يحمل تاريخ بلداننا العربية العديد من الألغاز التاريخية التي طالما أثارت شغف الباحثين وعلماء الآثار لاكتشافها، ومثلت لهم تحديات لفك شيفراتها وحل رموزها المذهلة.. تمتد هذه الألغاز عبر العصور وتشمل فترات مختلفة، منها ما يتعلق بالآثار ومنها ما يتعلق بالحضارات القديمة، ومنها كذلك المدن الغارقة والظواهر الغريبة..
في هذا التقرير نحدثكم عن بعض الألغاز التاريخية في بلداننا العربية التي لم يتم فك أسرارها إلى اليوم على غرار مقبرة توت عنخ أمون و سجن قارا بالمغرب، في حين أنها لا تزال تستقطب السياح من مختلف بلدان العالم؛ فضولاً في التعرف على تاريخها الغني بالأساطير ورغبة في خوض تجارب تاريخية فريدة..
أغرب شجرة في العالم في اليمن.. تنزف سائلاً بلون الدم
تقع شجرة "دم الأخوين" في جزيرة سقطرى في المحيط الهندي، بالقرب من خليج عدن، وهي جزء من أرخبيل يحمل نفس الاسم ويتألف من أربع جزر رئيسية وجزيرتين صخريتين صغيرتين ويعيش فيها حوالي 50 ألف نسمة..
وتُعرف هذه الشجرة بسائلها الدموي الأحمر الذي يخرج منها عند خدش لحائها الناعم.
وتعتبر "دم الأخوين" أحد أنواع الأشجار النادرة، حيث يمكن العثور عليها بشكل طبيعي فقط في جزيرة سقطرى.
وهي تتميز بشكلها الفريد الذي يشبه المظلة، وارتبطت باسم الجزيرة لتكون واحدة من أبرز المعالم الطبيعية في المنطقة، بحسب ما ذكره موقع "ناشيونال جيوغرافيك".
وتستخدم "دم الأخوين" تقليدياً في الطب الشعبي في اليمن، حيث يُعتبر سائلها الدموي ذا فوائد طبية، ويُزعم أنه يستخدم في علاج التهابات الجلد والتقرحات، ويُستخدم أيضاً كمطهر للثة. كما يشير الأخصائيون إلى فوائده في معالجة بعض مشاكل الجهاز الهضمي وتقرحات المعدة..
وتم تم تسجيل أرخبيل سقطرى في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو منذ عام 2008، نظراً لتنوعه البيئي الكبير والأنواع الفريدة التي تتواجد في المنطقة. يتمتع الأرخبيل بـ825 نوعاً من النباتات، حيث يُعتبر أكثر من ثلث هذه الأنواع فريداً من نوعه.
سجن قارا بالمغرب
يقع "سجن قارا" في مدينة مكناس وسط المغرب، و تاريخاً يعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي، ويعد هذا السجن اليوم واحداً من المواقع السياحية التي تستقطب زواراً من مختلف أنحاء العالم.
وتختلف التفسيرات حول تسمية سجن قارا الغامض والمثير للجدل كما تختلف الآراء حول مساحته والأحداث التي كانت تحصل فيه. ومع ذلك، فإن الشيء المؤكد هو أنه كان سجناً مخيفاً، حيث وُصِفَ بأنه "الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود".
وفقاً لإحدى الروايات، "سجن قارا" هو اسم سجين برتغالي ماهر في الهندسة والبناء.. تلقى هذا السجين وعداً من السلطان مولاي إسماعيل من سلالة الدولة العلوية، الذي حكم المغرب في الفترة بين 1672 و1727م، بالإفراج عنه شرط بناء سجن ضخم يكون مأوى لأكثر من 40 ألف معتقل وأسير في فترة "الجهاد البحري" خلال القرن الثامن عشر.
هناك تفسير تاريخي آخر يذكر بأن تسمية السجن تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي في عام 1912، حيث استخدمت السلطات الفرنسية هذا المكان المخيف لسجن المقاومين المغاربة، وكان حارس السجن يدعى "قارا"، ولقد تحول هذا اللقب بمرور الوقت إلى التسمية "قارا".
تاريخياً، كان سجن "قارا" يثير الكثير من الغموض، حيث كانت الروايات تؤكد أنه ليس كأي سجن تقليدي، فهو يعتبر متاهة تحت الأرض، حيث يمتد كل ممر إلى ممر آخر، وكل غرفة تؤدي إلى أخرى، مما يجعله صعب الفهم والهروب منه.
