منذ أكثر من 1500 سنة لا تزال الجنبية، وهي خنجر مرصع برأس باهظ الثمن ومزين بالذهب أو الفضة، محتفظة برمزيتها التراثية وقيمتها التقليدية، و تتوارث صناعتها عبر الأجيال المتعاقبة في اليمن، فعلى الرغم من الحداثة فإن اليمنيين حافظوا على ارتداء الجنبية كشكل من أشكال الإكسسوار الرجالي.
والجنبية عبارة عن خنجر مقوس له مقبض مزخرف ويوضع في غمد على خاصرة الرجل، وقديماً كانت الجنابي (مفردها الجنبية) من أدوات المحاربين قبل أن تتطور بمرور الزمن وتصبح من أدوات اللباس والزينة للرجال مع الزي التقليدي اليمني.
يعود تاريخها لمئات السنين
يختلف المؤرخون في تحديد تاريخ ظهور الجنبية في اليمن، فهناك من المؤرخين من يعزو ظهورها إلى فترة تقارب 3 آلاف سنة قبل الميلاد، وذلك بعد العثور على دلائل تشبه هذه الخناجر في القبور، حيث قام بحملها السبئيون (سكان قدامى سكنوا اليمن)، أيام الدولة الحميرية، وهي آخر مملكة يمنية قبل ظهور الإسلام.
في حين أنّ بعض المؤرخين يربطونها بفترة ظهور الإسلام، أي قبل 1500 سنة، كما تؤكد على ذلك بعض الشواهد التاريخية التي عثر فيها على نقوش للجنبية اليمنية.
سلاحٌ للدفاع عن النفس ولطلب النجدة أيضاً
يحمل الخنجر اليمني دلالات ومعاني اجتماعية كثيرة، ترسخت عبر حقب طويلة من الزمن جعلت من هذا السلاح الذي يضعه اليمنى على خاصرته أداة اجتماعية، لها أدوار وظيفية تفوق التلويح بقوة وسطوة صاحبها.
ففضلاً عن كونه سلاحاً شخصياً للدفاع عن النفس في حالة التعرّض لهجومٍ، فإنّه قد يكون وسيلةً لإعلان الضعف والهوان، أو طلب السلام وليس الحرب، وذلك بالتلويح به أمام الخصم بحركة معينة، تعني الرضوخ وقبول المحاكمة على النزال، وذلك وفق التقاليد والأحكام القبلية اليمنية.
كما أنّ تنكيسها أمام وجهاء القبيلة في العرف القبلي المتواتر تعني طلب النجدة والنصرة، وحسب الأعراف والعادات اليمنية لا يلجأ المرء إلى مثل تلك الحركة، المعروفة بـ "التنكيف"، إلا في الملمات والنوازل الكبرى كالاعتداء أو الإغارة.
أنواع الجنابي
تتعدد أنواع الجنابي والخناجر، ولعلّ أشهرها هو الصيفاني، الذي يصنع من قرن وحيد القرن، وجنبية الكرك التي تصنع من قرون الجواميس، أما ما يُصنع من الوعل فهو المصوعي، وهذه هي الأنواع الثلاثة له، لكن أغلاها هو الصيفاني من وحيد القرن.
وسبب ارتفاع سعر الصيفاني يعود لندرة وحيد القرن، وحيد القرن منقرض في اليمن منذ سنين طويلة، هذا يعني أنّ حصولك الآن على جنبية الصيفاني سيكون عمرها على الأقل 40 سنة، وهناك سبب آخر يسهم في رفع سعره إلى هذا الحد، وهو أن صيد وحيد القرن محظور الآن في مختلف أنحاء العالم.
ومنذ حظر تجارة قرون وحيد القرن لجأ اليمنيون إلى استخدام قرون حيوانات أخرى في صنع مقابض الجنابي، بما في ذلك قرون الوعل والجاموس.
وصل سعرها لمليون دولار
قيمة الجنبية تتوقف على أمرين اثنين: عمرها التاريخي، وشكلها الفني، فكلّما كانت قديمة، وشكلها الفني متقناً زاد ثمنها، ووفقاً لهذين المعيارين قد يصل سعر الجنبية إلى أكثر من مليون دولار، وهو ما حدث مع الشيخ ناجي بن عبد العزيز الشايف، الذي اشترى جنبية بمليون دولار أمريكي، كأغلى جنبية في العالم، والتي يصل عمرها إلى ألف عام.
وهناك روايات تتداولها الأوساط الشعبية في اليمن عن جنبية الإمام يحيى بن حميد الدين، وهو قائد الحركة الوطنية اليمنية ضد آخر وجود عثماني في اليمن، والذي تولى الحكم في الفترة ما بين سنوات 1911 و1948، والتي وصلت إلى شيخ قبيلة حاشد، المرحوم عبد الله بن حسين الأحمر، والتي يبلغ ثمنها أكثر من مليون دولار، كونها تعد أشهر الجنابي في اليمن، لأنها تم تناقلها بين ثلاثة ملوك لليمن، قبل أن يستقر بها المقام الآن في عهدة الشيخ صادق الأحمر.