الخيرالدة، وتكتب بالإسبانية "La Giralda"، هو أطول برج، وأشهر المعالم التاريخية في مدينة إشبيلية الإسبانية، الذي بُني في عهد الموحدين.
هذا البرج تحوّل من كونه مئذنة للمسجد الكبير في إشبيلية، إلى برج لأجراس كاتدرائية إشبيلية، بعد انتهاء الحكم الإسلامي في الأندلس.
وبقي برج الخيرالدة صامداً منذ مئات السنين حتى يومنا هذا، إلا أنه عرف عدة تعديلات في هيكله، وإضافة أجراس خاصة من أجل الكاتدرائية.
تاريخ بناء برج الخيرالدة
بُني برج الخيرالدة على أنقاض عدة مبانٍ رومانية قديمة، في نهاية القرن الثاني عشر، وبالضبط سنة 1195، بأمر من السلطان الموحدي يعقوب المنصور، وقد كان في البداية مئذنة خاصة بالمسجد الكبير الذي بُني في الفترة نفسها.
استغرق بناء الخيرالدة 12 عاماً، وقد كان نموذجاً للعمارة الإسلامية في الأندلس، وذلك من خلال النقوش التي عليه، وكذلك سلسلة المحاريب والنوافذ المقوسة التي زينته من جميع الجوانب.
كما كان أكثر ما يميز هذا البرج خلال فترة الحكم الموحدي في الأندلس، هو أنه أطول بناء في العالم خلال القرن 12، والذي كان يحتوي على أربع كرات نحاسية فوق الهيكل المربع، ويعلوه مجسم على شكل هلال.
ولكن بسبب الزلزال الذي ضرب مدينة إشبيلية في منتصف القرن الرابع عشر، دُمر الجزء العلوي من المئذنة، حيث كان يصل طولها قبل الزلزال إلى 76 متراً، وتم تعويضه بالصليب في القرن الـ16، عندما تم تحويله إلى برج خاص بالكاتدرائية.
من بين أكثر ما ميز تصميم هذه المئذنة أنها بُنيت بدون درج، وتم تعويضه بمنحنيات تصل إلى نهايتها، حيث كان المؤذن يصعد من خلال حصان لكي ينادي للصلاة.
تحويل المئذنة إلى برج كاتدرائية إشبيلية
بعد انتهاء فترة الحكم الإسلامي في الأندلس، أمر الملك ألفونسو العاشر بتحويل مئذنة الخيرالدة إلى برج خاص لكاتدرائية إشبيلية، والتي تم بناؤها على أنقاض المسجد الكبير.
وقد وصل طول البرج بعد التعديل عليه لما يقارب 102 متر، لتصبح كاتدرائية إشبيلية ثالث أكبر كنيسة في أوروبا، بعد كل من كنيسة القديس بطرس في روما، وكنيسة سانت بول في لندن.
كما أنه في القرن الـ16، تمت إضافة ناقوس وأجراس في أعلى البرج، للتعبير عن العقيدة المسيحية للمبنى، الذي يعتبر مزيجاً بين العمارة الإسلامية المغاربية، والثقافة المسيحية، خلال عصر النهضة.
فيما تم نحت بحجم كبير على الجزء المجدد من البرج بأحرف "NO8DO"، والتي تعني جملة "لم تتخلّ عني"، وهو شعار مدينة إشبيلية، الذي أعطاه لها ألفونسو العاشر، خلال فترة العصيان ضد حكمه للبلاد.
برج الخيرالدة اليوم
تم إدراج برج الخيرالدة ضمن قائمة التراث العالمي سنة 1928، فيما تم ترميمه لأول مرة بعد أن تحول إلى برج كنيسة مدينة إشبيلية سنة 1984.
وفي الذكرى الـ800 لبناء الخيرالدة تم تنظيم احتفال خاص بشراكة بين دولتي إسبانيا والمغرب، وذلك لاعتبارها موروثاً تاريخياً يعكس العمارة الإسلامية الموحدية، وكذا الثقافة المسيحية في إسبانيا.
وخلال هذه المناسبة، ومن أجل تخليد ذكرى هذا الاحتفال، وُضعت في مدخل الكنيسة لوحتان تذكاريتان باللغتين الإسبانية والعربية.
واليوم، أصبح برج الخيرالدة واحداً من بين أهم المعالم السياحية لمدينة إشبيلية، إذ يمكن الصعود إليه، والاستمتاع بمشاهدة المدينة كاملة من هناك.
وتوجد عدة أبراج أخرى مشابهة للخيرالدة، أهمها تلك الموجودة في المغرب، والمتمثلة في صومعة حسان في مدينة الرباط، وصومعة مسجد الكتبية في مدينة مراكش، ثم صومعة مسجد الحسن الثاني، وهو أحدث بناء صمم على نفس النمط.
كما أنه يوجد نموذجان من برج الخيرالدة في الولايات المتحدة الأمريكية، الأول موجود في حديقة ماديسون سكوير السابقة في مدينة نيويورك، والثاني هو برج مبنى "فيري سان فرانسيسكو" في شيكاغو.