في الوقت الذي تحتفل فيه الجزائر بذكرى استقلالها الـ61، الموافق لـ5 يوليو/تموز، وذلك بعد قضائها أزيد من 132 سنة في قبضة الاحتلال الفرنسي، تكون قد مرّت 322 سنة على وفاة الحاج حسين ميزو مورتو، أحد أبرز الشخصيات الجزائرية التي قهرت الفرنسيين، فقد نجح الباشا حسين ميزو مورتو في تأخير الاحتلال الفرنسي للجزائر لأزيد من 130 سنة، وذلك بعد أن هزم الملك لويس الرابع عشر أعظم ملوك فرنسا، وقدف سفيره في الجزائر بالمدفع، ولم يتوقف البحار ذو الأصول الإيطالية عند ذلك، بل حاصر فرنسا وحاول أن يحتلها.
حسين ميزو مورتو.. الأسير الإيطالي الذي صار قائداً للبحرية الجزائرية
لا يُعرف الكثير عن الحياة المبكرة لميزو مورتو، غير أنه وُلد في القرن الـ17، واختلف المؤرخون في أصوله، إذ ورد في كتاب "البحرية العثمانية" للمؤرخ دانيال بانزاك، أن حسين ميزو مورتو وُلد في جزيرة ميورقة الإسبانية لأسرة مسيحية قيل إنها ذات أصول أندلسية، فقرر حسين في شبابه العودة لجذوره، فانشق عن الإسبان واعتنق الإسلام وأتى إلى الجزائر بإختياره.
أما المؤرخان الجزائريان أبو القاسم سعد الله ومبارك الميلي، فيعتبران أن حسين ميزو مورتو كان من أصولٍ إيطالية، قبل أن يقع في أسر البحارة الجزائريين، ويشهر إسلامه في الجزائر بسبب حسن المعاملة التي تلقاها، ويغيّر اسمه إلى حسين، ثم ينتسب إلى الأسطول الجزائري.
فخلال القرن السابع عشر، كانت أسماء البحارة الجزائريين تثير الذعر في غرب المتوسط، وكان حلم أي بحار مبتدئ أن يقاتل على ظهر السفن الجزائرية، وأن يتقاسم مع بحارتها الغنائم الوفيرة، وبطبيعة الحال كان ذلك هدف كثير من البحارة الأوروبيين ومن بينهم حسين ميزو مورتو.
إذ صادفت ولادة ميزو مورتو في النصف الأوّل من القرن السابع عشر العصر الذهبي للبحرية الجزائرية، التي انتمى إليها بدءاً من العام 1674.
وأما سبب تلقيبه باسم "ميزو مورتو"، والذي يعني باللغة الإيطالية "النصف ميت"، فراجعٌ إلى الإصابات القاتلة العديدة التي تلقاها في المعارك التي خاضها، إذ كان في كل مرة يتم عدّه مع الأموات ولكنه بعدها يستيقظ، ومنها تلقيه ضربة قاتلة بالسيف على رأسه، وأما الثانية فإصابته بقذيفة على ظهره.
أفشل الحملة الفرنسية على الجزائر في القرن الـ17
تدرّج حسين ميزو مورتو في المناصب البحرية بالأسطول الجزائري، حتى صار أحد أبرز وأشهر رياس البحر في فترة حكم البابا حسن للجزائر.
وتزامن ذلك، مع وصول العلاقات بين الجزائر وفرنسا إلى الحضيض، وذلك بعد نشوب أزمة بين البلدين بسبب الأسرى واستياء فرنسا من النشاط البحري للأسطول الجزائري؛ الأمر الذي أدى إلى إطلاق الملك الفرنسي لويس الرابع عشر حملة عسكرية ضد الجزائر سنة 1682، لكن الحملة فشلت.
وأثناء تفاوض الداي بابا حسن مع الفرنسيين، قبل الداي أن يرسل حسين ميزو مورتو أسيراً لدى الفرنسيين، وذلك بعد أن أوهمه بإرساله في مهمة تفاوضية، لكن ميزو مورتو تفطّن للخدعة في آخر لحظة.
بعد سنة من تلك العملية، عُيّن ميزو مورتو في منصب وزير الدفاع بالحكومة الجزائرية العثمانية، وتولى بنفسه مسؤولية الدفاع عن مدينة الجزائر من أي هجوم فرنسي محتمل.
وبالفعل، أعاد الفرنسيون في الـ26 يونيو/حزيران 1683، الكَرّة بالهجوم مجدداً على مدينة الجزائر؛ في محاولةٍ منهم لتدميرها واحتلالها وذلك من خلال حملة عسكرية كبيرة بقيادة الأدميرال دوكين.
وأمام هذه الحملة الفرنسية القادمة أبدى داي الجزائر بابا حسن ضعفاً وخوفاً فأعلن قبوله التفاوض مع الفرنسيين، وأبدى استعداده لدفع جزية كبيرة وإطلاق جميع الأسرى الفرنسيين في الجزائر، ولكن هذا الرضوخ من الداي بابا حسن لم يعجب طائفة رياس البحر ومنهم حسين ميزو مورتو الذي قام بالتمرد على الداي بابا حسن وقتله.