كما يكمن رعب وأساطير "قارا" في غياب الأبواب أو النوافذ، حيث يُزعم أن السجين كان يُلقى داخل السجن من فتحة في سقفه، ويُمضي باقي حياته في هذا السجن الغامض، أو يحصل على الحرية عبر التفاوض.
وبعد محاولة مغامرين فرنسيين استكشاف السجن، لم يخرجوا منه إلى اليوم، قامت السلطات المحلية بإغلاق السجن التاريخي، وتحويله إلى موقع سياحي وفق وسائل إعلام مغربية، وعلى الرغم من وجود مساحة صغيرة مفتوحة للزوار، إلا أن الغموض الذي يكتنف هذا السجن الفريد لا يزال يثير الفضول والتساؤلات.
كما تتداول الحكايات حول سكانه، حيث يروي البعض عن وجود جن تقيم فيه بعد إغلاقه، بينما ينفي آخرون تلك الشائعات ويؤكدون الغموض المستمر الذي يحيط به.
مدينة سيفار طاسيلي في الجزائر ونقوشها العجيبة
تظل كهوف "تاسيلي" الجزائرية حقيقةً مثيرة للفضول والألغاز عند العلماء وتشكل تحدياً لهم لفهم الآثار القديمة.
تقع هذه الكهوف في صحراء "جانت" بالجنوب الشرقي للجزائر وتمتاز بتشكيلات صخرية فريدة من نوعها، تعرف باسم "الغابات الحجرية".
تم اكتشاف كهوف "تاسيلي" في عام 1938 على يد الرحّالة الفرنسي "برينان"، وكانت الصدمة الحقيقية بالنسبة له هي النقوش الغريبة والمبهرة على جدرانها. تُظهر هذه النقوش حياة مجتمع قديم، يعود تاريخه إلى نحو 30 ألف سنة، ولكن اللافت هو تصويرها لعناصر حديثة مدهشة، مثل مركبات تشبه الطائرات ورجال يرتدون ملابس تشبه ملابسنا الحديثة..
ويعرض لنا موقع SMART HISTORY عدة نظريات حول فهم هذه النقوش، إلا أن هناك ثلاث نظريات رئيسية قد أثارت الكثير من الجدل.. تشير إحدى النظريات إلى أن هذه النقوش تمثل علامة على زيارات كائنات فضائية في الماضي، وكان لها تأثير كبير على تطور الثقافات البشرية..
نظرية أخرى تتحدث عن وجود حضارة قديمة غامضة في تلك المنطقة، ربما تكون مرتبطة بأسطورة أتلانتس..
النظرية الثالثة تخمّن أن هذه النقوش تعكس حياة مجتمع قديم كان متقدماً ولكن اندثر دون تسجيل تاريخي.
مثلث برمودا المصري
يعرف بـ"مثلث أبو النحاس"، ويقع في البحر الأحمر على بُعدٍ يُقدر بحوالي 35 كيلومتراً، غرب جزيرة شدوان، ويواجه سواحل مدينة الغردقة؛ حيث يشكّل منطقة محيطة بالرعب والأساطير تنافس مثلث برمودا الشهير.
تمت تسميته "أبو النحاس" بسبب الشؤم والنحس الذي يُلاحَقُ السفن المارة عبر هذه المنطقة.. فبعد عبورهم من هذه المنطقة التي تعمّها الأساطير، يروي البحارة عن لقاءاتهم مع العفاريت والجن، وعن السفن التي تغرق ببضائعها وأسلحتها..
وحتى يومنا هذا، لم يتمكن الباحثون من تحديد عدد السفن التي غرقت في هذا المثلث الغامض. ومع ذلك، من المعروف وجود سفن ضخمة غارقة في هذه المنطقة، مثل السفينة "إس إس كارناتيك" التي غرقت في عام 1896، والسفينة "كيمون إم" التي غرقت عام 1978، والسفينة "أولدن" التي غرقت في عام 1987، والسفينة "تشريسكولا كيه" التي غرقت في عام 1981، والسفينة "غيانيس دي" التي غرقت في عام 1983.
مدينة النحاس في المغرب
حسب كتاب السرد القديم، فإن هذه المدينة الغامضة قد شُيدت بأمر من سيدنا سليمان، حيث جاء الجن ليقوموا بتحقيق هذا العمل الرائع في موقع قريب من بحر الظلمات.
لكن المفاجأة تكمن في أن هذه المدينة هي نفسها مدينة فيافي الأندلس في المغرب، والتي تعرف اليوم بمدينة تطوان..
