أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الفسفور الأبيض المحرم دولياً، خلال قصف مناطق مكتظة بالسكان داخل قطاع غزة، في الوقت الذي وصلت فيه أعداد شهداء القطاع إلى أكثر من 9 آلاف مع إصابة أكثر من 30 ألف آخرين.
في الوقت نفسه، أشارت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية إلى أن محيط بلدة يارين في صور (جنوب لبنان) تعرّض للقصف بقذائف فسفورية، أطلقتها قوات الاحتلال صباح الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فما هو الفسفور الأبيض، وكيف يعمل؟
الفسفور الأبيض مادة شمعية شفافة تُصنع من الفوسفات، لونها أبيض مائل للاصفرار، ورائحتها تشبه رائحة الثوم. وهو عبارة عن سلاحٍ ضار يعمل عبر امتزاج الفسفور مع الأوكسجين، اللذين يتفاعلان بسرعةٍ كبيرة فينتج عنهما غازات حارقة ذات حرارة مرتفعة، وسحب من الدخان الأبيض الكثيف.
في حال تعرّض منطقةٍ ما للقصف بالفوسفور الأبيض، فهو يترسب في التربة أو قاع الأنهار والبحار؛ ما يعني أنه يصل إلى الكائنات البحرية -مثل الأسماك- ما يهدد سلامة الإنسان والبيئة على المدى البعيد.
أما على المدى القريب، فعند تعرض الإنسان لهذه المادة، فقد يعني ذلك أن يذوب الجلد ويحترق حتى العظم. فالقنابل الفسفورية من أشنع وأعنف وأصعب الأسلحة تعاملاً في الميدان، وحتى على الأطباء والكادر الطبي، بسبب آثارها البالغة.
فعند تواجده في الهواء، يحترق الفسفور تلقائياً مع الأوكسجين لينتج عن ذلك بينتوكسيد الفوسفور -ومواد أخرى حسب ظروف التفاعل- الذي يتفاعل بدوره مع أي جزيئة ماء مجاورة؛ فينتج عن هذا التفاعل قطرات من حمض الفوسفوريك.
والتعرض لحمض الفوسفوريك يمكنه أن يؤدي إلى حرق الجلد، والتهاب الملتحمة في العين، كما قد يسبب تسوس الأسنان وتقرحات في الفم يمكنها أن تكسر عظمة الفك.
مخاطر الفسفور الأبيض
قنابل الفسفور الأبيض تندرج تحت ما يُعرف بـ"الأسلحة الحارقة"، وهي ليست محرمة دولياً من فراغ. تسبّب هذه القنابل الإصابة أو الوفاة حين تلامس الجلد، أو لدى استنشاقها، أو ابتلاعها.
كما أن الحروق الناتجة عنها، التي تلحق 10% فقط من الجسم، قد تكون قاتلة. فالفوسفور يمكنه أن يتسرب إلى مجرى الدم عبر الجلد؛ ما يؤدي إلى تسمّم الكليتين والكبد والقلب، إضافةً إلى فشل أعضاءٍ أخرى.
القذيفة الواحدة من الفوسفور الأبيض تقتل كل كائن حي حولها حتى مدى 150 متراً، واستنشاقها يسبب السعال ويهيّج القصبة الهوائية والرئتين، ما قد يؤدي إلى ذوبانها وذوبان الأنسجة ويمكن أن يصل حدّ العظام.
إلى جانب قوتها التدميرية، يمكن للقنابل الفسفورية أن تنشر النار. في هذه الحالة، فإن النار المتولدة من حرق الفوسفور يمكنها أن تنتشر على مساحة تصل إلى عدة مئات من الأمتار، وفقاً لموقع India Today.
لذلك يُمنع استخدامه على أهدافٍ قريبة من المدنيين، لأن مخاطر الفسفور الأبيض هائلة حتى على المدى البعيد.
فدخانه مؤذٍ ومسرطن؛ لذلك يجب إزالة أي قطعة عالقة من سلاح الفوسفور عن الجسم فوراً، ثم غمر مكان الإصابة بالماء البارد. ولتجنب غبار دخانه، عليكم بقطعة قماش مبللة توضع على الفم والأنف.