اختارت طائفة رياس البحر حسين ميزو مورتو داياً خلفاً لبابا حسن، حيث اتهم ميزو مورتو الداي بابا حسن بالخيانة، لأنه أرسل إليه أوامر بعدم قصف القوات الفرنسية، وكذلك أمر بنقله إلى منطقة بعيدة عن البحر، وتآمر عليه حينما حاول تسليمه سابقاً كرهينة عند الفرنسيين.
ومباشرةً بعد توليته حكم الجزائر، شرع ميزو مورتو في الاستعداد لصد الحملة الفرنسية الكبرى على الجزائر صيف 1683.
قذف بالسفير الفرنسي من المدفع
كان توجيه خطاب شديد اللهجة إلى قائد الحملة الفرنسية على الجزائر الأدميرال أبراهام دوكاين، أوّل عملٍ يقوم به حسين ميزو مورتو حين جلس على عرش الجزائر، فقد بعث الأخير برسالة شديدة اللهجة إلى دوكاين ينذره فيها بكارثة وخيمة للأسرى الفرنسيين الموجودين في الجزائر إذا لم ينهِ حصاره لمدينة الجزائر، إلا أن دوكين كان مغتراً بقوَّته فرفض الاستماع لتهديد الداي الجديد.
ولإثبات جدية تهديداته، قام حسين ميزو مورتو باحضار القنصل الفرنسي لدى الجزائر جون لوفاشي الذي كان مسجوناً بتهمة التجسس، وقام بإدخاله في فوهة المدفع بابا مرزوق عنوة، وقذف به إلى البحر أمام أنظار الأدميرال دوكين، الذي شاهد أشلاء قنصله وهي تتناثر في البحر.
وأتبع ميزو مورتو القنصل الفرنسي بعشرين أسيراً فرنسياً قذف بهم بالمدفع بابا مرزوق، وهو المدفع الذي لا يزال موجوداً في فرنسا بعد أن أخذته غنيمة حرب عند احتلالها الجزائر عام 1830، وأمام هذا التحدي الكبير لم يجد دوكين سوى الانسحاب بعدما فشل في تحقيق شروطه.
أخّر احتلال فرنسا للجزائر لأكثر من قرن وكاد يحتلها
بعد فشل حملتها وعلى الرغم من مقتل قنصلها وعددٍ كبيرٍ من أسراها، قامت فرنسا بإرسال وفد للتفاوض مع الجزائر تُوج بعقد اتفاقية سلام بين الطرفين، تعهدت من خلالها فرنسا بعدم مهاجمة الجزائر أو عقد تحالفٍ ضدها لمدة 100 سنة، وهي الاتفاقية التي تمت كتابتها باللغة العربية، وبفضلها توقفت نوايا الفرنسيين في غزو الجزائر إلى غاية 1830، حين توافرت شروط نجاح ذلك الغزو بنهاية أسطورة الأسطول الجزائري.
ورغم تلك الاتفاقية، فإنّ حسين ميزو مورتو شنّ حملة عسكرية معاكسة على فرنسا سنة 1688، حين توجه بأسطوله لمحاصرة فرنسا؛ وذلك بسبب قضية الأسرى والتجارة في المتوسط، وبالفعل نجح في احتلال أجزاءٍ من الساحل الفرنسي، قبل أن تستعين فرنسا بالسلطة العثمانية التي تدخلت لإيقاف حملة حسين ميزو مورتو تلك.
وحّد الجزائر وتونس، وخاض حرباً ضد إسبانيا من أجل تحرير وهران
بعد إنهائه للخطر الفرنسي، كان هناك خطرٌ داخلي يهدد عرش حسين ميزو مورتو، والمتمثل في الاضطرابات التي شهدتها الجزائر في عام 1686، والتي اتهم فيها ميزو مورتو حاكمَ تونس بإثارتها، الأمر الذي جعل الداي حسين يرسل جيشاً بقيادة مساعده إبراهيم خوجة، لتأديب باي تونس وتنصيب بايٍ جديدٍ تابعٍ للجزائر، وهو ما تمّ حين نصّب إبراهيم خوجة الباي أحد الذي كان لاجئاً بالجزائر حاكماً على تونس.
وفي عام 1687م، أعلن ميزو مورتو بداية حملته لتحرير وهران من الاحتلال الإسباني، واستطاع إبراهيم خوجة قتل حاكم وهران الإسباني وتحرير أراضٍ واسعة، وفرض حصاراً على وهران بالتحالف مع قبائل جزائرية، لكن تلك الحملة توقفت بعد عزل ميزو مورتو من حكم الجزائر وتعيينه قائداً في البحرية العثمانية، حيث واصل حسين باشا مهامه حتى وفاته سنة 1701 بإحدى الجزر اليونانية.