عرف العالم كريم الفازلين (Vaseline) الشهير منذ أكثر من 150 عاماً؛ ورغم أننا نستخدمه اليوم استخداماً محدوداً، لترطيب المناطق الجافة في البشرة -لاسيما القدمين واليدين- فإن لهذا المُنتج تاريخاً طبياً طويلاً.
بسبب خواصه الدهنية، يُعتبر هذا الكريم بمثابة حاجزٍ عند وضعه على البشرة، فهو مادة عازلة للجلد تساعده في الحفاظ على الترطيب. لذلك هو مفيد جداً لعلاج جفاف الجلد من التشققات، خصوصاً في الشتاء.
لكن، وخلف هذا المنتج الموجود في مكانٍ ما داخل كل منزل تقريباً، تاريخٌ مذهل. ويعود الفضل في ذلك إلى شابٍ عشريني رأى إمكانات مادة الـPetrolatum التي اعتُبرت ثانوية، وكان يتم التخلص منها عند إنتاج النفط.
قصة اختراع الفازلين
بدأت القصة في خمسينيات القرن الماضي، حين أصبحت وظيفة الشاب روبرت تشيزبرو مهددة بالانقراض. فقد كان كيميائياً، يعمل على تنقية مادة الكيروسين من زيت حيتان العنبر، لأنه كان يُعتبر وقتئذٍ مصدراً مهماً للطاقة المنزلية والصناعية.
لكن مع اكتشاف النفط في ولاية بنسلفانيا، انتهت وظيفته عملياً، فقرر ترك بروكلين والسفر إلى هناك لمعرفة كيفية استخراج النفط، وما هي هذه المادة السوداء التي تخرج من الأرض.
أثناء وجوده في حقول النفط بمدينة تيتوسفيل، لاحظ تشيزبرو أمراً مثيراً للاهتمام، كان بداية اكتشافه المذهل. انتبه إلى وجود مادة سوداء تُشبه العجينة، تعلق بين أسنان مضخات النفط ويعتبرها العمال مصدر إزعاج، لأنها تعيق حركة المضخات إثر تراكمها.
أثارت المادة اهتمام روبرت تشيزبرو، بعدما أخبره العمال بأنهم يُطلقون عليها اسم "شمع القضيب"، وأنهم يستخدمونها في علاج الجروح والحروق. فبدأ بجمع المادة الشمعية السوداء، وعاد عام 1859 إلى بروكلين حيث بدأ عملية تنقيتها.
استمرت العملية 5 سنوات قبل أن يكتشف أن باستطاعته إنتاج هلامٍ فاتح اللون عن طريق تقطير الزيوت الرقيقة، والأخف وزناً، من قضيب الشمع. وفي العام 1865، حصل على براءة اختراع لهذه العملية، قبل أن يمضي 10 سنوات أخرى في تحسين جودة عملية التنقية.
خلال تلك السنوات الـ10، اتخذ من جسمه حقلاً للاختبار، وفقاً لموقع ati الأمريكي. كان يتعمد حرق جلده بالحمض، لاختبار فاعلية اكتشافه وخصائصه الشفائية. وحين لاحظ سرعة التئام الجروح ومقاومتها للالتهاب، بعد دهنها بالمادة المنقاة، بدأ التسويق لها.
بحلول العام 1870، افتتح مصنعه الأول، وبعد سنتين أطلق على منتجه اسم الفازلين. وبسبب نجاح تجربته، أصبح هناك 10 موظفين مهمتهم التسويق للمنتج. كانوا يجوبون شوارع نيويورك، ويبيعون كل 30 غراماً من المرهم البترولي مقابل سنت واحد.
وبحلول العام 1875، كان الأمريكيون يشترون هذا الكريم بمعدل جرة واحدة في الدقيقة، أي أكثر من 1400 علبة في اليوم. وبذلك، أصبح من المستلزمات الضرورية والموجودة داخل كل منزل في جميع أنحاء البلاد.
استخدامات الفازلين المتعددة
بدأ الناس يتعرفون أكثر فأكثر على استخدامات الفازلين المتنوعة، وسرعان ما استخدمته الأمهات لعلاج حساسية جلد أطفالهن بسبب الحفاضات. بالمقابل اكتشف العمال، الذين تحتم عليهم العمل في الخارج خلال الصقيع، أنه يخفف من جفاف وتشقق الجلد.
ووفقاً لموقع Paraffin Co، لعب الفازلين دوراً كبيراً في رحلة استكشاف القطب الشمالي عام 1909، حين استخدمه المستكشف روبرت بيري لوقاية جلده من التشقق، ولحماية معدّاته المعدنية من الصدأ والتآكل.
ويروي الموقع الرسمي لـVaseline كيف كانت هذه المادة الهلامية عنصراً أساسياً في الحرب العالمية الأولى، وكيف استخدمه الجنود الأمريكيون لعلاج الجروح والكدمات في الخنادق، إضافةً إلى تخفيف حروق الشمس.
ولأنه يتمتع بمادة عازلة، فقد ساعد في التئام الجروح غير العميقة، فازداد الطلب على الفازلين بشكلٍ كبير لدرجة أن العديد من الجنود طلبوا من ذويهم إرسال المزيد.
ولم تتوقف استخدامات الفازلين المتعددة، فقد أثبت فعاليته خلال الحرب العالمية الثانية أيضاً، حين تم تكليف الشركة المصنعة له -من قِبل الجراح العام للجيش الأمريكي- بإنتاج ضمادة معقمة تحتوي عليه من أجل إرسالها إلى صفوف الجنود، للمساعدة على التئام الجروح.
كان مكتشف الفازلين، روبرت تشيزبرو، يرى أن مادته الهلامية معجزة حقيقية ويمكنها شفاء المرضى. فعندما أُصيب بمرض التهاب غشاء الجنب، وكان في الخمسينيات من عمره، أوصى ممرضته بدهن جسده بالكامل بالفازلين، وكان يتناول ملعقة من الفازلين يومياً.
لم يقتصر تناول الفازلين على روبرت تشيزبرو وحده؛ وفقاً للجمعية التاريخية للنفط والغاز الأمريكية (AOGHS)، فقد استخدم الخبازون الفرنسيون الفازلين في صناعة الكيك والمعجنات بشكلٍ واسع، لأنه لا يُمكن للعجينة أن تفسد مهما حُفظت، كما يحصل عند استخدام الزبدة.
توفي تشيزبرو بعد 40 عاماً من إصابته بالمرض، سنة 1933، حين كان الفازلين قد بدأ ينتشر كثيراً من قارة إلى أخرى، واعتمد عليه كثيرون بصفته الخيار الأكثر أماناً ونقاءً.
وقد بقي روبرت تشيزبرو رئيساً للشركة حتى العام 1908، حين أصبح إنتاج الفازلين يتم في نيوجيرسي بعد انتشاره، ومن ثم توسّع إلى كندا وأوروبا وأفريقيا. وفي العام 1987، تم شراء الشركة من قِبل شركة يونيليفر (Unilever) العالمية.