحِقُّ الحَيَاةْ
وقد فهم الأطفال قبل الكبار مقصود "درويش" بالحياة، فهو يقصد الحياة الكريمة التي تليق بالشعب الفلسطيني وآماله.
وفي القصيدة أيضاً يحفل محمود درويش بالتفاصيل البسيطة والصغيرة التي تتشكل منها الحياة والتي حرمه منها الاحتلال، لأن هذه الأشياء تحتاج كي نستمتع بها لنشعر بالطمأنينة والحرية.. يقول:
ساعَةُ الشَّمْسِ فِي السَّجْنِ
غَيْمٌ يُقَلِّدُ سِرْباً مِنَ الكَائِنَاتِ
هُتَافَاتُ شَعْبٍ لِمَنْ يَصْعَدُونَ إلى حَتْفِهِمْ بَاسِمينَ
وَخَوْفُ الطُّغَاةِ مِنَ الأُغْنِيَاتْ
وبشكل عام، فإن كل شعر عن فلسطين خطَّه درويش كان يتسم بالعمق والجمالية، ويعكس الواقع بكل صدق وشفافية، ويحمل في طياته رسالة قوية تلهم وتشجع الشعوب على الثورة والمقاومة..
بهذه الطريقة، أصبحت كل عبارة عن فلسطين لمحمود درويش ليست فقط شهادة على الواقع الفلسطيني والعربي، بل أداة فعالة للتغيير والتحرر، ورمزاً للصمود والأمل في وجه الظروف القاسية التي يمر بها العالم العربي.
لا تصالحْ.. ولو منحوك الذهب
نجد هذه العبارة عن فلسطين التي تحاكي حزن الشاعر العربي المصري أمل دنقل ضمن قصيدة "لا تصالح" التي تتألف من عشرة مقاطع أو وصايا يوجهها "كليب" إلى أخيه "الزير سالم"، وهو على فراش الموت بيد العدو بأخذ ثاره وعدم التساهل في دمه المغدور.
ويتجاوز مضمون القصيدة الزمان القديم الذي ألهم كاتبها، حيث تمتد كلماتها لتشمل هموماً قومية تتعلق بالأمة العربية ولا سيما قضية فلسطين إلى اليوم..
يبدأ أمل دنقل القصيدة بمقدمة تعريفية توضح مناسبتها، حيث يصور لنا حال "كليب" وهو يوجه وصيته لأخيه قبل أن يستشهد، وهو يخاطبه بحنان يمزج بين الدموع والأسى. يتبع ذلك سلسلة من المقاطع التي تحمل في كل منها عبارة عن فلسطين وهي "لا تصالح"، والتي تتكرر أحياناً مراراً في نفس المقطع.
لا تصالحْ … ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك.. ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى
ويذكر أنه عندما كتب الشاعر المصري الراحل أمل دنقل قصيدته الشهيرة في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1967 والتي انتشرت كالنار في الهشيم في الأدب العربي، لم يكن قد مر سوى أشهر قليلة على الهزيمة التي تعرضت لها الجيوش العربية على يد العدو الصهيوني في حرب يونيو من نفس العام.
وقد وُلد الشاعر أمل دنقل في محافظة قنا في الجنوب المصري في عام 1940، ورغم أن مسيرة حياته امتدت على مدى عدة عقود، فإنه فارق الحياة في عام 1983 بعد صراع طويل مع مرض السرطان.
وترك أمل دنقل وراءه ستة دواوين شعرية، بما في ذلك "مقتل القمر" و"البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" و"تعليق على ما حدث" و"العهد الآتي" و"أقوال جديدة عن حرب البسوس" و"أوراق الغرفة"، إلى جانب العديد من القصائد الأخرى.
وأحد أبرز أعمال دنقل هو ديوان "أقوال جديدة عن حرب البسوس"، الذي يضم قصيدتين فقط وهما "مقتل كليب" أو "الوصايا العشر"، المعروفتين بأسماء "لا تصالح" و"مراثي اليمامة".
"لا تسل عن سلامته.. روحه فوق راحتِهْ"
هي عبارة عن فلسطين تنسب للشاعر إبراهيم طوقان الذي خطّها في قصيدته "الفدائي" لتخليد فعل الفدائي محمد عبد الغني أبو طبيخ، الذي قام بمحاولة اغتيال رئيس النيابات العامة البريطاني، الصهيوني "نورمان بنتويش"، رداً على قوانين تعسفية أصدرها بحق الفلسطينيين خلال ثورة البراق.
وقعت المحاولة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1929، حيث أصاب الفدائي بنتويش بثلاث رصاصات في فخذه، لتكون أول محاولة اغتيال سياسية موثقة في فلسطين.