تاريخ استخدام قنابل الفسفور
نصّت المادة الثالثة من اتفاقية جنيف حول الأسلحة الحارقة على تحريم استخدام سلاح الفسفور الأبيض ضدّ المدنيين أو العسكريين، المتواجدين قرب المناطق المدنية. ومع ذلك، فإن لهذه المادة القاتلة تاريخاً أسود لناحية استخدامها.
وفقاً لكتاب Irish Nationalism & Political Violence، استُعمل هذا السلاح للمرة الأولى في القرن 19 من قِبل القوميين الأيرلنديين الذين كانوا يمزجونه بمحلولٍ قابل للتبخر، يشتعل ويخلّف حريقاً ودخاناً، ثم استُخدم في أستراليا من قِبل عمال موسميين.
في نهاية عام 1916، صنع الجيش البريطاني أولى القنابل الفسفورية، بعدما كان أول من أنشأ مصنعاً للقذائف الفوسفورية المتطورة لاستخدامه في الحرب العالمية الأولى. لاحقاً، استعملها الأمريكيون في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام.
شهدت منطقة الشرق الأوسط استخداماً واسعاً للفوسفور الأبيض من قِبل الولايات المتحدة وإسرائيل تحديداً، إضافةً إلى قادة بعض الدول العرب. وأول استخدام له في المنطقة كان من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، خلال "حرب تموز" 2006.
عام 1991، واجه نظام الرئيس العراقي صدام حسين اتهامات باستخدام الفوسفور ضد الأكراد، بعدها اتُهم الجيش الروسي باستعماله ضد المقاتلين الشيشان في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
وقد اعترفت الولايات المتحدة باستخدامها للقنابل الفوسفورية خلال هجومها على مدينة الفلوجة العراقية في نوفمبر/تشرين الثاني 2004، متحايلةً على اتفاقية جنيف التي لا تحرّم استعمالها عبر قذائف مدفعية.
خلال عدوانها على قطاع غزة عام 2008، فيما يُعرف بـ"عملية الرصاص المصبوب"، استعملت قوات الاحتلال الإسرائيلي قذائف الفوسفور في الجو فوق مناطق مأهولة بالسكان، ما أدى إلى استشهاد وإصابة مدنيين.
ووفق تقريرٍ نشرته "هيومن رايتس ووتش" (HRW) يوثق استخدام إسرائيل "الموسّع" لذخائر الفوسفور في الجو، أشارت المنظمة إلى أن استخدام هذا السلاح في أحياء سكنية مأهولة بالمدنيين، منها وسط مدينة غزة، ينتهك القانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب).
وأكدت أن "الاستخدام غير القانوني للفوسفور الأبيض لم يكن عارضاً أو غير متعمد، بل متكرر ودام لفترة طويلة، كما شمل مواقع متباينة حتى اليوم الأخير من عمليته العسكرية".
وقنابل الفوسفور الأبيض من أكثر الأسلحة التي اتُهم النظام السوري باللجوء إليها، وبشكلٍ موسع، في غاراتٍ جوية مختلفة.
ففي العام 2019، أفادت قناة "الجزيرة" بأن مناطق مختلفة من ريفَي إدلب الجنوبي والشرقي شهدت قصفاً من قوات النظام، "وسط تأكيداتٍ محلية باستخدام الفوسفور الأبيض المحرم دولياً".
وذكرت وكالة الأناضول نقلاً عن مدير "الخوذ البيضاء" في إدلب أن قوات النظام، وعناصر موالية لإيران، قصفوا قنابل الفوسفور على بلدة التمانعة في ريف إدلب.
وفي العام 2017، أكدت منظمة العفو الدولية (Amnesty) استعمال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ذخائر الفوسفور الأبيض، في قصف مناطق على أطراف مدينة الرقة؛ مشيرةً إلى أنه قصف "غير قانوني ويمكن أن يرقى إلى مرتبة جريمة حرب".