خلال حرب الابادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن تفاصيل قصة رضيعة فلسطينية، تمت سرقتها من قِبل جندي في لواء جفعاتي، قبل أن يُقتل في المعارك الدائرة في شمال قطاع غزة، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني.
ولا تُعدّ جريمة سرقة وخطف الأطفال في إسرائيل بالجديدة، فقد كانت هذه الجريمة متأصلةً في عقيدة الإسرائيليين فقد سبقتها جريمة مروّعة ذهب ضحيتها أطفال يهود من أصولٍ يمنية تعرف باسم قضية أطفال اليمن.
ففي منتصف القرن الماضي، وتحديداً بين عامي 1949 و1950، وفي خضمّ عمليات التهجير والتوطين الواسعة لليهود في فلسطين، قامت إسرائيل بترحيل حوالي 50 ألف يهودي مع أطفالهم، كانوا يعيشون في اليمن إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال عملية أُطلق عليها اسم "بساط الريح".
وفور وصولهم إلى فلسطين، ظهرت قضية علنية تتمثل في اختفاء الأطفال، والتي عُرفت باسم قضية أطفال اليمن. إذ فُقد أكثر من 10 آلاف طفل يهودي يمني.
ادعت السلطات الإسرائيلية آنذاك أن الأطفال ماتوا في المستشفيات بسبب أمراض معدية، وتم إعلام أهاليهم بذلك، دون إعطاء شهادات وفاة. لكن معلومات ترددت عن أنهم تعرّضوا للاختطاف بهدف بيعهم لعائلات من أصول أوروبية وأمريكية ثرية تبحث عن أطفال للتبني، وأن كثيراً من المواليد اختُطفوا في عملية رسمية سرية منظمة من أجل تسليمهم لناجين من المحرقة النازية لليهود لا ينجبون، وفي رواية ثالثة أن الغرض من اختطافهم كان إجراء تجارب طبية عليهم.
كيف بدأت قضية أطفال اليمن؟
بدأت قصة قضية أطفال اليمن عندما تم إدخال آلاف الأطفال المهاجرين من يهود اليمن الذين كانوا في حالة صحية سيئة إلى المستشفيات، وذلك بعد أن تعمّدت السلطات الإسرائيلية تجميع اليهود اليمنيين في المعبروت، وهي خيامٌ وأكواخٌ مؤقتة أُقيمت لإيواء المهاجرين ودون رعاية صحية، الأمر الذي أدى إلى إصابة أطفال اليمن بالأمراض، وكانت نسبة كبيرة منهم وصلوا إلى حالة صحية سيئة، بعضهم كان يعاني سوء التغذية.
استغل مسؤولون في وزارة الصحة الإسرائيلية والوكالة اليهودية للهجرة تلك الأوضاع من أجل تنفيذ أبشع مخطط لفصل الأطفال اليمنيين عن عائلاتهم والمعروف باسم قضية أطفال اليمن، وذلك بالادعاء أنّ كل الأطفال الذي نُقلوا من المعبروت للعلاج في العيادات والمستشفيات قد ماتوا.
وعند حضور عائلات الأطفال لزيارتهم، قيل لهم إنهم ماتوا ودُفنوا، وفي معظم الحالات لم يحصل الآباء على شهادات وفاة لأطفالهم، كما لم يُسمح لهم برؤية الجثث، حتى إن العائلات التي تمكنت من فتح قبور أطفالها وجدتها فارغة، ورغم كثرة القصص والروايات، لكنها لم تجب حتى الآن عن السؤال الجوهري: ما الذي حدث للأطفال؟ وأين ذهبوا؟
مصير أطفال اليمن بين إهدائهم إلى عائلات ثرية وتحويلهم إلى فئران تجارب
كان مصير أطفال يهود اليمن مرتكزاً على 3 روايات، الأولى أنها كانت عملية خطف منظم على أعلى مستوى لتوفير الأطفال لبعض الأزواج لليهود الأشكناز ذوي الأصول الأوروبية والمقيمين الأجانب، خصوصاً أنّ الأعراف اليهودية تلزم أنه يجب أن تكون أصول المواطن يهودية لـ5 أجيال من جانب الأم، ومن ثم فإن اليهود الأشكناز، ممن لا أطفال لهم يمكن أن يجدوا في أطفال يهود اليمن ضالتهم، لأن اليهود الشرقيين لم يتزاوجوا من خارج طائفتهم، ولذا فإن أطفالهم لا يشك في يهوديتهم.
كما روّج منفذو هذه الخطة إلى أنّ الأطفال بتبنيهم من عائلات ثرية يعيشون حياةً أفضل من بقائهم لدى عائلاتهم الأصلية الفقيرة والمتخلفة.
أمّا الرواية الثانية، فزعمت أن معظم الأطفال ماتوا بسبب الأمراض، باستثناء حالات قليلة نتيجة خطأ بشري.
وفي رواية ثالثة، أن الغرض من اختطافهم كان إجراء تجارب طبية عليهم، وبالفعل فقد كشفت وثائق إسرائيلية رسمية عن أن مئات الأطفال اليهود اليمنيين قد خضعوا لتجارب طبية في إسرائيل، ونشرت لجنة متابعة القضية صوراً لبعضهم وهم عراة في غرف تشبه المختبرات العلمية.
لا تزال قضية أطفال اليمن مفتوحة منذ أكثر من 74 عاماً!
بقيت قضية أطفال اليمن عالقة بين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والعائلات اليمنية لأكثر من 74عاماً، فقد نفت 3 لجان قامت بالتحقيق في القضية أن يكون أطفال اليمن قد تعرضوا إلى السرقة والاختطاف، وكانت نتائج تحقيقاتها أن الأطفال توفوا رغم أن العائلات لم تتسلم جثامين أطفالها أو حتى إبلاغهم بأماكن دفنهم، حتى أن اعترفت السلطات الإسرائيلية بأنه بالفعل تم اختطاف هؤلاء الأطفال من ذويهم، دون تحديد مصيرهم النهائي.
جاء هذا الاعتراف بعد أن تقدمت عشرات العائلات اليمنية اليهودية بدعوى قضائية جماعية، تطالب بتعويضات تصل الى الملايين من السلطات الإسرائيلية والوكالة اليهودية.
وقالت هذه العائلات إن قانون التقادم لا ينطبق على القضية، بالرغم من مرور 7 عقودٍ على القضية، لأن المؤسسات المعنية لم تقدم تفسيراً لاختفاء الأطفال، وأنه يجب رفع السرية عن الملفات المتعلقة بقضية أطفال اليمن.
وبعد اعتراف السلطات الإسرائيلية باختفاء الأطفال، تم تحديد التعويضات للعائلات المنكوبة بواقع 40 ألف دولار لأفراد عائلة توفي طفلهم ولم يتم إبلاغ العائلة بأمر وفاته، أو عدم العثور على مكان دفنه.
وأكد حينها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن "التعويض المالي ليس من شأنه أن يعوّض عن المعاناة الرهيبة التي كانت ولا تزال تنتاب العائلات، والتي تكون بمثابة المعاناة التي لا تُطاق"، معلناً أنه "أوعز إلى وزير التربية والتعليم بإدراج قضية الأطفال اليهود المنحدرين من أصول يمنية ضمن الكتب التعليمية للطلاب الإسرائيليين".