تصدرت مدينة صفد المشهد في الأراضي المحتلة، وذلك بعد استهداف حزب الله اللبناني قيادة المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي في مدينة صفد، وذلك رداً على اغتيال إسرائيل لأحد قادته في الجنوب.
وتقع مدينة صفد، التي أسسها الكنعانيون، فوق قلعة تريفوت على السفح الجنوبي الغربي لجبل كنعان، حيث تبعدُ عن الحدود اللبنانية 29 كيلومتراً فقط، كما أنها تطِلّ على بحيرة طبريا ومرج بيسان من الجهة الشرقية الجنوبية، وجبال زمود والجرمق شرقاً، وأراضي مرجعيون وصور شمالاً، وجبل الجرمق وسهول عكا والبحر المتوسط من الجهة الغربية، وترتفع فوق مستوى سطح البحر ما بين 790 و840 متراً.
وتشتهر المدينة بأشجار اللوز والزيتون والعنب والبساتين، وينابيعها الكثيرة، حيث تعبر أراضي المدينة 4 أنهار هي: حصبايا وبانياس والدان والبريغث، التي تنبع من جبل الشيخ وتصب في نهر الأردن.
موقعها الجغرافي المهم حوّلها إلى مركز تجاري وسياحي مهم، وأحد أهم مصايف فلسطين، نظراً إلى غناها بالموارد السياحيّة، كالمناظر الطبيعيّة الجميلة، والأشجار العالية، والأسواق.
يقطن صفد حالياً حوالي 28 ألف شخص أغلبيتهم من اليهود بعد أن جرى تهجير سكانها العرب بعد النكبة عام 1948، والتي نتج عنها قيام دولة إسرائيل فوق أراضي الفلسطينيين.
تاريخ مدينة صفد
تأسست مدينة صفد على غرار الكثير من مدن فلسطين الأخرى في العهود التاريخية المبكرة، على يد الكنعانيين، إذ كان اسمها القديم "صفت"، أي العطاء.
كانت صفد عند تأسيسها قرية صغيرة، وظلت كذلك حقباً طويلة من الزمن، وورد ذكرها في نقوش فرعونية تعود للقرن الـ14 قبل ميلاد المسيح عليه السلام كواحدة من مدن الجليل.
احتلها الرومان، وكانت فيها قلعة حصينة في عهودهم. وعُرفت المدينة في العهد الروماني باسم "صيفا"، وتعني القلعة الحصينة، وورد ذكرها في المخطوطات الإسلامية فقط في القرن العاشر الميلادي.
برزت مدينة صفد بشكل واضح بين أحداث الحروب الصليبية، إذ لفت موقع صفد الاستراتيجي وأهميتها التجارية أنظار قادة الحروب الصليبية، فاحتلوها عام 1140م، وأقاموا فيها قلعة صفد التي لعبت دوراً كبيراً في الحروب الصليبية، بفضل إشرافها على شمال الجليل وطريق دمشق.
في عام 1188م، نجح القائد الأيوبي السلطان صلاح الدين في تحرير المدينة من أيدي الصليبيين، وتشير المصادر التاريخية إلى أن مدينة صفد سرعان ما عادت إلى حكم الصليبيين، وذلك بعد أن تنازل حاكم دمشق الملك الصالح إسماعيل عن المدينة العربية للصليبيين كهدية وثمن لتحالفه معهم ضد السلطانيْن المملوكييْن الصالح أيوب في مصر والناصر داوود في الأردن.
ولم تبقَ صفد بعد ذلك طويلاً في قبضة الصليبيين، حيث حررها السلطان المملوكي الظاهر بيبرس عام 1266، واحتفظت المدينة طوال العهد المملوكي بوضعها كإحدى نيابات السلطنة في بلاد الشام، ومحطة من محطات البريد المحمول بالحمام الزاجل بين الشام ومصر.
في العهد العثماني، دخلت مدينة صفد إلى العباءة العثمانية منذ عام 1517، وذلك بعد انتصار السلطان العثماني سليم الأول على السلطان المملوكي قنصوه الغوري المملوكي في موقعة مرج دابق عام 1516، وخلال العهد العثماني بلغ عدد قرى قضاء صفد 78 قرية.
وفي عام 1918 خضعت المدينة الفلسطينية لحكم الاحتلال البريطاني، وفي عام 1945 سكن في قضاء صفد 53620 نسمة، توزعوا على 69 قرية، إضافة لمدينة صفد التي بلغت مساحتها وحدها حينذاك 3002 دونم.
وخلال عهد الانتداب البريطاني أقيم في صفد عشرات رياض الأطفال والمدارس العربية للتلاميذ في مختلف المراحل، كما ضمت المدينة عدداً من النوادي الرياضية والجمعيات السياسية السرية المناهضة للاحتلال الإنجليزي والوجود الصهيوني وعملائهما.
شهدت مدينة صفد زلازل مدمرة على طول تاريخها، كانت أقواها في عامي 1759 و1837؛ إذ أسفر زلزال 1759 عن مقتل المئات من سكان صفد، بينما أسفر زلزال 1837 عن مصرع 2000 نسمة تقريباً وإلحاق أضرار كثيرة بمباني المدينة، وكذلك عن اندلاع أوبئة أوقعت المزيد من الضحايا.
صفد تحت الاحتلال الإسرائيلي
كانت مدينة صفد واحدة من المدن الفلسطينية، التي كانت مركزاً لأحداث ثورة البراق التي كانت أول انتفاضة فلسطينية على محاولة تهويد القدس، كان ذلك بتاريخ 29 أغسطس/آب عام 1929، حيث دخلت المدينة في إضراب شامل لمدة 3 أيام، كما قام سكانها بمظاهرات سلمية حاشدة نصرة للقدس ورداً على اعتداء اليهود على الأقصى في 23 من الشهر نفسه.
وفي أعقاب انسحاب القوات البريطانية من صفد يوم 16 أبريل/نيسان 1948، أتاح ذلك للسكان العرب السيطرة على الجزء الأكبر من مدينتهم.
وعقب سقوط حيفا بأيدي العصابات الصهيونية، شهدت صفد معارك شوارع طاحنة امتدت من بيت إلى بيت بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية المسلحة.
ويوم 12 مايو/أيار، سقطت المدينة بأيدي الصهاينة الذين أقاموا فيها 61 مستوطنة على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة، وباشرت العصابات الصهيونية طرد سكانها الفلسطينيين منها حتى لم يتبقَّ منهم سوى 2317 شخصاً.
مدينة أثرية ومتحف حضارة لتاريخ فلسطين
للمدينة معالم تاريخية عريقة، أبرزُها المسجد الأحمر المشيَّد من الأحجار الحمراء، ومسجد الشيخ عيسى، ومسجد السوق، بالإضافة إلى قلعة صفد التي شيَّدها الصليبيون، وجبل بلد كنعان، ومتحف المدينة، وبرج الساعة، ومبنى السرايا الذي شكَّل مركزاً إدارياً خلال الحكم العثماني للمدينة، إلى جانب بعض الزوايا؛ مثل: زاوية الأسدي، والشيخ العثماني، وحسام الدين بن عبد الله الصفدي، وزاوية الشيخ شمس الدين.
كما تشتهر المدينة بأشجار اللوز والزيتون وينابيعها الكثيرة، حيثُ تَعبُرُ أراضي المدينة 4 أنهار تنبعُ من جبل الشيخ وتصبُّ في نهر الأردن، كما تتعدَّد الصناعات الموجودة في المدينة، ومن أهمِّها: الصناعات الغذائيّة، والسجائر، والمطابخ، والدراجات.