كشفت وكالة Associated Press الأمريكية، أن الحكومة الإيرانية اعترفت بأنها قامت بتخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 84% لأول مرة، وهو ما من شأنه أن يجعل الدولة أقرب من أي وقت مضى، إلى تصنيع المواد المستخدمة في صنع الأسلحة النووية.
ما هو اليورانيوم، وكيف يعمل؟
وفقاً لما ذكرته الرابطة النووية العالمية World Nuclear Association، فإن اليورانيوم هو معدن ثقيل يستخرج من الأرض، لاسيما دول أستراليا وكندا وكازاخستان وناميبيا وروسيا، ويتم استخدامه كمصدر وفير للطاقة المركزة، منذ أكثر من 60 عاماً.
يوجد اليورانيوم في معظم الصخور بتركيزات من 2 إلى 4 أجزاء في المليون، وهو شائع في قشرة الأرض مثل القصدير والتنغستن والموليبدينوم، كما يوجد اليورانيوم في مياه البحر، ويمكن استعادته من المحيطات.
تم اكتشاف اليورانيوم في عام 1789 بواسطة مارتن كلابروث، الكيميائي الألماني، في المعدن المسمى بيتشبلند، وقد سمي "يورانيوم" نسبة إلى كوكب يورانوس الذي كان قد اكتشف قبل 8 سنوات حينها، ويبدو أن اليورانيوم قد تشكل في المستعرات الأعظمية منذ نحو 6.6 مليار سنة.
ويتكون اليورانيوم من خليط من نظيرين أساسيين هما: يورانيوم 235 بنسبة 0.71% وهو عنصر مشع قابل للانشطار، ويورانيوم 238 بنسبة 99.28% وهو عنصر خامل.
وفضلاً عن استخدامه لإنتاج قنابل نووية، فإنّ لليورانيوم استخدامات أخرى مثل صُلب اليخوت وكأثقال موازنة لأسطح التحكم في الطائرات، وكذلك للوقاية من الإشعاع.
تبلغ درجة انصهار اليورانيوم 1132 درجة مئوية، بينما الرمز الكيميائي لليورانيوم هو U.
في حين يعتبر اليورانيوم واحداً من أثقل العناصر الموجودة بشكل طبيعي (الهيدروجين هو الأخف وزناً)، إذ إن اليورانيوم له 18.7 ضعف من كثافة الماء.
مثل العناصر الأخرى، يوجد اليورانيوم في عدة أشكال مختلفة قليلاً تُعرف باسم "النظائر".
تختلف هذه النظائر عن بعضها البعض في عدد الجسيمات غير المشحونة (النيوترونات) في النواة.
اليورانيوم الطبيعي الموجود في القشرة الأرضية عبارة عن خليط إلى حد كبير من نظيرين: اليورانيوم 238 (U-238)، يمثل 99.3%، واليورانيوم 235 (U-235) بنحو 0.7%.
يعتبر النظير U-235 مهماً، لأنه في ظل ظروف معينة يمكن تقسيمه بسهولة، مما ينتج عنه الكثير من الطاقة، لذلك يُقال إنها "انشطارية" ونستخدم تعبير "الانشطار النووي".
وفي الوقت نفسه يتحلل اليورانيوم 238 ببطء شديد، ونصف عمره تقريباً هو عمر الأرض نفسه (4500 مليون سنة)، وهذا يعني أنه بالكاد مشع، أقل من العديد من النظائر الأخرى في الصخور والرمال.
ومع ذلك فإنه يولد 0.1 واط/طن على شكل حرارة اضمحلال، وهذا يكفي لتدفئة لب الأرض، في حين أن يورانيوم 235 يتحلل بشكل أسرع قليلاً.
وتتكون نواة ذرة اليورانيوم 235 من 92 بروتوناً و143 نيوتروناً (92 + 143 = 235).
عندما تلتقط نواة ذرة يورانيوم 235 نيوتروناً متحركاً فإنها تنقسم إلى قسمين (انشطارين)، وتطلق بعض الطاقة على شكل حرارة، كما يتم التخلص من نيوترونين أو ثلاثة نيوترونات إضافية.
إذا تسبب عدد كافٍ من هذه النيوترونات المطرودة في انقسام نوى ذرات اليورانيوم 235 الأخرى، وإطلاق مزيد من النيوترونات، فإنه يمكن تحقيق "تفاعل تسلسلي" انشطاري.
عندما يحدث هذا مراراً وتكراراً، عدة ملايين من المرات، يتم إنتاج كمية كبيرة جداً من الحرارة من كمية صغيرة نسبياً من اليورانيوم.
