هارييت توبمان هي أمريكية من أصول إفريقية قررت أن تصنع فارقاً في حياتها وحياة من حولها قبل مئات السنين، فكانت الهاربة من العبودية هي "قائدة" خط سكة حديد تحت الأرض غيّر مجرى حياة السود بشكل جذري.
حيث أسهم نضال هارييت في تحرير مئات العبيد قبل الحرب الأهلية، وكل ذلك بينما كانت تتم مطاردتها كمجرمة فارّة من العدالة لهروبها من الاستعباد.
واليوم، تُعد هارييت توبمان واحدة من أكثر الرموز شهرة في التاريخ الأمريكي، التي ألهم إرثها عدداً لا يحصى من الناس من كل الأعراق.
من هي هارييت توبمان؟
وُلدت هارييت توبمان في العام 1820 في مزرعة بمقاطعة دورتشستر بولاية ماريلاند الأمريكية، وأطلق عليها اسم أرمانيتا روز. وهناك عملت طاهية في "المنزل الكبير" بمزرعة لأسياد من البيض الأمريكيين.
وفي وقت لاحق غيرت أرمانيتا اسمها إلى هارييت تكريماً لوالدتها.
كان لدى هارييت 8 إخوة وأخوات، لكن واقع العبودية أجبر الكثيرين منهم في النهاية على الانفصال. وعندما كانت هارييت تبلغ من العمر 5 سنوات، تم تأجيرها للعمل كممرضة وراعية لطفل أسرة المنزل، حيث كان يتم جلدها كلما كان يبكي الطفل، مما جعلها تكنّ الغضب تجاه نظام الاستعباد منذ سن مبكرة.
رغبتها في تحقيق العدالة والمساواة منذ سن مبكرة
ظهرت رغبة هارييت في تحقيق العدالة في سن الثانية عشرة بشكل واضح، عندما رصدت مشرفاً على وشك إلقاء وزن معدني ثقيل على أحد الهاربين في محاولة لضربه. حينها هرعت هارييت ووقفت بين المُستعبد والمشرف، فأصاب الوزن الحديدي رأسها.
تسبب الحادث في كسر جمجمتها، وعدم تعافيها بشكل كامل، فتركت الإصابة هارييت تعاني خلال حياتها اللاحقة من الصداع المزمن والنوم القهري، ما كان يجعلها تنام بشكل عشوائي فجأة.
كما أنها تراودها أحلام وهلوسات غالباً ما كانت تدّعي أنها رؤى دينية بسبب تشدد التزامها بالدين المسيحي. هذه التداعيات جعلتها ضعيفة وغير جذابة للمشترين والمستأجرين المحتملين للعبيد.
هروبها من العبودية وبدء حياة جديدة
في العام 1840، تم إطلاق سراح والد هارييت، وعلمت الابنة أن الوصية الأخيرة للمنزل قد أوصت بالإفراج عن الأم وأطفالها، بمن في ذلك هارييت. لكن مالك المنزل الجديد رفض الاعتراف بالوصية وأبقى الأم وهارييت وبقية أطفالها في عبودية.
ثم في حوالي عام 1844، تزوجت هاريت من جون توبمان، وهو رجل أسود حر، وغيرت اسمها. لكن سرعان ما علمت بتخطيط المالك لبيع اثنين من أشقائها، هما بن وهنري، ما استفز هارييت للتخطيط للهروب.
في 17 سبتمبر/أيلول 1849، هربت هارييت وشقيقاها بن وهنري من مزرعة ماريلاند. لكن الإخوة غيَّروا رأيهم وعادوا خوفاً من الملاحقة.
وبمساعدة قطار الأنفاق السري تحت الأرض الذي تأسس في أواخر القرن الـ18 من قِبل رافضي العبودية السابقين، فقد ثابرت هارييت وسافرت 90 ميلاً للشمال وصولاً لولاية بنسلفانيا.