وتم نشر القصيدة لأول مرة في صحيفة "مرآة الشرق" في أبريل/نيسان 1930 تحت عنوان "شاعرٍ فلسطيني كبير"، ثم نُشرت باسم إبراهيم طوقان في يونيو/حزيران 1930 في صحيفة "النفير"، تقول القصيدة:
لا تَسلْ عن سلامتِهْ
روحه فوق راحتِهْ
بدَّلَتْهُ همومُهُ كفناً من وسادِتهْ
يَرقبُ الساعةَ التي بعدَها
هولُ ساعتِهْ شاغلٌ فكرَ مَنْ يراهُ
بإطراقِ هامتِهْ
بيْنَ جنبيْهِ خافقٌ يتلظَّى بغايتهْ
من رأى فَحْمةَ الدُّجى
أُضْرِمَتْ من شرارتِهْ
حَمَّلَتْهُ جهنَّمٌ
طَرفَاً من رسالتِه
هو بالباب واقفُ
والرَّدى منه خائفُ
فاهدئي يا عواصفُ
خجلاً من جراءتِهْ
صامتٌ لوْ تكلَّما
لَفَظَ النَّارَ والدِّما
قُلْ لمن عاب صمتَهُ
خُلِقَ الحزمُ أبكما
"عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ.. وَنُعيتِ بَينَ مَعالِمِ الأَفراحِ"
يصف الشاعر أحمد شوقي في هذا البيت من قصيدته "رثاء الخلافة" عن الأشواق والحزن الذي يعتري فؤاده، حيث تمثل له فلسطين مركزاً للحنين والأمل، فهي تضم بيت المقدس وتعتبر بلاد النور ومهد النبوة.
ويضيف الشاعر أن الإيمان هو القوة التي تجعل الأبطال ويعطيهم القدرة على التحمل والصمود في وجه التحديات.
وقد عبر الشاعر أحمد شوقي عن القضية الفلسطينية في أشعاره بأجمل عبارة عن فلسطين في كل مرة، حيث تميزت أبياته بالسلاسة والتأثير القوي، وقد كتب الشاعر أحمد شوقي قصيدتين عن فلسطين والقدس ما زالتا الأكثر تجسيداً لمعاناة الشعب الفلسطيني منذ مئات السنين، إذ تشتهر قصيدتا "رثاء الخلافة" و"الحنين إلى القدس" بقوة كلماتهما كما تسرد واقع الفلسطينيين الذي تحول لمقابر جماعية ونواح وموت.
وفيما يلي نعرض لكم أجمل شعر عن فلسطين كتبه أحمد شوقي ضمن قصيدة "رثاء الخلافة":
عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ.. وَنُعيتِ بَينَ مَعالِمِ الأَفراحِ
كُفِّنتِ في لَيلِ الزَفافِ بِثَوبِهِ.. وَدُفِنتِ عِندَ تَبَلُّجِ الإِصباحِ
شُيِّعتِ مِن هَلَعٍ بِعَبرَةِ ضاحِكٍ.. في كُلِّ ناحِيَةٍ وَسَكرَةِ صاحِ
ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ.. وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ
الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ.. تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ
وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ.. أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ
وَأَتَت لَكَ الجُمَعُ الجَلائِلُ مَأتَماً.. فَقَعَدنَ فيهِ مَقاعِدَ الأَنواحِ
يا لَلرِجالِ لَحُرَّةٍ مَوؤودَةٍ.. قُتِلَت بِغَيرِ جَريرَةٍ وَجُناحِ
هنا باقون.. نحرس ظل التين والزيتون
عبارة عن فلسطين كتبها الشاعر الفلسطيني توفيق زياد، الذي عاش في الفترة بين عامي 1929 و1994، وتعود أصوله لمدينة الناصرة.
ونقرأ معاً قصيدة "هنا باقون":
هنا باقون
كأننا عشرون مستحيل
في اللد، والرملة، والجليل
هنا.. على صدوركم، باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج، كالصبار
وفي عيونكم
زوبعة من نار
هنا.. على صدوركم، باقون كالجدار
نجوع.. نعرى.. نتحدى
ننشد الأشعار
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونملأ السجون كبرياء
ونصنع الأطفال.. جيلاً ثائراً.. وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد، والرملة، والجليل
إنا هنا باقون
فلتشربوا البحرا
نحرس ظل التين والزيتون
ونزرع الأفكار، كالخمير في العجين
وقد شارك طوال حياته في النضال السياسي مع الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة، وقاوم من أجل حقوق شعبه رغم تعرضه للخطر في كثير من المرات، ولم يتراجع يوماً عن مواقفه النضالية.
وأبدع زياد في كتابة العديد من الأعمال الأدبية، ومن بينها أشهرها "أشد على أياديكم" التي نُشرت عام 1966، كما قام بترجمة عدد من الأعمال من الأدب الروسي وأعمال الشاعر التركي ناظم حكمت.
تضمّنت مجموعة قصائد زياد الشعرية مواضيع البسالة والمقاومة. وبعض منها تحولت إلى أغانٍ وأصبحت جزءاً من التراث الحي لأغاني المقاومة الفلسطينية، منها:
"أشد على أياديكم" عام 1966.
"ادفنوا موتاكم وانهضوا" عام 1969.
"أغنيات الثورة والغضب" عام 1969.
"أم درمان المنجل والسيف والنغم" عام 1970.
"شيوعيون" عام 1970.
"كلمات مقاتلة" عام 1970.
"عمان في أيلول" عام 1971.
"تَهليلة الموت والشهادة" عام 1972.
وتتجلى قيمة كل عبارة عن فلسطين يكتبها الشعراء في أنها شعار تتناقله الأجيال
تعبيراً عن تجربة ومعاناة شعب فلسطين، وتوثق الظروف الصعبة التي يواجهها في مواجهة الاحتلال والظلم.. فضلاً عن أنها تعبير عن الهويّة والانتماء العميق والحب الشديد لفلسطين، مما يعزز ويحافظ على الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني وروابطه بأرضهم وتاريخهم..
وهي أيضاً تمثل مصدر إلهام للأجيال الجديدة وتحفّزهم على العمل من أجل تحقيق الأماني والطموحات للحرية والعدالة وإعادة بناء الوطن.