بعد نجاح السلطان العثماني في فتح القسطنطينية سنة 1453م، وذلك باستعانته بمدفع الدردنيل الذي كان أوّل مدفعٍ حربي يستعمل في المعارك، سطرت الدولة العثمانية نفسها قوةً عسكرية صاعدة تنافس الدول الأوروبية والإقليمية، وبعد سنواتٍ من ذلك الانتصار، أثبت الجيش العثماني من خلال انتصاره في معركة زونكيو (Zonchio) سطوته على شرق المتوسط، وأعلن القائد العسكري العثماني كمال ريس ميلاد الأسطول العثماني الذي سيفرض سطوته على شرق المتوسط لقرونٍ، وذلك بعد أن نجح في هزيمة الأسطول البندقي -أحد أقوى الأساطيل الأوروبية في ذلك الوقت- في معركة زونكيو البحرية التي ابتكر فيها العثمانيون سلاح المدفعية، فكان جيش كمال ريّس أوّل من استعمل المدفعية في معركة بحرية.
الحروب العثمانية – البندقية التي تسببت في تطوير الأسطول البحري العثماني
طوال 10 قرون من الزمن، كانت جمهورية البندقية إحدى أقوى الجمهوريات والممالك الإيطالية، فقد خاضت هذه الجمهورية صراعاً طويلاً من الدول الإسلامية التي احتكت بالساحل الشرقي والجنوبي لأوروبا، وكانت الدولة العثمانية الخصم الشديد للبندقية بحيث اندلعت بين الدولتين حروبٌ طويلة اصطلح عليها بالحرب العثمانية البندقية.
ويعود بداية هذا الصراع إلى فتح العثمانيين للقسطنطينية، الذي كان بمثابة إعلان حربٍ على البندقية التي تضررت كثيراً من هذا الفتح، إذ فقدت امتيازاتها البحرية في المضايق البحرية وجزر بحر إيجة، فسعت البندقية عبر سلسلة من التحرشات العسكرية إلى لجم التوسع العثماني، الأمر الذي دفع بالجيش العثماني إلى تطوير أسطوله البحري وتقويته من أجل حسم هذه المواجهة.
وكان الفضل في تطوير الأسطول العثماني وتحديثه إلى القائد العسكري كمال ريّس، الذي كان أبرز القادة البحريين في الأسطول العثماني في ذلك الوقت الذي عيّنه فيه السلطان بايزيد الثاني أميراً للبحرية العثمانية عام 1495م.
وفي أول تحرك عملي له أمر كمال ريّس ببناء قادس، وهي سفينة كبيرة الحجم تتسع لحمل مئات الجنود، وكانت تلك أول طفرة حقيقية في الأسطول البحري العثماني، سرعان ما صنع كمال ريّس 5 سفن عملاقة بالحجم نفسه في سنة واحدة، وبدأ في عمليات الجهاد البحري لأسر سفن البندقية وتشكيل أسطولٍ حربيٍّ بها.
وفي تلك الأثناء كان مال ريّس يعدّ في مفاجأة صاعقة للبندقية وغيرها من القوى المنافسة في المتوسط، فقد كان يطوّر سلاح المدفعية الحارقة لكي يحمله في السفن ويستعمله في المعارك البحرية، فكانت البداية من معركة زونكيو.
معركة زونكيو حين أحرق العثمانيون سفن البندقية بالمدفعية
في يناير/كانون الثاني 1499م، أبحر كمال ريس مِن إسطنبول بقوة من 10 قوادس و4 سفن من أنواعِ أخرى، وفي يوليو/تموز من السنة نفسها، التحم بالأسطول العثماني الضخم الذي كان في مهمة لشنّ حربٍ ضدّ جمهوريةِ البندقية التي تضاعفت تحرشاتها وتهديداتها للنفوذ العثماني بشرق المتوسط، وبذلك أصبح الأسطول العثماني في معركة زونكيو مشكلاً من 67 قادساً و20 سفينة متوسطة وحوالي 200 زورق.
في أغسطس/آب 1499م اندلعت معركة زونكيو البحرية الشهيرة والتي تعرف كذلك في المصادر الأجنبية بمعركة Sapienza أو معركة ليبانتو الأولى.
كان الأسطول العثماني بقيادة كمال ريس، أمّا أسطول البندقية فكان بقيادة أنطونيو جريماني، وعند رأس مدينة زونكيو في البحر الأيوني تواجه الأسطولان، وكان النصر حليف العثمانيين الذين لقنوا البندقية درساً قاسياً.
دامت المعركة 4 أيام منفصلة، فبجانب افتتاحها في الـ12 من أغسطس/آب، شهدت الساحة مواجهات أخرى خلال أيام 20 و22 و25 من الشهر ذاته.
وشهدت معركة زونكيو أول استخدام رسمي للمدافع فوق السفن في التاريخ، وذلك عبر ابتكار كمال ريّس لهذه التقنية العسكرية التي كانت حاسمة في المعركة، فقد تمكن الأسطول العثماني من إغراق وحرق عشرات السفن البندقية، بما فيها إحدى السفن التي كانت تقل أفراداً كثراً من الأسرة الحاكمة في البندقية.
أسفرت نهاية المعركة عن اعتقال القائد جريماني وإن تم الإفراج عنه بعد ذلك نظير فدية ضخمة، فيما تم أسر العشرات من السفن الحربية التابعة لأسطول البندقية.
ومنذ تلك المعركة، أصبحت البحرية العثمانية القوة الرئيسة المهيمنة على شرق المتوسط، بل وصل نفوذها في العقود التالية حتى غرب المتوسط.
كما تواجهت الدولة العثمانية والبندقية للمرة الثانية في معركة ليبانتو الثانية، وانتصر العثمانيون مرة أخرى تحت قيادة كمال ريس.