يوماً بعد يوم يزداد الخوف من اقتراب وقوع كارثة مناخية ناجمة عن الانبعاثات السامة التي تخلفها الدول الصناعية، لذا تتوجه العديد من دول العالم الباحثة عن مصدر الطاقة البديلة إلى الطاقة النووية، والسبب في ذلك هو بحثها عن مصدر وفير للطاقة بدون انبعاثات مباشرة من ثاني أكسيد الكربون ويوفر طريقاً واضحاً لمساعدة العالم على تحقيق أهدافه المتعلقة بالحد من تلك الانبعاثات، لكن ذلك الأمر يجعل العالم والأجيال المقبلة تصطدم بـ النفايات النووية المدفونة وأثارها.
إذ لا يخلو بطبيعة الحال الإعتماد على الطاقة النووية من مخاطر جسيمة، ولعلّ ما أحدثته كارثة تشيرنوبيل وثري مايل آيلاند النوويتين لا يزال عالقاً في ذهن البشرية، إذ إنّ التخلص من النفايات النووية المدفونة وتفادي آثارها يشكل أبرز تحد أمام التحولات الطاقوية التي يشهدها العالم حالياً.
تظلّ النفايات النووية المدفونة مشعة لمدة عشرة آلاف عام على الأقل، ولعلّ أبرز الحلول للتخلص الآني منها هو دفنها تحت الأرض أو تخزينها في مكانٍ ما بعيداً عن السكان من أجل حمايتهم، إذ إنّه منذ ما يقرب من خمسة عقود، ظل البشر يدفنون النفايات النووية في أعماق الأرض. لكن كيف سيكون الأمر مع الأجيال القادمة إذا لم تعلم عن تلك النفايات ومواقع دفنها، فكيف نحذر الأجيال القادمة من خطر النفايات النووية؟
ما النفايات النووية المدفونة؟
وفقاً لموقع whatisnuclear، النفايات النووية المدفونة هي مواد مُشعة تُخلفها المفاعلات النووية التي تقوم بعمليات إنتاج كميات كبيرة من الطاقة الناجمة عن عمليات الانشطار النووي، ولكن تتسم هذه النفايات النووية بالخطورة نظراً لأنها ذات طبيعة إشعاعية، وهو المصدر الأكبر للضرر على الإنسان والبيئة، والذي يستمر لآلاف السنين.
كما أن النفايات المشعة لا تقتصر على عمليات إنتاج الطاقة فقط، بل تنتج كذلك من مجموعة واسعة من الأنشطة التي تُجرى في مجالات الصناعة والطب والبحث والتطوير والزراعة وبالطبع تختلف طبيعة المخلفات النووية الناتجة عن كل عملية.
كيف نحذر الأجيال من خطر النفايات النووية المدفونة؟
في عام 1980، قامت حكومة الولايات المتحدة بتشكيل لجنة من الخبراء للحديث عن المستقبل، وكيفية حماية الأجيال من النفايات النووية، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تتراكم النفايات النووية الناتجة عن المفاعلات في جميع أنحاء العالم.
وفقاً لموقع nationalgeographic، كان طريق هذه النفايات إمّا الدفن تحت الأرض، أو التخلص منها في قاع البحر، مما جعلها تهديداً غير مرئي وقاتلاً لأي شخص يقترب من مواقعها.
ضمت اللجنة، التي أُطلق عليها اسم "فريق عمل التدخل البشري"، عالم آثار، ومختص نفساني، وعالم مناخ، وخبراء في التواصل اللفظي والتواصل بالإشارات، تم تكليفها بإيجاد طرق لتحذير الناس من النفايات النووية على مدار آلاف السنين المقبلة.
بعد سنواتٍ من العمل، قدمت فرقة العمل تقريرها. وكانت حلولهم غايةً في الغرابة.
إذ خلصت اللجنة إلى بعض الإجراءات الغريبة لتحذير السكان من خطر النفايات النووية المدفونة، من أبرز تلك الإجراءات ما يلي:
خلق روايات وأساطير حول مواقع النفايات المدفونة لإخافة الناس منها
اقترح أحد أعضاء اللجنة وهو المختص في التواصل غير البشري توماس سيبوك خلق روايات كاذبة عن المستودعات ومخازن النفايات النووية، وذلك بالاعتماد على أدوات الأسطورة والطقوس، من أجل خلق ما يسمى بـ "الكهنوت الذري" من أجل إخافة الناس من أماكن ومواقع النفايات النووية المدفونة.
في هذا الشأن كتب سيبوك في تقريره: "يمكن توقع طقوس تتجدد سنوياً، مع إعادة سرد الأسطورة سنة بعد سنة".
واعترف سيبوك بوجود مشاكل كبيرة في الفكرة، فقد أشارت التجارب إلى فشل الأساطير في الحد من اخافة المجتمعات، وذلك بسبب نشرها الجهل والفروقات بين المجتمعات البشرية.
وحتى إنّ الأمثلة الناجحة في التاريخ البشري التي استعملت الخرافة والأسطورة للتخويف كانت نتائجها كارثيةً على المجتمعا، ولعلّ أبرز مثالٍ على ذلك فكرة اللعنة التي انتشرت في المجتمعات المصرية القديمة لحماية مواقع دفن الفراعنة، فقد كان مصير تلك الأسطورة إما التجاهل أو كانت بمثابة تشجيع لصوص المقابر.
مع ذلك تم تضمين فكرة سيبوك في استطلاع للرأي حول الطرق البديلة لتوصيل الرسائل حول تخزين النفايات النووية، والذي نُشر في Zeitschrift für Semiotik (مجلة السيميائية).
بناء أعمدة من الجرانيت على حدود مواقع دفن النفايات النووية
من الطرق البديلة التي أقرتها فرقة العمل المعنية بالنفايات النووية المدفونة هي وضع أعمدة من الجرانيت لتحديد حدود مواقع النفايات النووية المدفونة.
إذ رأت اللجنة أن الطريقة الأكثر فعالية لتخويف الأجيال القادمة من خطر النفايات النووية المدفونة هي من خلال إنشاء نصب تذكارية ضخمة حول مواقع تخزين النفايات النووية والتي تم تصميمها لإثارة الشعور بالخطر والرهبة.
إحدى "علامات التوقف" المقترحة عبارة عن منظر طبيعي مترامي الأطراف من الأشواك الضخمة الشبيهة بالصخور الخارجة من الأرض في كل اتجاه، بينما تشير أخرى إلى نوع من "ستونهنج" الذري فوق مستودع النفايات، الذي يتكون من أعمدة ضخمة من الجرانيت تحدد حدوده وأسوار ترابية.
وفي قلب تلك المواقع يتم دفن أقراص ورقائق يحتوي على معلومات حول الموقع.
إنشاء جيل من القطط المشعة
فكرة أخرى من لجنة العمل من أجل تحذير المجتمعات القادمة من خطر النفايات النووية المدفونة، وهي تعديل فئة من القطط وراثياً ليتغير لونها عند التعرض للإشعاع، على أمل أن يظهر جيل من قطط الإشعاع، التي تُعلم البشر على مدى آلاف السنين الهروب من المنطقة عندما يتغير لونها.
اعتقد الخبراء أنه في المستقبل يمكن تربية القطط لتغيير لونها في وجود الإشعاع، بعد ذلك يتم إطلاق القطط في البرية من أجل تحذير المجتمعات من أماكن النفايات النووية.