مسجد ابن مروان الذي توغلت قوات الاحتلال بجانبه ودمّرت المقبرة التي تحمل اسمه في حي الشجاعية، يعد من أقدم المساجد وأعرقها بقطاع غزة، إذ بُني في أواخر القرن الثاني عشر، ويكتنز بين جدرانه العتيقة حكايا وأسرار مئات السنين، مرت على مدينة غزة، التي تعتبر من أقدم مدن العالم بأعيانها الأثرية وشوارعها وأزقتها، فما قصة هذا المسجد؟
سمّي على اسم إمام من بلاد المغرب الإسلامي
تعود تسمية المسجد باسم "ابن مروان"، إلى الشيخ علي بن مروان ذوي الأصول الأندلسية والذي ينتمي إلى عائلة الحسناني، قدم من الأندلس ليستقرّ في غزة، وهو أحد الأئمة الذين وفدوا إلى غزة في بداية عهد المماليك، وسكنوا ودفنوا فيها عام 1314م، فقد كانت حينها هجرة العلماء والمشايخ من بلاد المغرب الإسلامي إلى المشرق سارية بكثافة.
يقع مسجد ابن مروان في حي الشجاعية، إلى الطرف الشمالي الشرقي من مدينة غزة على شارع صلاح الدين، ويحتل مساحة تقدر بنحو 320 متراً مربعاً.
يحد المسجد من الجهة الشرقية شارع صلاح الدين، ومن الجهتين الجنوبية والغربية مقبرة تحوي قبر الشيخ علي بن مروان، وهي المقبرة التي حملت اسمه أيضاً، وقد كُتب على شاهِد ضريحه الموجود داخل غرفة كبيرة عليها قبة مرتفعة موجودة إلى الغرب من المسجد: "هذا قبر الشيخ علي قدس الله روحه ونوّر ضريحه، توفي يوم الإثنين، السابع من شهر ذي القعدة سنة خمس عشرة".
يعود بناؤه إلى القرن الـ13
يعود تاريخ بناء المسجد إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وإلى الفترة التي سبقت وفاة الإمام علي بن مروان سنة 1314م، وهو ما يتبين من الكتابة الموجودة على بلاطة بُنيت أعلى واجهة المنبر، جاء عليها في سطرين على هيئة شعر:
"منبرٌ من أمير المحمد الشريف في مقامٍ معظمٍ للهِ وعليه للهِ حـمـدٌ وذكـرٌ وصلاةٌ وتوجهٌ للهِ وهـو إنشاء حاجب وأمير صاحبِ الجودِ والوفاءِ والجاهِ فـهـو سُمِّيَ سَـفَـرْ دامَ عـزاً يـدُ الكل دُم في الأفواه".
إذ تذكر كتب التاريخ أن الأمير "سفر الحاجب" الذي تدلّ البلاطة الموجودة على منبر المسجد على أنها تعود له، كان موجوداً بمدينة غزة سنة 1297م، وبالتالي فإنّ تاريخ بناء المسجد يكون على الأرجح قبل هذا التاريخ، قبل أن يقيم به الشيخ علي بن مروان ويدفن فيه سنة 1314م، ويحمل اسمه حتى الآن.
هندسة أثرية فريدة تذهب ضحية عنجهية الاحتلال الإسرائيلي
وما يميز المسجد، الذي يفتتح بصالة صغيرة بُنيت بعد بناء المسجد، هندسته الفريدة التي تميّزت بها مساجد غزة الأثرية، إذ يجاور الصالة من الجهة الشمالية درج داخلي، يؤدي إلى صحن المسجد وينخفض عن مساحة الأرض ثلاثة أمتار، إذ تعرض المسجد لعمليات التعرية والظروف المناخية التي جعلت الوصول إليه مشروطاً بالنزول عبر درج داخلي.
ويستقبل المسجد زواره بمئذنة عريضة، وسقف مغطى بتسع قباب دائرية الشكل، بينما يستند إلى ستة أعمدة رخامية، تتزين بالنقوش الإسلامية البارزة. ويتميز الصحن الداخلي الذي يتوسط المنبر ناحيته الشرقية بالزخارف، والأقواس.
وكتب فوق باب المئذنة ما يلي: "بسم الله الرحمن الرحيم.. جدد عمارة هذه المئذنة المباركة وإيوان القاعة والمنبر والمحراب الشريف في جامع ابن مروان رضي الله عنه، الفقير إلى الله تعالى محمد ابن عبد الله سنة 725هـ"، وهذا يعني أن المسجد تمت إعادة بنائه وترميمه أول مرةٍ سنة 1325م، وكان هذا بعد وفاة الإمام علي بن مروان بعشر سنوات تقريباً.
يخرّج مسجد على بن مروان مئات الحفاظ سنوياً من حي الشجاعية وبقية أحياء مدينة غزة، إذ تحوّل إلى منارة علمية وشعلة ثقافية بإمتياز.
تعرّض المسجد كسائر مساجد غزة التاريخية للتدمير في الحرب الجارية حالياً، وذلك في أثناء توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي بحي الشجاعية، كما تعرضت المقبرة التي تجاوره للتجريف.
وفقاً لدراسات حديثة أجرتها مجموعة "التراث من أجل السلام"؛ دمّر الاحتلال الإسرائيلي منذ طوفان الأقصى أكثر من 100 موقع أثري وتاريخي داخل القطاع.