ما هي أهمية النسبة التي وصلت إليها إيران؟
وفقاً لما ذكره مركز الحد من التسلح وعدم الانتشار Center for Arms Control and Non-Proliferation، فإن إيران تحتاج للوصول إلى نسبة 90% على الأقل من نقاء اليورانيوم لتصنيع أسلحة نووية، وإن مسألة وصول إيران إلى تلك النسبة مسألة وقت لا أكثر، في حين أن العملية التي يتم فيها إنقاء اليورانيوم هي "التخصيب".
ما هي عملية تخصيب اليورانيوم؟
عملية تخصيب اليورانيوم مكلفة ومعقدة تكنولوجيّاً إلى حد كبير، وهي ضرورية من أجل الوصول لنسبة التركيز أو النقاء المطلوبة من يورانيوم 235، وهو اليورانيوم الوحيد القابل للانشطار، ويصلح للاستخدام سواء في إنتاج الطاقة أو صنع أسلحة فتاكة.
ويمكن تشبيه هذه العملية بتنقية خام أي معدن من الشوائب أو المعادن الأخرى من أجل الوصول إلى نسبة نقاء معينة.
عندما يتم استخراج اليورانيوم، فإنه يتكون من نحو 99.3% يورانيوم -238، و0.7% من يورانيوم -235، و0.01% يورانيوم -234.
وتحتوي نظائر اليورانيوم على 92 بروتوناً في مركز الذرة أو نواتها، بينما تحتوي ذرات اليورانيوم 238 على 146 نيوتروناً، وتحتوي ذرات اليورانيوم 235 على 143 نيوتروناً، بينما تحتوي ذرات اليورانيوم 234 على 142 نيوتروناً فقط، فيما يعطي العدد الإجمالي للبروتونات والنيوترونات الكتلة الذرية من كل نظير.
على المستوى الذري، يختلف حجم ووزن هذه النظائر قليلاً، هذا يعني أنه مع المعدات المناسبة وفي ظل الظروف المناسبة، يمكن فصل النظائر.
ويحتاج الوقود النووي المستخدم في المفاعل النووي إلى تركيز أعلى من نظير اليورانيوم 235 من نظير اليورانيوم الطبيعي.
عند تركيز اليورانيوم 235 يكون قابلاً للانشطار في مفاعلات الماء الخفيف، وأثناء الانشطار، تنقسم نواة الذرة لإنتاج كل من الحرارة والنيوترونات الزائدة.
في ظل ظروف خاضعة للرقابة، يمكن أن تسبب هذه النيوترونات الزائدة انشطار ذرات إضافية قريبة ويمكن أن يستمر التفاعل النووي.
فيما يتم تحويل أكسيد اليورانيوم إلى الشكل الكيميائي لسداسي فلوريد اليورانيوم (UF 6) لاستخدامه في منشأة التخصيب.
أما طرق التخصيب فهي وفقاً لما ذكرته هيئة التنظيم النووي NRC:
التخصيب بالانتشار الغازي
كان الانتشار الغازي أول عملية تجارية تستخدم في الولايات المتحدة لتخصيب اليورانيوم.
استخدمت هذه المرافق كميات هائلة من الكهرباء، ولكن مع نضوج تقنية الطرد المركزي، أصبحت محطات الانتشار الغازي الحالية قديمة.
وفي جميع أنحاء العالم، تم استبدالها جميعاً بتقنية الجيل الثاني، التي تتطلب طاقة كهربائية أقل بكثير لإنتاج كميات مكافئة من اليورانيوم المنفصل، لذلك تعتبر هذه المرافق الآن عفى عليها الزمن.
العملية التي تتم خلال التخصيب بالانتشار الغازي، هي من خلال إدخال غاز سادس فلوريد اليورانيوم (UF 6) في خطوط أنابيب المصنع، حيث يتم ضخه من خلال مرشحات خاصة تسمى حواجز أو أغشية مسامية.
ولأن جزيئات يورانيوم 235 أخف وزناً، فإنها تنتشر وتمر عبر ثقوب الأغشية أو الحواجز بسرعة أكبر من جزيئات يورانيوم 238 الأثقل وزناً.
لكن الأمر يتطلب مئات الحواجز التي تمر عبرها جزيئات الغاز التي تحتوي على ذرات يورانيوم 235 آلاف المرات قبل الحصول على كمية مركزة من اليورانيوم بنسبة نقاء تجعلها صالحة للاستخدام كمصدر للوقود النووي.
التخصيب بالطرد المركزي
التخصيب بالطرد المركزي هو العملية الحالية التي يتم من خلالها إجراء تخصيب اليورانيوم التجاري في العديد من الدول.