بدأت رحلة البحث عن هذه المدينة الأسطورية عندما وصلت أخبارها إلى عبد الملك بن مروان، الخليفة الخامس لبني أمية، حاكم المغرب آنذاك.
قاد موسى بن نصير، وكيل عبد الملك بن مروان في المغرب، رحلة استكشافية مثيرة للكشف عن حقيقة هذه المدينة الغامضة.
ورغم التحديات، نجح بن نصير في الوصول إلى منطقة خلابة تكثر فيها العيون والأشجار والنخيل، وتعيش فيها حيوانات وطيور غريبة.
ويسرد لنا "عربي بوست" الروايات القديمة للمدينة المفقودة عبر العصور والتي تأثرت معالمها بمرور الزمن عليها، ما أضفى عليها طابعاً غامضاً وجاذبية لافتة..
تتحدث بعض الروايات عن وجود 25 بوابة في جدران المدينة، ونجاح فارس واحد في التغلب على سحرها والدخول إليها، ويُفترض أن هذا الفارس فتح الطريق لدخول موسى بن نصير ورفاقه، ليجدوا داخلها كنوزاً وثروات.
كما تختلف الروايات حول تاريخ بناء المدينة، حيث تذهب إحداها إلى أن الجن هم من قاموا ببنائها بأمر من سيدنا سليمان، فيما تدعي رواية أخرى أن ذا القرنين كان الباني لها بهدف حفظ ثرواته.
فيما يتعلق بإيمان الناس بوجود مدينة النحاس، هناك من يعتقدون بحقيقتها ومن يؤمنون أنها لا يمكن أن تكون سوى قصة خيالية. وقد شكك بعض النقاد في صحة هذه القصة، معتبرين أنها خارجة عن السياق الطبيعي.
وبالرغم من التنوع والجدل حول مدينة النحاس، فإنها تظل قصة محيرة تحمل في طياتها التساؤلات حول وجودها وتاريخها الحقيقي..
لغز رب الكون في مدينة تدمر السورية
ظلّ لغز مدينة تدمر غامضاً لدى علماء الآثار لفترة طويلة، وهو يتعلق بشخصية "إله" غامضة وغير معروفة تم وصفها في نقوش مدينة تدمر القديمة في سوريا.
شهدت مدينة تدمر ازدهاراً لآلاف السنين، وكانت مركزاً حيوياً للتجارة التي ربطت الإمبراطورية الرومانية بطرق التجارة في آسيا، مثل طريق الحرير. وقد تمت الإشارة إلى الإله المجهول في العديد من النقوش الآرامية في تدمر، حيث وصف بتعبيرات مثل "هو الذي يُبارك اسمه إلى الأبد" و"سيد الكون" و"رحيم"، ويعود تاريخ العديد من هذه النقوش إلى حوالي 2000 عام، وفقاً لتقرير "Science in Poland".
ومحاولة منها لحل هذا اللغز، قارنت الباحثة ألكساندرا كوبيك شنايدر من جامعة فروتسواف في بولندا، النقوش الموجودة في مدينة تدمر بتلك الموجودة في بلاد ما بين النهرين، التي تعود إلى الألفية الأولى قبل الميلاد.
واكتشفت الباحثة أن الآلهة المعبودة في بلاد ما بين النهرين تمت الإشارة إليها بأسماء مشابهة للإله المجهول في تدمر، مثل إله بيل ماردوك في بابل العظيم، الذي أُشير إليه أيضاً بأنه "رحيم". وكانت عبارة "رب العالم"، وهي لقب مشابه لـ "سيد الكون"، تستخدم في بعض الأحيان للإشارة إلى إله آخر، مثل بعل شمين.
واعتماداً على ما سبق أوضحت ألكساندرا أن الإله المجهول في تدمر يُشير على الأرجح إلى آلهة متعددة، في حين أشار باحثون آخرون منهم الباحث ليوناردو جريجوراتي، الذي درس التاريخ وعلم الآثار في تدمر والمناطق المحيطة، إلى أن البحث يمكن أن يُظهِر نقاشاً حيوياً في المجتمع العلمي حول هذه الفرضية، ولكنه أعرب عن قلقه من أن بعض النصوص البابلية التي درستها الباحثة تعود إلى فترات زمنية ما قبل ظهور النقوش في تدمر.. وهو ما يعني أن لغز هذه المدينة لم يحلّ بعد.
لغز وفاة توت عنخ أمون الذي حيّر العالم
لا يزال لغز وفاة الملك توت عنخ أمون، أشهر الفراعنة المصريين قائماً..
