تضم الجزائر العديد من المعالم التاريخية والأثرية التي تحكي تاريخ هذا البلد الممتد إلى قرونٍ طويلة، ومن بين هذه المعالم حصن كافينياك أو برج الساعة بولاية المسيلة، وهو المعلم الذي شيّد في فترة الاحتلال الروماني للجزائر، قبل أن يكتب أثناء الاحتلال الفرنسي فصولاً من نضال الجزائريين ومقاومتهم من أجل نيل الاستقلال.
فهذا المعلم الذي أُعيد بناؤه من طرف الاحتلال الفرنسي من أجل دحر المقاومة الشعبية بمنطقة بوسعادة سنة 1845م، تحوّل إلى مستشفى ميداني لعلاج الجنود الفرنسيين، قبل أن يصبح لفتراتٍ طويلة مركزاً لاستنطاق وتعذيب الثوار الجزائريين، وبعد الاستقلال صار حصن كافينياك أحد أهم المعالم التاريخية السياحية بمنطقة الحضنة.
شيّده الرومان لمراقبة القادمين من الصحراء
يعود تاريخ تأسيس"برج الساعة" إلى فترة الاحتلال الروماني للجزائر، فعندما عجز الرومان عن التوغل في الجزائر جنوباً، سارعوا إلى بناء مراكز تفتيش ومراقبة على طول الشريط الداخلي للجزائر، ومن بين النقاط التي أسّسها الرومان لذات الهدف، نقطة برج الساعة، وهي مكان مرتفعٌ على صخرة تتوسط جبال الأطلس التلي والصحراوي، ومن خلالها تتمّ مراقبة أجزاءٍ واسعةٍ من الجنوب الجزائري، بخاصة أنّ الموقع مرتفع ويصلح للرصد والتأمين.
فقد كان الرومان يخشون من هجوم الطوارق ساكني الصحراء، ولذلك اهتموا بمركز برج الساعة، كما أنّ الموقع كان يسمح لهم بمراقبة الطرق وسكان المنطقة.
وعلى نفس النهج، استمرت وظيفة برج الساعة، مع توالي الكيانات السياسية التي قامت في المنطقة، خصوصاً الدولة الحمادية التي كانت منطقة الحضنة عاصمةً لها.
وفي العهد العثماني تطوّر برج الساعة بشكلٍ كبير، عبر تحويله إلى مركزٍ أمني يفصل الصحراء عن الشمال، كما استغل العثمانيون المركز في حملة صالح رايس على مدينة ورقلة.
حوّله الاحتلال الفرنسي إلى مركز تعذيب ثم إلى مستشفى عسكري
قام الفرنسيون في فترة مبكرة من احتلالهم الجزائر، إلى الاستفادة من موقع برج الساعة، وإعادة بنائه من جديدٍ، مع إعطائه تسمية جديدة هي حصن كافينياك نسبةً إلى العسكري والسياسي الفرنسي الجنرال كافينياك، الذي يصفه مؤرخون جزائريون وحتى سكان المنطقة بالسفاح، نظراً للجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الجزائري واعترف بها علناً، إذ كان حاكماً للجزائر عام 1848، ثم رئيساً لمجلس الوزراء الفرنسي، كما أنه ترشح للانتخابات الرئاسية في العام نفسه.
فعندما وصل الاحتلال الفرنسي إلى منطقة بوسعادة في ولاية المسيلة سنة 1849، وجد الجند الفرنسيون مقاومةً ضاريةً من أبناء المنطقة، عندها قرّر المتصرف العسكري الفرنسي العقيد "بان" بناء حصن لتأمين العساكر الفرنسيين وعتادهم، تحسباً لانتفاضة ثانية من سكان المنطقة، واختار لذلك موقع برج الساعة.
وبالفعل تمّ تشييد "حصن كافينياك" عام 1852، وذلك بإشراف النقيب "فيدارب"، ومنذ التأسيس ظلّ حصن كوفينياك يستعمل لأغراضٍ عسكرية، إذ كان الحصن مكاناً لتعذيب الثوار الجزائريين واستنطاقهم في فترة المقاومة الشعبية، وبعد أن نجح الاحتلال الفرنسي في إخماد ثورات الجزائريين في منطقة الحضنة، حوّل حصن كوفينياك إلى عيادة طبية عسكرية عام 1876، قبل أن يحوّله إلى مستشفى مدني يحمل اسم الرقيب إيتيان وهو طبيب عسكري فرنسي.
معلم يحتاج إلى ترميم عاجل قبل زواله
بعد نيل الجزائر استقلالها، تحوّل برج الساعة أو حصن كافينياك إلى مزارٍ سياحي يقصده الجزائريون في كلّ المناسباتٍ التاريخية لتذكر وحشية الاحتلال الفرنسي، إذ لا تزال أنقاضه القائمة حتى اليوم تجذب السياح من جميع أنحاء البلاد.
ورغم ذلك، فإنّ الوضعية التي صار عليها هذا المعلم التاريخي تنذر بقرب زواله، وكانت إحدى الدراسات التي أُعدت من طرف إحدى الهيئات المتخصصة في مجال العمران بمدينة بوسعادة، قدرت تكلفة ترميم برج الساعة بمبلغ مليوني دولار، من أجل إرجاع المعلم إلى شكله الأوّل خلال فترة الاحتلال الفرنسي، وذلك باستعمال المواد الأصلية، مثل الجير الحي والرمل والخشب، وفتح الممر الأصلي للبرج وإنارته بالتوازي مع إنجاز شرفات وتهيئة أخرى، ومن شأن إعادة تأهيل الحصن أن تسهم، مع عوامل أخرى، في إعادة بعث الحركة السياحية في المنطقة.