وهناك وجدت توبمان الحرية وعملت كمدبرة منزل في فيلادلفيا، ولكن رغبتها في تحرير جميع أحبتها وضيقها من نظام العبودية الذي يضطهد قومها سرعان ما أعادتها إلى الجنوب لتقود ابنة أختها وأبناء أختها إلى فيلادلفيا عبر مترو الأنفاق لتهريبهم.
كما حاولت إحضار زوجها جون نورث، لكنه تزوج مرة أخرى واختار البقاء في ماريلاند مع زوجته الجديدة.
قانون العبيد الهاربين في أمريكا
سمح قانون العبيد الهاربين لعام 1850 بالقبض على العمال الهاربين في الشمال واستعبادهم من جديد. أدى هذا إلى جعل دور هارييت كقائدة للسكك الحديدية تحت الأرض أكثر صعوبة وأجبرها على قيادة المُستعبدين الهاربين شمالاً إلى كندا، حيث كانت تسافر ليلاً.
أدى نجاحها إلى دفع مالكي العبيد إلى إعلان مكافأة قدرها 40 ألف دولار مقابل القبض عليها أو قتلها.
وعلى مدى السنوات العشر التالية، حررت هارييت نحو 300 مُستعبد من أصول إفريقية، بحسب كاتبة سيرتها الذاتية سارة برادفورد، بالرغم من روايات تقول إن الرقم كان أقل من هذا.
ومع ذلك، يُعتقد أن هارييت قادت شخصياً ما لا يقل عن 70 مُستعبداً إلى الحرية، بما في ذلك والداها المسنان، وأعطت تعليمات لعشرات الآخرين حول كيفية الهروب بمفردهم.
وقالت لاحقاً في حياتها: "لم يفشل قطاري أبداً عن المسار ولم أفقد أي راكب خلال رحلات التحرير تلك".
نشاطها الثوري خلال الحرب المسلحة
وبحلول الوقت الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية الأمريكية، كانت هي وعدة مئات من جنود الاتحاد يستعدون لشن غارة لتحرير المئات من المستعبدين من المزارع في ساوث كارولينا، وهي جزء من الولايات الكونفدرالية التي كانت تقاتل الاتحاد خلال الحرب الأهلية من 1861 إلى 1865.
لكن المرأة عملت أيضاً كجاسوسة في ذلك الوقت خلال الحرب الأهلية. إذ قررت توبمان مساعدة جيش الاتحاد؛ لأنها أرادت الحرية لجميع الأشخاص الذين أجبروا على العبودية، وليس فقط القلائل الذين يمكن أن تساعدهم بالهرب في مترو الأنفاق الذي باتت تديره بشكل مُحكم.
وقد أقنعت العديد من الأمريكيين الأفارقة بالانضمام إليها كجواسيس، حتى مع مواجهتهم خطر الإعدام شنقاً إذا تم القبض عليهم.
وقد كانت الحرب الأهلية وقتاً تقوم فيه النساء عادةً بالأدوار التقليدية مثل الطهي والتمريض. في المقابل، عملت توبمان جنباً إلى جنب مع الرجال، كما يقول توم ألين، مؤلف كتاب العميلة السرية هارييت توبمان.
وصل بها الأمر أن ساعدت العقيد جيمس مونتغمري في التخطيط لغارة لتحرير العبيد من المزارع على طول نهر كومباهي في ولاية كارولينا الجنوبية.
ففي وقت مبكر من صباح 1 يونيو/حزيران عام 1863، انطلقت توبمان مع عدة مئات من الجنود في مهمتهم، وجمعوا معلومات حساسة من الكشافة حول مواقع القوات الكونفدرالية.
وبالفعل، أضرمت المجموعة النار في المباني ودمروا الجسور حتى لا يتمكن الجيش الكونفدرالي من استخدامها. كما قاموا بتحرير حوالي 750 مستعبداً، من رجال ونساء وأطفال، ولم يفقدوا جندياً واحداً في الهجوم، حسب مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" الثقافية.