إذا شاهدتم فيلم V for Vandetta، فلا بد أن وجه غاي فوكس مؤلوفاً بالنسبة إليكم. وبعيداً عن توظيفه في الفيلم، تختلف وجهات النظر حول هذه الشخصية، فالبعض ينظرون إليه باعتباره مقاتلاً سعى نحو الحرية، فيما ينظر إليه آخرون على أنه إرهابي متآمر، فما قصته، وما قصة مؤامرة البارود التي كان أحد أطرافها؟
من هو غاي فوكس؟
كان فوكس ينتمي إلى مجموعة صغيرة من الرومان الكاثوليك الإنجليز، وقد كانت تلك المجموعة مستاءة من الحكم البروتستانتي لإنجلترا في مطلع القرن السابع عشر.
لذا، ومن أجل استعادة الحكم الكاثوليكي في البلاد، دبَّرت هذه المجموعة من المتآمرين خطة جريئة لتفجير البرلمان واغتيال الملك جيمس الأول.
لكنَّ الخطة أُحبِطَت حين اكتُشِفَ غاي فوكس في قبو البرلمان بعد منتصف ليل 5 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1605. وبعد ذلك بقليل، حُوكِمَ هو والمتواطئون معه وأُعدِموا بتهمة الخيانة.
ولا يزال يوم الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني معروفاً في المملكة المتحدة باسم "يوم غاي فوكس" –أو "ليلة غاي فوكس" أو "ليلة الشعلة"- وتتضمَّن عدداً من الاحتفالات في ذكرى محاولة الاغتيال، من ضمنها إشعال النيران، والألعاب النارية، وإحراق دمى غاي فوكس.
لكن مع أنَّ فوكس أشهر رمز لمؤامرة البارود، فإنَّه كان فقط رجلاً ضمن 13 اشتركوا في التخطيط لها. ولم تكن هذه المجموعة هي الوحيدة التي خططت لقتل الملك جيمس الأول، وفقاً لما ورد في موقع All That's Interesting الأمريكي.
الأسباب الكامنة وراء مؤامرة البارود عام 1605
ظلَّت لبريطانيا علاقات وثيقة بالكنيسة الكاثوليكية طوال فترة كبيرة من تاريخها. لكن آنذاك، عام 1534، أراد الملك هنري الثامن فسخ زواجه بكاثرين الأراغونية، ورفض البابا الموافقة على ذلك، إذ إن الطلاق يعتبر مخالفة لتعاليم الكنيسة.
وانطلاقاً من عزمه على إنهاء الزيجة بموافقة البابا أو بدونها، نصَّب هنري الثامن نفسه الحاكمَ الأعلى لكنيسة إنجلترا. ومن هنا، بدأت إنجلترا التحول من الكاثوليكية إلى البروتستانتية.
ثُمَّ بعد مرور أكثر من نصف قرن، ارتقى ملك آخر إلى السلطة، وقد كان ملك أسكتلندا جيمس السادس. كان جيمس نجل ملكة أسكتلندا ماري، وهي ملكة كاثوليكية قُطع رأسها في نهاية المطاف، لأنَّها شكَّلت تهديداً لابنة عمها، الملكة البروتستانتية إليزابيث الأولى.
مع ذلك، عيَّنت إليزابيث جيمس وريثاً لها وهي على فراش الموت، ثُمَّ أصبح جيمس الأول ملكاً لإنجلترا عام 1603. لكن مثلما تشير محطة UK History، رسم ماضي جيمس ملامح الملك الذي سيكونه في المستقبل.
ففي عام 1597، نشر جيمس رسالة عن السحر والعرافة أُطلِقَ عليها "Daemonologie"، والتي بحثت في التأثير المزعوم للشياطين على عامة الناس، وأجمل عدداً من الموضوعات الأخرى الخارقة للطبيعة.
من الواضح أنَّ جيمس كان لديه خوف بالغ من السحر والتنجيم. حتى إنَّه وصل إلى درجة الادعاء بأنَّ مجموعة من الساحرات أعادت تعويذة في عام 1589 لاستدعاء عاصفة تُرهِب الملك صاحب الـ23 عاماً آنذاك، بعد فترة قصيرة من قراره الزواج من آن الدنماركية (التي كانت تبلغ 14 عاماً فقط حينها).
كان جيمس باختصار ملكاً غريب الأطوار، ولم يسعَ لكسب ود البروتستانت ولا الكاثوليك في مملكته، بل اتبع سياسته الخاصة، مما أثار غضب الطرفين.
وفي عام 1603، بلغ هذا الغضب ذروته بـ"مؤامرة الوداع"، وهي محاولة من الكاثوليك والمتزمتين للقبض على الملك واستبداله. ومع أنَّها فشلت في النهاية، فإنَّها مثَّلت مقدمة لمؤامرة البارود الأكثر شهرة بكثير.
محاولة اغتيال الملك
على الرغم من أنَّ الملك جيمس الأول بدا في البداية متعاطفاً مع الإنجليز الكاثوليك، فإنه سرعان ما تراجع عن ذلك حين قال في خطاب أمام البرلمان عام 1604، إنَّه "يمقت" الديانة الكاثوليكية (مع أنَّ زوجته نفسها كانت كاثوليكية).
