منذ دخولها تحت مظلة الدولة العثمانية سنة 1519، حكم الجزائر العديد من الشخصيات البارزة التي كتبت فصولاً من المجد للدولة العثمانية، من خير الدين بربروس الذي تولى قيادة الدولة العثمانية، إلى صالح رايس ومراد رايس اللذين حققا إنتصاراتٍ هائلة للأسطول العثماني في المتوسط، إلى الرايس حميدو الذي أجبر السفن الأمريكية على دفع الجزية إلى إيالة الجزائر العثمانية، وبين هؤلاء وصل إلى حكم الجزائر شخصياتٌ آخرى أقل تأثيراً، بل منهم من كان لا يحلم أصلاً بالوصول إلى منصب الداي، مثل علي الغسال، الذي كان يمتهن غسل الموتى، قبل أن يجد نفسه صدفةً حاكماً على الجزائر، وذلك بعد أن إتفق على اسمه عناصر الإنكشارية الذين أنقلبوا على سلفه أحمد باشا.
هذا الحاكم الذي تميّزت فترة حكمه بالفوضى والاضطرابات، لم يدم حكمه سوى 6 أشهر، وذلك بعد أن تأمر عليه الإنكشارية من جديد وأعدموه في قصره شنقاً.
الصدفة تنقل علي الغسّال من مغسلة الموتى إلى حكم الجزائر
لا يُعرف الكثير عن حياة علي الغسال، قبل أن يصير حاكماً على الجزائر، سوى مهنته التي أخذ منها كنيته، وهي غسل الموتى، فقد كان علي الغسال يشتغل في البداية بمهنة غسل الموتى بقصر الداي، وكان شاهداً على مئات جرائم الإنكشارية التي كان قصر الداي مسرحاً لها، قبل أن يصير إماماً بالقصر، ثم سرعان ما تدرّج في الرتب والمناصب حتى صار مسؤولاً عن التشريفات في القصر خلال فترة حكم الداي أحمد باشا، ثم حصل على لقب الخوجة.
ومنذ سبعينيات القرن الثامن عشر، كان الصراع بين فرقة الإنكشارية ورياس البحر على الحكم في مرحلة الدايات في أوجه، فقد كانت فرقة الإنكشارية تثير الفوضى في كلّ فترة بسبب مطالبة عناصرها بزيادة الرواتب، وذهب العديد من الدايات ضحية لجشع الإنكشارية.
كان الداي أحمد باشا أحد ضحايا الإنكشارية، الذين طالبوه بزيادة رواتبهم أو خلعه من منصبه، ففي السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1808، هاجمت قوة من الإنكشارية قصر الجنينة التي كان يقيم فيها الداي أحمد باشا، واحتلوا القصر وقاموا بقطع رأس الداي أحمد باشا.
ولم يمضِ الكثير من الوقت حتى اختلف عناصر الإنكشارية في خليفة الداي أحمد باشا، واتفقوا على تولية أوّل رجل يدخل إلى غرفة الداي، فكان ذلك الشخص هو علي الغسال.
حكم 6 أشهر وأدخل الجزائر في الفوضى
وفقاً لكتاب "الأتراك العثمانيون في شمال إفريقيا" للمؤرخ عزيز سامح التر، فقد عرف عن علي الغسال أنّه كان عصبي المزاج وغداراً وضعيف التفكير، وأنّ أوّل عملٍ شرع فيه علي الغسال بعد توليه حكم الجزائر، هو قتل أتباع ورجال أحمد باشا واحداً تلو الآخر، كونه كان يخشى أن يغدروا به انتقاماً لسيدهم.
كما التفت علي الغسال إلى الإنكشارية وحاول لجم نفوذهم وسيطرتهم على الحكم من خلال اتباع سياسة ماكرة من خلال إعطائهم مطالبهم المادية، وفي المقابل كان الغسال يحيك ضدهم المؤامرات، الأمر الذي مكّنه من القضاء على كثير من قادة الجيش الإنكشاري، الذين كانوا وراء التمرّد على السلطة".
وعلى عكس بقية حكام الجزائر خلال العهد العثماني، والذين كانوا يتميزون بالميل إلى إحدى الطائفتين: رياس البحر أو الإنكشارية، فإنّ علي الغسال اختار أن يعادي الجميع.
فبعد أن أقام المؤامرات ضد الإنكشارية، توجه إلى رياس البحر، وبدأ في صراعٍ معهم، حيث قام بنفي أبرز قادتهم وهو الرايس حميدو، وذلك بحسب مذكرة أكاديمية بعنوان: "التحالف الأوروبي وتجدد العلاقات الجزائرية الفرنسية"
ويمكن القول إنّ فترة حكم علي الغسال كانت مليئةً بالإضطرابات والثورات، فقد بلغت الفوضى أقصى ذروتها في ذلك الوقت، كما حدث انقسام في فرقة الإنكشارية بسبب إفلاس الخزينة ساهم في تردي الأوضاع الأمنية بالجزائر.
فقد شاع النهب والسلب أكثر في فترة الفوضى تلك التي عاشتها البلاد، ما جعل السكان يعيشون رعباً حقيقياً ولم يكونوا يأمنون على حياتهم وحياة أولادهم، وكان هذا الوضع سبباً في التعجيل بمقتل علي الغسّال، وذلك بعد 6 أشهر فقط من بداية حكمه.
علي الغسّال.. الداي الذي لم يبكِ عليه أحد!
كما سبق أن ذكرنا، فإنّ الإنكشارية في فترة حكم علي الغسال قد انقسمت إلى فرقتين، واحدة تريد نهب السكان ومدينة الجزائر بناء على طلب علي الغسال الذي لم يجد ما يدفعه لجنود الإنكشارية، وأخرى معارضة لذلك، وأبدت استعدادها لحماية السكان والجزائر.
وفي خضم الصراع بين الفرقتين، عقد معارضو النهب من الجيش الإنكشاري اجتماعاً تقرر فيه قتل علي الغسال. وفعلاً، فقد هجموا في السابع من فبراير/شباط 1809، على قصر الغسال وأرادوا إجباره على الانتحار بالسم، فرفض محتجاً بأن الدين يمنعه من ذلك، فقتلوه شنقاً، وذلك وفقاً لكتاب: "تاريخ الجزائر في القديم والحديث"
وعلى الرغم من أنّ مصير الدايات وحكام الجزائر خلال تلك الفترة كان متشابهاً، فإنّ تأثيرهم على السكان كان مختلفاً، بحيث كان يحزن الجزائريون على سماع خبر مقتل حاكمهم، إلا في حالة الداي علي الغسال، فيمكن القول إنّ أهالي الجزائريين فرحوا بمقتله.