في الوقت الذي تستمر فيه حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، تواجه القرى الفلسطينية في المنطقة "ج" تهويداً غير مسبوق من قِبل المستوطنين الإسرائيليين الذين استغلوا انشغال العالم بالحرب في غزة من أجل طرد الفلسطينيين من أراضيهم بالضفة الغربية.
قرية سوسيا الواقعة جنوب مدينة الخليل، إحدى القرى التي شهدت تهجيراً واسعاً لأهلها من قِبل المستوطنين وجيش الاحتلال.
هذه القرية التي يقيم أهلها في المغاور وبيوت الزنك والخيم، وتتعرض للهدم المتتالي منذ 1948 على يد الاحتلال، أصبحت على وشك أن تفقد هويتها الفلسطينية بعد أن تبقى بها عددٌ قليلٌ من العائلات الفلسطينية، وذلك بعد 75 سنة من التهجير والهدم الذي تعرضت له.. فما قصة هذه القرية؟
يعود تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي
قرية سوسيا هي واحدة من 12 قرية وخربة في منطقة "مسافر يطا" في تلال الخليل، تقع القرية على تلة مرتفعة داخل الضفة الغربية ضمن المنطقة "ج" التي تسيطر عليها إسرائيل إدارياً وأمنياً.
اعتمد أهل القرية، منذ الثلاثينات من القرن التاسع عشر، على رعي المواشي وزراعة أشجار الزيتون، وبدأت القرية في الامتداد نتيجة استقطابها للعديد من الفلسطينيين في حقبة حكم العثمانيين لفلسطين.
ومنذ عام 1948، تتعرض القرية التي كان يقيم عليها حينها مئات الفلسطينيين إلى حملات تهجير وطرد ممنهج من المستوطنين.
تتعرض للتهجير القسري منذ عام 1948
كانت أولى الحجج الإسرائيلية لطرد سكان قرية سوسيا، هي بناء القرية فوق موقع أثري، وهو موقع روماني يعود إلى حقبة سيطرة الرومان على فلسطين في الفترة ما بين عام 63 قبل الميلاد وعام 324 الميلادي.
وادعى الاحتلال وجود كنيسٍ يهودي تاريخي في الموقع الأثري بقرية سوسيا، لكن أهالي القرية يؤكدون أن ما في داخل الموقع هو محراب وآثار مسجد.
لكن الاحتلال قام بتسليم الموقع الأثري والأراضي المحيطة به من القرية إلى المستوطنين.
في عام 1983 شيد الاحتلال الإسرائيلي بجوار القرية مستوطنة أطلق عليها نفس الاسم "سوسيا"، وذلك على أراضي القرية الفلسطينية، وأعلن أن المستوطنة هي أرضٌ إسرائيلية، وذلك وفقاً لمنظمة بتسليم الإسرائيلية.
وفي عام 1986 أعلنت الإدارة المدنية عن منطقة القرية "موقعاً أثرياً"، ومن خلال ذلك القرار صودرت أراضي القرية لـ"أغراض عامة" وطرد جيش الاحتلال سكانها من بيوتهم.
انتقلت العائلات الفلسطينية إلى مُغر أخرى في المنطقة وإلى خيم وعرائش أقاموها على أراض زراعية تبعد بضع مئات الأمتار عن القرية الأصلية والموقع الأثري.
واصل الاحتلال الإسرائيلي مخططه في تهجير سكان القرية وطمس هويتها، ففي يوليو/تموز 2001، وبعد فترة قصيرة على قتل فلسطينيين لمستوطنٍ يدعى يئير هار سيناي، من سكان مستوطنة سوسيا، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بطرد سكان القرية مجدداً، وهدم معظم المنازل بها.
وبين عامي 2001 و2002 أقام المستوطنون عدة بؤر استيطانية على جزء من أراضي القرية من أجل منع الفلسطينيين من التنقل بحرية في أراضي القرية البالغ مساحتها 8000 دونم، والتي بات المستوطنون يسيطرون على أكثر من 80 % منها.
وحرم الاحتلال سكانها من 16 بئر ماء للزراعة والرعي من أصل 28 بئراً.
أعيد بناؤها من جديد، لكن الاحتلال واصل هدمها
أعاد السكان بناء قريتهم الجديدة على مساحة 1500 دونم، بواقع 120 منزلاً ومُنشأة أغلبها للزراعة أو حظائر للمواشي.
ولم يترك الاحتلال والمستوطنون سكان سوسيا وشأنهم، ولم يتوقف نهم التهجير لدى الاحتلال، إذ رفعت مؤسسة "ريكافيم" الاستيطانية المتطرفة في عام 2012 دعوى في القضاء الإسرائيلي لهدم قرية سوسيا الجديدة، بما فيها المنازل والمدرسة والعيادة الوحيدة، واستمرت عمليات الهدم الجزئية حتى عام 2014، لكن حملةً دوليةً حينها وُصفت بـ"القوية والفاعلة واللافتة" بدأها سكان سوسيا أجبرت حكومة الاحتلال على تأجيل أوامر الهدم.
في سنة 2021، قام رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باقتحام قرية سوسيا الأثرية رفقة عددٍ من المستوطنين في رسالةٍ تأييد لطرد وتهجير ما تبقى من أهلها من أراضيهم، ومنذ ذلك الوقت يتعرض أهل سوسيا إلى هجمات متتالية من المستوطنين لإجبارهم على الرحيل من أراضيهم، وزادت تلك الهجمات مع العدوان الإسرائيلي على غزة المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.