كان هذا مزعجاً بشكل خاص للإنجليز الكاثوليك بعد الاضطهاد الديني القاسي الذي واجهوه تحت حكم الملكة إليزابيث الأولى.
أثار إعلان جيمس غضباً بشكل خاص من كاثوليكي متدين يُدعى روبرت كاتسبي، والذي كان والده قد تعرَّض للاضطهاد لرفضه الانصياع لكنيسة إنجلترا طوال عهد الملكة إليزابيث.
وعلى أمل وضع حد لاضطهاد الكاثوليك، بدأ كاتسبي يلتقي سراً مع كاثوليك آخرين من أجل التخطيط لاغتيال جيمس الأول. وكان المتآمرون يأملون بعد وفاة جيمس أن تُنصَّب ابنته، الأميرة إليزابيث، ملكة صورية وبذلك تتم إعادة تأسيس الحكم الكاثوليكي في البلاد.
التقت مجموعة المتآمرين، التي ضمَّت 13 رجلاً، لأول مرة في 20 مايو/أيار 1604، وأدوا قَسماً بالحفاظ على السرية حين بدأوا في التدبير لمؤامرة البارود. كان من بينهم الكاثوليكي المتحمس غاي فوكس، وكان خبير متفجرات قاتلاً سابقاً في جيش إسبانيا الكاثوليكية.
كانت الخطة الأولية للمجموعة هي حفر نفق تحت مجلسي البرلمان، وتهيئة النفق بالمتفجرات، وتفجيرها. لكن في عام 1605، نجحوا بدلاً من ذلك في استئجار قبو تحت مجلس اللوردات مباشرةً، وهو موقع استراتيجي (وملائم) أكثر بكثير للمتفجرات.
كانت الخطة الجديدة تشمل دخول فوكس إلى القبو، الذي يحتوي على براميل من البارود، خلال "افتتاح البرلمان" يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1605. لكن قبل أيام فقط، في 26 أكتوبر/تشرين الأول، تلقّى صهر أحد المتآمرين، اللورد مونتيغل، رسالة مجهولة.
كانت تحذيراً لمونتيغل: لا تحضر افتتاح البرلمان.
سلَّم مونتيغل الرسالة بعد ذلك إلى روبرت سيسيل، كبير وزراء جيمس الأول. في غضون ذلك، علم المتآمرون بأنَّ مونتيغل تلقّى الرسالة. واختاروا مواصلة الخطة على أي حال.
اعتقال غاي فوكس
حين عاد الملك جيمس الأول من رحلة صيد في مقاطعة كامبريدج شاير في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، أطلعه سيسيل على الرسالة. وبعد أيام قليلة، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، قام رجال جيمس بتفتيش شامل في أقبية البرلمان وعثروا على مخبأ من الحطب، وفوكس معه.
أخبرهم فوكس بأنَّ اسمه هو جون، وأنَّ الحطب يعود لسيده، وهو مُحرِّض كاثوليكي معروف يُدعى توماس بيرسي. لم يقنعهم ذلك ببراءته، وبعد ذلك بفترة قصيرة، في الساعات الأولى من يوم الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، أمر جيمس الأول بالقيام بعملية تفتيش أخرى للأقبية.
ومجدداً، عُثِرَ على فوكس، بجانب 36 برميل بارود. وكان هذه المرة يحمل فتائل وثقاباً. وقُبِضَ على فوكس سريعاً.
ووفقاً لشبكة History، تعرَّض فوكس حينها للتعذيب من جانب السلطات. وفي نهاية المطاف، اعترف فوكس بأنَّه جزء من مؤامرة كاثوليكية إنجليزية للقضاء على القيادة البروتستانتية. وكشف أيضاً أسماء المتواطئين معه، وسرعان ما حاول كلٌ منهم الفرار.
قُتِلَ كاتسبي وبيرسي وجاك رايت وكيت رايت خلال محاولاتهم للفرار. واعتُقِلَ الثمانية الباقون واقتيدوا إلى برج لندن لانتظار المحاكمة. وتوفي أحد المتآمرين، فرانسيس تريشام، لأسباب صحية قبل أن تتم محاكمته.
وفي 27 يناير/كانون الثاني 1606، وُجِدَ أنَّ الأحياء منهم مذنبون بالخيانة وحُكِمَ عليهم بالموت.
وبعد مؤامرة البارود، أذِنَ البرلمان بإجراء عملية تفتيش احتفالية في الأيام التي تسبق الافتتاح الرسمي للبرلمان، يقوم خلالها الحرس الملكي البريطاني بتفتيش المباني والأقبية؛ لضمان عدم زرع متفجرات أو أي تهديدات أمنية أخرى.
مع ذلك، من المفارقة أن تصبح صورة غاي فوكس وحده مرادفاً للفوضى والتمرد في وقتنا الحالي. ففي نهاية المطاف، كان رجلاً من بين 13 رجلاً فشلوا في اغتيال الملك جيمس الأول.