في أحد أحياء مدينة الدار البيضاء القديمة، يسمى "الصخور السوداء"، يوجد مسجد القدس، الذي بني سنة 1920، في عهد الحماية الفرنسية على المغرب.
هذا المسجد، الذي يعتبر أشهر المعالم الموجودة في هذا الحي القديم، كان عبارة عن كنيسة، تحمل اسم "القديسة مرغريتا".
وحملت الكنيسة هذا الاسم تيمناً باسم والدة أوجين لوندغا، وهو الفرنسي الذي بنى حي "الصخور السوداء"، والكنيسة معاً، وذلك تكريماً لها، وتعبيراً منه عن حبه لها.
كنيسة "القديسة مرغريتا" في عهد الحماية الفرنسية
بنيت كنيسة "القديسة مرغريتا" في أواخر عشرينيات القرن الماضي، خلال فترة الحماية الفرنسية في المغرب، بعد أن أصبح حي "الصخور السوداء" يعج بالفرنسيين الذين استقروا في المغرب حينها، من أجل العمل، أو فتح مشاريع خاصة بهم، وذلك لأنها كانت منطقة صناعية بامتياز.
وقام مؤسس الحي أوجين لوندغا ببنائها بسبب عدم وجود دور عبادة أخرى في المنطقة، وقد اختار أن يتم تصميمها بطريقة مشابهة لكنيسة "مارتن دا پاو"، الموجود في بلدة "بو" الفرنسية، مسقط رأسه.
بعد وفاة لوندغا، وخروج الفرنسيين من المغرب، بعد الاستقلال، تم إغلاق الكنيسة لفترة طويلة، وذلك بسبب مشاكل نقل ملكيتها، إذ إنه كان من الصعب التصرف فيها، أو إعادة فتح أبوابها.
من كنيسة إلى مسجد القدس
في بداية الثمانينيات، تمكن النقابي والقيادي بحزب الاستقلال المغربي، عبد الرزاق أفيلال، من تحويل هذه الكنيسة التي أقفلت أبوابها لعدة سنوات، إلى مسجد، أطلق عليه اسم "القدس".
إذ إن أفيلال، والذي يعتبر واحداً من بين المقاومين المغاربة، الذي تم نفيه من طرف الحماية الفرنسية سنتي 1949 و1950، قد أصبح حينها رئيساً لجماعة منطقة عين السبع، التي تضم حي "الصخور السوداء".
ومن خلال منصبه هذا، وبعد أن تم التنازل عن ملكية الكنيسة لجماعة عين السبع، تمكن أفيلال من تحويلها إلى مسجد، وذلك رغبة منه في وقف المد الكنيسي في مدينة الدار البيضاء.
وحسب ما نشرته صحيفة "هسبريس"، نقلاً عن ابن القيادي المغربي، الكاتب رشيد أفيلال، فقد جاءت مرحلة تحويله هذه الكنيسة إلى مسجد، الذي حمل اسم "القدس"، في الوقت الذي كان يُمنع فيه قانوناً القيام بمثل هذا الشيء، ويسمح فقط بتحويل دور العبادة إلى مرافق ثقافية أو اجتماعية، إلا أنه تمكن من فعل ذلك.
مسجد القدس.. مزار سياحي في مدينة الدار البيضاء
تميزت هذه الكنيسة في وقت بنائها بهندستها المعمارية على الطريقة القوطية، إذ إنها كانت تحاكي البناء الفرنسي قديماً، خصوصاً من خلال برجها الذي كان نسخة قريبة جداً من كنيسة "مارتن دا پاو" الفرنسية.
وحتى بعد تحويلها إلى مسجد، حافظ البناء في شكله الخارجي على جميع معالمه وزخرفته، التي عرف بها منذ عهد الحماية الفرنسية.
إلا أنه، حسب ما نشرته جريدة "h24info" الناطقة بالفرنسة، وبالرغم من تغيير شكله الداخلي، ليصبح كجميع المساجد المغربية الأخرى، ورفع الأذان به للصلوات الخمس، فإن مسجد القدس غير تابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويُدار من خلال عدد من المحسنين.
كما أنه أصبح واحداً من بين أبرز المزارات السياحية، التي يتوافد إليها السياح الأوروبيون، خصوصاً الفرنسيين منهم، من أجل التقاط صور تذكارية هناك.