وكشفت دراسات أجريت على مومياء توت عنخ أمون عن أضرار كبيرة في ضلوعه وكسور في ساقه، مما دفع الباحثين إلى تخمين أنه قد توفي نتيجة لحادث اصطدام بعربة، بحسب ما نشرته مجلة science focus..
وهناك أيضاً اعتقاد بأن لصوصاً قد سرقوا بعض ضلوع الملك توت عنخ أمون خلال حقبة الحرب العالمية الثانية للوصول إلى خرز ثمين كان يحمله.
رئيس المعهد الإيطالي للمومياوات، البروفيسور ألبرت زينك، قدم نظرية أخرى استند فيها إلى ألفي عملية مسح ضوئي بالكمبيوتر واختبار الحمض النووي لعائلة توت؛ حيث توصل إلى أن وفاة توت كانت نتيجة لتدهور حالته الصحية بسبب زواج والديه الأقارب.
وإلى اليوم تظلّ الإجابة عن كيف مات توت عنخ أمون لغزاً لدى علماء الآثار، حيث تتنوع النظريات والتفسيرات لكنها تبقى محل مناقشة وبحث..
وتقع مقبرة توت عنخ آمون أو مقبرة 62 الخاصة بالفرعون توت عنخ أمون، بوادي الملوك بمصر على ضفة نهر النيل الغربية المقابلة لمدينة الأقصر حالياً.
سر الاختفاء الغامض لحدائق بابل المعلقة بالعراق
تعدّ حدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع، وهي من الإنجازات الهندسية والزراعية البارزة في التاريخ القديم.
وفقاً للوصف الذي قدمه المؤرخ اليوناني القديم فيلو البيزنطي حوالي عام 250 قبل الميلاد، كانت الحدائق تحتوي على نباتات مزروعة على ارتفاع فوق مستوى سطح الأرض، وكانت جذور الأشجار مغروسة في الشرفة العلوية بدلاً من الأرض.
الحدائق كانت جزءاً من المدينة القديمة بابل في العراق، وقد تم بناؤها حوالي 600 سنة قبل الميلاد وإلى اليوم لا تزال محط تساؤل من قبل المؤرخين حول التواريخ الدقيقة لإنشائها.. وعلى الرغم من الجهود المستمرة للبحث والتنقيب، إلا أنه لم يتم حتى الآن العثور على آثار تدعم الوصف التقليدي لتلك الحدائق.
فيما يذهب بعض الباحثين إلى تبني نظرية اكتشاف أماكن أخرى قد تكون مرتبطة بفكرة الحدائق المعلقة..
وفي حين أن معظم المصادر التاريخية والوصف الكتابي للحدائق المعلقة مشتركة في الإشارة إلى بابل، يبقى التحقق من وجودها بالفعل تحدياً، وقد تكون الحروب والنهب أحد الأسباب التي تجعل البحث عن أدلة ملموسة صعباً..
"هرقليون" المدينة الغارقة بالإسكندرية
جدير بالذكر أن هذه المدينة الغارقة لم تبُح بسر غرقها حتى اليوم، فما زال الأثريون وعلماء الجيولوجيا يبحثون عن سبب غرق المدينة إن كان زلزالاً أم فيضاناً، لكن نقوشها النادرة ومخطوطاتها التي عثر عليها في قاعها لا تزال شاهدة على حقبة زمنية ارتقى فيها شعبها.
مدينة هرقليون، كما كان يعرفها المصريون القدماء، تعتبر واحدة من المدن القديمة الهامة التي يمتد تاريخها إلى القرن السادس قبل الميلاد. كانت تقع قرب الفرع الكانوبي من نهر النيل، حوالي 32 كم شمال شرق مدينة الإسكندرية الحديثة في مصر. أما بقايا هرقليون اليوم فتقع في خليج أبي قير، على عمق 30 قدماً وعلى بعد حوالي 2.5 كم من الشاطئ.
وقد كانت هرقليون مركزاً دينياً بارزاً، ونقطة تجارية هامة على البحر المتوسط في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت معروفة بأنها "مدخل بحر اليونانيين" وفق وصف عثر عليه في لوحة في ناوكراتيس عام 1899.
وقد أظهر استكشاف مدينة هرقليون لعلماء الآثار عندما بدأوا الغوص في الموقع في التسعينيات، أطلال معبد قديم، كما وجدوا أيضاً تماثيل ضخمة تمثل الآلهة والملوك البطالمة، بالإضافة إلى زوجاتهم، وآنيتهم، وجواهرهم، وحتى سفن خشبية محطمة.