عندما وُضع "السلم الثابت" تحت نافذة كنيسة القيامة في القدس منذ 3 قرون، لم يكن صاحبه يتخيل على الأرجح أنه سيبقى هناك إلى الأبد. ورغم أنه لا يوجد شيء مقدس في السلم الثابت وليست له أي رمزية دينية، فإن تحريكه ولو شبراً وحداً من مكانه، قد يؤدي إلى مواجهات وأعمال شغب بين ممثلي الطوائف المسيحية المختلفة.
"اتفاق الوضع الراهن" جعل "السلم الثابت" جزءاً من كنيسة القيامة
تعتبر كنيسة القيامة واحدة من أقدس الأماكن في الديانة المسيحية، وكانت مقصداً للحج منذ القرن الرابع الميلادي. ومع ذلك، وبسبب وجود العديد من الطوائف المسيحية، تنافس هؤلاء، على مر القرون، من أجل الهيمنة على الأماكن المقدسة في الديانة المسيحية بفلسطين ومن ضمنها كنيسة القيامة.
ومع ظهور الإمبراطورية العثمانية ووقوع فلسطين تحت حكم العثمانيين، وبعد العديد من الخلافات بين ممثلي 6 من الطوائف المسيحية وبعض الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر للسيطرة على ملكية وإدارة الأماكن المسيحية المقدسة في فلسطين.
أصدرت الإمبراطورية العثمانية سلسلة من "الفرمانات" (المراسيم) لتنظيم إدارة الأماكن المقدسة المسيحية، من خلال تحديد صلاحيات وحقوق الطوائف المختلفة في هذه الأماكن. كان أولها فرمان (مرسوم) للسلطان "عثمان الثالث" عام 1757 والذي حافظ على تقسيم الملكية والمسؤوليات بين مختلف الأماكن المقدسة المسيحية.
وأكد "فرمان عام 1852" للسلطان العثماني عبد المجيد الأول، أنه لا يمكن إجراء أي تغييرات دون إجماع من جميع الطوائف المسيحية، وحصل الفرمان على اعتراف دولي في المادة الـ9 من معاهدة باريس (1856).
وبموجب تلك "الفرمانات" تبقى حيازة وتقسيم الأماكن المقدسة المسيحية في القدس وبيت لحم، كما هي وقت إصدار الفرمان، ومنع أي تغيير في وضع تلك المواقع. وأصبح هذا الترتيب معروفاً باسم "Status Quo" أو "اتفاقية الوضع الراهن".
وينص هذا الاتفاق، على أن الوضع القائم منذ الفترة العثمانية من حقوق وأماكن، لا يتغير ويبقى على ما هو عليه. حيث تتشارك الطوائف المختلفة إدارة الكنيسة، وتتقاسم المكان والزمان في حقوق أماكن وأوقات الصلاة بباقي الأماكن المقدسة المشتركة.
ويسمح بوجود مستمر للرهبان داخل الكنيسة لكل من طوائف الروم الأرثوذكس واللاتين الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس والأقباط الأرثوذكس، حيث يوجد لكل من هذه الكنائس غرف مبيت وغرف تستخدم كمخازن داخل الكنيسة.
وتم تقسيم الصرح بأكمله بعناية إلى أقسام، بعضها مشترك بين الطوائف بشكل عام، بينما ينتمي البعض الآخر بشكل صارم إلى طائفة معينة. وتحكم مجموعة من القواعد المعقدة حقوق عبور المجموعات الأخرى من خلال كل قسم معين في أي يوم، خاصة خلال المناسبات الدينية. ومع ذلك، لا تزال بعض أقسام كنيسة القيامة محل نزاع ساخن حتى يومنا هذا.
وأيضاً بموجب "اتفاق الوضع الراهن"، لا يحق لأحدٍ التصرف في الكنيسة أو محتوياتها وأثاثها، أو حتى إعادة ترتيبها، إلا بموافقة باقي ممثلي الطوائف المسيحية، ومن ضمن محتويات الكنيسة "السلم الثابت" الذي كان موجوداً أسفل نافذة في واجهة كنيسة القيامة، وشمل قرار الوضع الراهن عدم تحريكه من مكانه.
وقد يؤدي خرق تلك القواعد إلى خلافات واشتباكات عنيفة (وهو ما حدث في أكثر من مناسبة).
كان أحد هذه النزاعات في عام 2002، بين ممثلي الكنيسة الإثيوبية والكنيسة القبطية، بعد تحريك راهب قبطي كرسيه نحو 20 سم فقط إلى الظل. تم تفسير ذلك من قبل ممثلي الكنيسة الإثيوبية، على أنه عمل عدائي وانتهاك للوضع الراهن. لتندلع اشتباكات بالأيدي والحجارة، نُقل على أثرها 11 شخصاً إلى المستشفى.
مَن وضع "السلم الثابت" في واجهة كنيسة القيامة؟
بحسب أقدم الوثائق كان "السلم الثابت" في مكانه بحلول عام 1728، وظل هناك منذ إنشاء "اتفاق الوضع الراهن". أما عن مالكه الحقيقي، وفقاً لروايات مختلفة، فكان السلم في يوم من الأيام ملكاً لبنّاء كان يقوم بأعمال الترميم في كنيسة القيامة.
وبحسب التقسيم فإن النافذة والسلم والحافة كلها ملك للأرمن. وكانت الحافة بمثابة شرفة لرجال الدين الأرمن المقيمين في كنيسة القيامة، ووصلوا إليها عبر السلم.
وكانوا يستخدمونها للحصول على الهواء النقي وأشعة الشمس. وفي إحدى المراحل، على ما يبدو، قاموا أيضاً بزراعة خضراوات طازجة على الحافة.
تُظهر أيضاً "مطبوعة حجرية" من عام 1842 السلم في مكانه. وتعود أقدم صورة فوتوغرافية تُظهر السلم الثابت إلى خمسينيات القرن التاسع عشر. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، كان السلم الثابت يستخدم لجلب الطعام للرهبان الأرمن.
وتذكر الروايات أن السلم الثابت استخدمه الرهبان الأرمن لتنظيف النوافذ فوق الحافة. وتم استخدام الحافة الحجرية التي يرتكز عليها، من قبل الجمهور خلال المناسبات الدينية
3 مرات حُرك السلم الثابت من مكانه وتسبب بعضها بأزمة
خلال 300 سنة تم تحريك "السلم الثابت" 3 مرات فقط، الأولى عام 1981، عندما حاول شخصٌ ما إزالته من مكانه، لكن الشرطة أوقفته بسرعة.
الأسوأ من ذلك، كانت في عام 1997 تمكّن شخص آخر من سرقته وبقي السلّم مفقوداً عدّة أسابيع.
لكن السلطات تعرفت على الجاني الذي صوّرته الكاميرات، واتضح أنه سائح مسيحي، وبعد دخوله كنيسة القيامة، وجد طريقه إلى النافذة اليمنى، وانحنى إلى الخارج، وسحب السلم إلى الداخل وقام بإخفائه، وبعد التحقيق معه ادعى أنه أراد أن يوضح مدى سخافة الخلاف الموجود حول إدارة كنيسة القيامة.
تم العثور على السلم في وقت لاحق وأعيد إلى مكانه. والمرة الثالثة كانت عام 2009 عندما حُرِّك السلّم من مكانه، وذلك لفترة وجيزة بسبب أعمال ترميم، ثم أعيد إلى مكانه المعروف منذ 3 قرون.