ما زال المغرب يحصي عدد ضحاياه في اليوم الخامس، بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب إقليم الحوز، والذي يُعتبر الأقوى في البلاد منذ 100 عام، مخلفاً أضراراً هائلاً وحاصداً أرواحاً بالآلاف.
وفيما تواصل فرق الإنقاذ جهودها للوصول إلى القرى والبلدات المنكوبة، جراء الزلزال الذي أودى حتى اللحظة بحياة 2497 شخصاً، خسرت البلاد مدناً ومناطق كاملة صارت تحت الأنقاض.
وقد شملت هذه المدن أماكن أثرية شهيرة، أبرزها: قصبة أكادير أوفلا التي تم ترميمها حديثاً، بعد الزلزال الكبير الذي ضرب أكادير سنة 1960، والمسجد الأعظم في قرية تينمل التابعة للحوز.
زلازل المغرب
ليس هذا أول زلزال يضرب البلاد، بل إن زلازل المغرب كثيرة على مدار تاريخها -القديم والحديث- وبعضها خلّف أضراراً أكبر بكثير من زلزال 2023. فالبلاد تقع ضمن منطقة نشطة زلزالياً.
علمياً، تقع المغرب في منطقة توافق التقاء الصفيحة التكتونية الأورو آسيوية والصفيحة التكتونية الأفريقية؛ ما يجعلها من أكثر بلاد المغرب العربي تعرضاً للزلازل.
وفيما يلي زلازل المغرب الأقوى في تاريخ البلاد:
زلزال أكادير (1960)
هو أكثر زلازل المغرب تدميراً في التاريخ الحديث، فقد دمّر مدينة أكادير بالكامل وحوّلها إلى ركام، وبسببه أصبح 35 ألف شخص بلا مأوى.
زلزال أكادير ضرب البلاد في 29 فبراير/شباط 1960؛ ورغم أن قوته بلغت 5.8 درجات على مقياس ريختر واستمرّ 15 ثانية فقط، إلا أنه أسفر عن مقتل 15 ألف شخص، أي أكثر من ثلث سكان المدينة المغربية، وأصاب 25 ألفاً آخرين.
وقع زلزال أكادير في الليلة الثالثة من شهر رمضان المبارك، حين كان العديد من سكان المدينة مجتمعين معاً لتناول الطعام والصلاة، ما زاد من عدد الوفيات. وبسببه تعرّضت "قصبة أكادير" التاريخية، التي يعود تاريخها إلى القرن 16، للتدمير.
نفذت السلطات المغربية عملية إنقاذ ضخمة، تضمنت مساعدة من عسكريين فرنسيين وأمريكيين وهولنديين. وقد أُعيد بناء مدينة أكادير بالكامل، بأمرٍ من الملك الراحل محمد الخامس بن يوسف.
لكن ذلك لا يُلغي أن زلزال أكادير هو أحد أكبر زلازل المغرب، وأكثرها تدميراً، عبر تاريخ البلاد الحديث.
زلزال لشبونة العظيم (1755)
أحد أكثر زلازل المغرب تدميراً في التاريخ الأوروبي كله، وقد وصلت تداعياته إلى شمال أفريقيا ومنطقة الكاريبي أيضاً.
بلغت قوة زلزال لشبونة 8.5 درجة على مقياس ريختر، وقد ضرب البلاد في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني. أما مركزه، فكان في المحيط الأطلسي، بالقرب من رأس الغارف في منطقة "كيب سانت فنسنت".
لم يدمّر زلزال لشبونة المدينة البرتغالية وحسب، بل وصلت قوته إلى السواحل المغربية التي تأثرت كثيراً بحجم هذه الكارثة، خصوصاً مدينة طنجة، إلى جانب المدن الساحلية وأبرزها: الرباط، والعرائش، وأكادير، وتضررت مبانٍ في فاس ومكناس ومراكش أيضاً.
لم يتوقف حجم الزلزال عند هذا الحدّ، بل أتى بعده زلزالٌ آخر وحرائق وتسونامي لاحقة، أدّت جميعها إلى تدمير مدينة لشبونة والمناطق المحيطة بها.
تُقدّر حصيلة ضحايا زلزال لشبونة العظيم بما يتراوح بين 40 إلى 50 شخصاً، ويُعتقد أن نحو 10 آلاف منهم هم في المغرب فقط. لذلك يُعتبر أحد أكبر زلازل المغرب، وحدثاً بارزاً في التاريخ الأوروبي.
نوقش زلزال لشبونة على نطاقٍ واسع من جانب مفكري عصر التنوير، من ضمنهم: جان جاك روسو، وإيمانويل كانط، وفولتير. وقد خضعت آثاره للدراسة الدقيقة في بعض المناطق المتضررة، وهو ما مهّد فيما بعد لظهور علم دراسة الزلازل.
زلزال مكناس (1755)
هو أحد مخلفات زلزال لشبونة العظيم، وقد ضرب المغرب بعد أسابيع قليلة، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1755. بلغت قوته 7 درجات على مقياس ريختر، وكانت مدينة مكناس مركزه الأساسي.
في البداية، صُنّف زلزال مكناس باعتباره هزة ارتدادية لزلزال لشبونة العظيم، لكن الدراسات الحديثة صارت تعتبره حدثاً منفصلاً وقائماً بحدّ ذاته. فقد أحدث دماراً هائلاً في المدينتين المغربيتين، مكناس وفاس، وأودى بحياة ما لا يقلّ عن 15 ألف شخص.
بحسب دراسة فرنسية، نُشرت عام 2009، مات نصف السكان اليهود (لبالغ عددهم 16 ألفاً في مكناس)، بالإضافة إلى مقتل 4 آلاف مسلم من سكان المدينة، و3 آلاف حالة وفاة إضافية في مدينة فاس؛ ما مجموعه 15 ألفاً.
ألحق الزلزال أضراراً جسيمة بالموقع الأثري الروماني "وليلي"، المُدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ العام 1997. وهو من دون شك أحد أكبر زلازل المغرب عبر التاريخ.
زلزال الحسيمة (2004)
ضرب زلزال الحسيمة الساحل الشمالي للمغرب في 24 فبراير/شباط 2004، وأسفر عن مقتل ما يزيد على 600 شخص، ويُعتبر من أعنف زلازل المغرب التي ضربت إقليم الحسيمة.
وقع هذا الزلزال في الساعات الأولى من الفجر، وبلغت قوته 6.5 درجات على مقياس ريختر، نتيجة النشاط الزلزالي على طول المنطقة الحدودية بين الصفيحة التكتونية الأفريقية والصفيحة التكتونية الأوراسية، في المنطقة الأكثر نشاطاً زلزالياً في البلاد.
وإلى جانب الـ630 ضحية التي أودى زلزال الحسيمة بحياتها، فقد أصاب أكثر من 900 آخرين، ونزوح نحو 15 ألفاً من منازلهم. وعلى غرار زلزال المغرب الذي ضرب البلاد نهاية الأسبوع الماضي، كانت المناطق المتضررة جبلية، يَصعُب على فرق الإنقاذ الوصول إليها.