ويتم ذلك من خلال وضع غاز سادس فلوريد اليورانيوم (UF 6) في أسطوانة غاز للطرد المركزي ويتم تدويره بسرعة عالية.
ينتج عن هذا الدوران قوة طرد مركزي قوية بحيث تتحرك جزيئات الغاز الأثقل (جزيئات يورانيوم 238) نحو السطح الخارجي للأسطوانة، بينما تتجمع جزيئات الغاز الأخف (جزيئات يورانيوم 235 ) بالقرب من المركز.
وهكذا يمر الخليط الغازي من أسطوانة إلى أخرى لزيادة نسبة تركيز يورانيوم 235 بمقدار طفيف في كل أسطوانة وصولاً إلى نسبة التركيز أو النقاء المطلوبة، ويصل عدد أسطوانات الطرد المركزي إلى الآلاف في منشآت التخصيب.
التخصيب بالفصل بالليزر
تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم بالفصل بالليزر قيد التطوير لاستخدامها المحتمل في تخصيب اليورانيوم مستقبلاً.
إذ يمكن تخصيب اليورانيوم عن طريق فصل نظائر اليورانيوم بالليزر، عن طريق إثارة الجزيئات بواسطة ضوء الليزر؛ وهذا ما يسمى الاستثارة الضوئية، كما يمكن لليزر زيادة الطاقة في إلكترونات نظير معين، وتغيير خصائصه والسماح بفصله.
بشكل عام، تستلزم عملية التخصيب استخدام ثلاثة أنظمة رئيسية، وهي: أنظمة الليزر، والأنظمة البصرية، ونظام وحدة الفصل.
وعلى الرغم من أن هذه العملية أكثر تعقيداً من الناحية التقنية فإنها تستهلك طاقة أقل وتتسم بكفاءة أعلى.
كيفية صنع قنبلة نووية
يقول أندرو فورلونج، من معهد المهندسين الكيميائيين، لصحيفة The Guardian البريطانية: "لا يمكنك صنع قنبلة نووية بدون مواد انشطارية، وبالنسبة لجهاز نووي حراري متوسط، فإن المادة الضرورية هي البلوتونيوم أو اليورانيوم المخصب".
ولصنع قنبلة نووية، يجب تخصيب اليورانيوم بحيث يكون من 80% إلى 90% منه هو اليورانيوم 235، الذي تحتاج منه على الأقل 50 كيلوغراماً لصنع قنبلة نووية.
في حين يمكنك استخدام البلوتونيوم بدلاً من ذلك، وفقاً للفيزيائي كيث بارنهام، وهذه هي المادة المفضلة، لأنها تصنع أسلحة أخف بكثير يمكن تركيبها على الصواريخ.
ويُنتَج البلوتونيوم كمنتج ثانوي في المفاعلات النووية، ويحتاج فقط نحو 10 كيلوغرامات للقنبلة.
في حين تحتاج محطة الطاقة المتوسطة إلى نحو عام لإنتاج مرافق إعادة معالجة كافية لاستخراج البلوتونيوم من الوقود.
ويمجرد تجميع الكتلة الحرجة من اليورانيوم أو البلوتونيوم معاً سوف تنفجر القنبلة، لذا، في البداية، وللتأكد من عدم انفجارها، تحتاج القنبلة إلى إبقاء المعدن مفصولاً إلى جزأين أو أكثر.
عندما يكون السلاح في مكانه وجاهزاً للانفجار، فإن هذه الكتل شبه الحرجة تحتاج فقط إلى رميها معاً.
من يستخدم الطاقة النووية أيضاً؟
يتم توليد نحو 10% من كهرباء العالم من اليورانيوم في المفاعلات النووية، وهذا يصل إلى أكثر من 2500 تيراواط ساعة كل عام، بالقدر نفسه من جميع مصادر الكهرباء بجميع أنحاء العالم في عام 1960.
يأتي من نحو 440 مفاعلاً نووياً بطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ نحو 390 ألف ميغاوات تعمل في 32 دولة، كما هناك نحو 55 مفاعلاً إضافياً قيد الإنشاء، ومن المقرر إنشاء نحو 100 مفاعل مستقبلاً.
تحصل بلجيكا وبلغاريا وجمهورية التشيك وفنلندا وفرنسا والمجر وسلوفاكيا وسلوفينيا والسويد وأوكرانيا على 30% أو أكثر من الكهرباء من المفاعلات النووية.
بينما الولايات المتحدة لديها نحو 90 مفاعلاً عاملاً، وتزود 20% من طاقتها الكهربائية.
في حين أنّ فرنسا تحصل على نحو 70% من احتياجاتها من الكهرباء من اليورانيوم.